نصف رؤساء فرق القسم الأول لكرة القدم راودتهم فكرة الاستقالة والنصف الآخر منهم من ظل يعتقل الفكرة في دواخله، ومنهم من انشغل ببناء جدار أمني يحميه من غارات المنخرطين. تحولت الاستقالة إلى ما يشبه قرص أسبيرين، يلجأ لها رؤساء الفرق كلما جثمت عليهم سحابة الغضب، فحين خسر الكرتيلي رئيس اتحاد الخميسات في امتحان الانتخابات التشريعية، أقسم ألا يعود للتسيير الرياضي والسياسي وأصر على الاعتكاف في مقاهي العاصمة، وفي أول فرصة سانحة للتسجيل نسي وعده وتحول إلى «طاشرون» يبني صرح نادي الرؤساء. وفي الهزيع الأخير من البطولة بشر عبد الله التومي رئيس الدفاع الجديدي الصابرين باستقالة لا ريب فيها، قبل أن يتراجع عن قراره بناء على ملتمس من بقية أعضاء المكتب المسير، وغير بعيد عن الجديدة أعلن رئيس أولمبيك آسفي أحمد غيبي استقالة مؤجلة، قبل أن تتدخل الولاية وتسحب الفكرة من دواخل الرجل لأنها لا تعترف إلا بالاستقالات التي تقدم تحت الطلب. وانتابت غلام فورة غضب، حمل إثرها استقالته وراح يبحث عن رئيس يملك قدرة على مواجهة ضغط المنخرطين، قبل أن يعدل عن رأيه ويلعن في قرارة نفسه الشيطان الرجيم، واختار غريمه التقليدي عبد الإله أكرم وعدا بالاستقالة، مع تطمينات للوداديين تعد بانتداب مدرب كبير ولاعبين من العيار الثقيل. وعندما كان النادي المكناسي يعاني من سكرات النزول، هدد محمد قداري رئيس الفريق بالاستقالة، لكن حين منح الوالي لاعبي الكوديم بقعا أرضية، قرر الرئيس تأجيل الاستقالة إلى أن يضمن للاعبين قبر الحياة وللفريق قبرا في القسم الثاني. وأعرب حكيم دومو رئيس النادي القنيطري عن رغبته في الاستقالة، بعد سجال مع المجلس البلدي الذي أغلق صنابير الدعم، وصراع مع مكتب توزيع الماء والكهرباء الذي قطع الماء عن الملعب البلدي وحوله إلى فضاء للجفاف والعطش. وفي العيون لم تنته المباراة التي جمعت رئيس الفريق حسن الدرهم برئيس المجلس البلدي، فالأول يغلق باب ملعب الشيخ الأغضف والثاني يفتحه في وجه العموم، على الرغم من الاستقالات التي كتبت من محبرة مليئة بالماء غير الصالح للكتابة. وحين قيل لجدير أراك عصي الدمع شيمتك الصبر، كشف عن استقالة محنطة من أولمبيك خريبكة . أما عبد المالك أبرون فكانت له رؤية أخرى للاستقالة حيث فضل تفويض تدبير المغرب التطواني لابنه أشرف، الذي لم يتردد في اختبار قدراته على المواجهة في ما يعرف بقضية لمباركي. كل هؤلاء وغيرهم سرعان ما يبتلعون استقالتهم، ويعلنون توبتهم ويمسحون التهمة في ظنين اسمه الغضب، لكن حقيقة الأشياء تقول أن مال التأهيل له من الجاذبية ما يجعله مبطلا للاستقالات، لقد أعلن كثير من المسؤولين القدامى استقالتهم حين أفلسوا وباعوا أثاثهم من أجل توفير مصاريف فرقهم، واليوم وبعد أن اختفى مسير/ الشكارة عشنا زمن الخلود فوق كرسي الرئاسة الوثير. ولأن الكثير من المسيرين أقسموا بأغلظ إيمانهم بتطليق الكرة ثم حنثوا، فإن مدونة الكرة يجب أن تتصدى لهذه الظاهرة من خلال بند يمنع الرؤساء من إعلان ثلاث استقالات متتالية، على غرار ما هو متداول في مدونة الأسرة، حيث تحرم الزوجة على زوجها لمجرد إشهار كلمة أنت طالق ثلاث مرات، ولا تحل المساكنة الشرعية إلا بانتداب محلل. لماذا لا نجرب هذه الوصفة مع رؤساء يشهرون استقالتهم دون رادع وكأن الرأي العام بلا ذاكرة؟ لماذا لا يبحث المنخرطون عن رئيس جديد لمجرد النطق بالاستقالة ثلاث مرات جهرا؟ حينها سنستبدل كلمة «أقالوه» بكلمة مهذبة أخف ضررا على النفس اسمها «استقالوه».