آخر ما كان يخطر على بال من تأبطوا سجاداتهم نهار العيد وقصدوا «المسجد العتيق» لأداء صلاة الجمعة في قرية الجماعة التابعة لمقاطعة ابن امسيك، هو أن ينزل السقف على رؤوسهم مثل الباطل، ويتحول عيدهم إلى مأتم. لا أحد كان يتوقع كارثة الدارالبيضاء لأن الجميع اعتقد أن الأربعين روحا التي أزهقت تحت أنقاض مسجد «باب بردعيين»، في مكناس، كانت كافية لاستخلاص الدروس والعبر وتفادى تكرار المأساة، ولأن «المسجد العتيق» الذي تهاوى على المصلين ليس عتيقا إلى هذه الدرجة، إذ لم تمض سوى أسابيع معدودة على إعادة فتحه في وجوه المؤمنين بعد إغلاق دام ستة أشهر «من أجل الإصلاح»، وأضعف الإيمان أن يفتح تحقيق لمعرفة أين ذهبت الخمسون مليونا التي أهدرت على صفقة الترميم، رغم أن ذلك لن يعيد إلى الضحايا صحتهم. اللصوص... خمسون مليونا كي يطلوا الحيطان بالجير ويعرضوا حياة الناس للهلاك! جميعا سمعنا عن تشميع عشرات الجوامع المهددة بالانهيار، وإطلاق حملة واسعة اسمها «خطة إصلاح المساجد» رصدت لها ملايين الدراهم، وشاهدنا أحمد التوفيق في الأخبار وبرامج التلفزيون يطلب من المغاربة أن يطمئنوا ويركزوا على خشوعهم أثناء الصلاة، لأن الدولة استوعبت جيدا درس صومعة «باب بردعيين» وباتت حريصة، أكثر من أي وقت مضى، على سلامتهم. لذلك كان من الصعب أن نفيق صباح العيد على خبر انهيار مسجد على رؤوس المصلين... «خايبة حتى للتعاويد». ويبدو أنه مهما صرفنا وأهدرنا من ملايين، لا أحد يستطيع أن يضمن بقاء الصومعات والسقوف في مكانها، لأن الفساد ينخر دواليب الإدارة، وحتى عندما يكون الموظف نزيها، من الصعب أن تعثر على مقاول لا يعتبر الغش، مثل السواري، ركنا من أركان البناء. خطة أحمد التوفيق لترميم المساجد أبانت عن فشلها الذريع، وبدل أن يسمن أرصدة المقاولين الغشاشين، أقترح على وزير الأوقاف أن يطلق حملة أخرى اسمها «مسجد لكل مواطن»، ويصرف ميزانية الترميم على شراء مساجد صغيرة يوزعها على المصلين في كل أنحاء البلاد. البعض يتساءل من أين سنأتي بهذه المساجد؟ إنها موجودة تنتظر فقط من يشتريها: مساجد صغيرة من اختراع إمام جزائري في فرنسا خلط «الإيمان» ب»الماركوتينغ» وحوّل «الخشوع» إلى «حاجة» استهلاكية. مسجد/بورطابل لا يتجاوز طوله مترين، مصنوع من البوليستير والورق المقوى ومزود بمحراب صغير يجمع ويطوى، ثمنه قليل وأجره كثير: 69 أوروها للمسجد، أي سبعمائة درهم، «لا غلى على مسكين وآرا ما تركع»... الواقع أنه منذ أن سقطت «المادرية» الضخمة من سقف البرلمان، العام الماضي، وكادت تترك «التعليم المدرسي» بلا كاتبة دولة، كان علينا أن نعرف أننا نعيش في بلاد كل شيء فيها معرض للسقوط في أي لحظة. إسألوا لطيفة العابدة التي لم تكن تعرف أن الجواب عن الأسئلة الشفوية للبرلمانيين مهمة خطيرة إلى ذلك الحد. بلاد كل شيء فيها «على سبة»، حتى الوزير الأول «يتكردع» على أنفه بسبب مرض السكري، ودعكم من تكذيبات «العلم»... إسالوا الصحافيين الذين رافقوه العام الماضي في رحلته إلى اليابان.