هذه مجموعة من بعض النصوص التي ترجمتها في السنوات القليلة الماضية من اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مقالات كتبتها لترافقها. وهذه النصوص عبارة عن مواد ثقافية متنوعة في السياسة، التاريخ، الاجتماع، الأدب العلم، الفن، والطب النفسي. ودافعي لترجمة هذه النصوص- في المقام الأول- هو تأثري بشخصيات قائليها ونبل المبادئ التي يدعون إليها في معظم النصوص، أو أهمية الموضوعات وكونها قد تكون غير معروفة تماما بالنسبة إلى القارئ العربي كما في بعضها الآخر. كنت عندما أستلم شهادات الدكتوراة الفخرية في الماضي، وأستمع إلى الخطب التي تمجدني في هذه المناسبات، أضحك داخل نفسي على كوني في أكثر هذه المناسبات أصبحت مثل بطل قصة أسطورية، مثل شاب يضرب - باسم الحق والخير - برأسه حائط قلعة يسكن فيها ملك شرير، حتى يسقط الحائط ويصبح هو بدوره ملكا عادلا سنوات طويلة. لست أستهين بهذه المناسبات، فأنا أقدِّر جميع شهادات الدكتوراة الفخرية التي حصلت عليها، وشعرت بتأثر شديد في كل مناسبة. وإنما ذكرت هذا التشبيه، الطريف نوعا ما، لهذه الأشياء، لأني بدأت أفهم الآن كيف أن كل شيء كان فخا شيطانيا نصبه القدر لي! لقد نُقلتُ بين يوم وليلة إلى عالم الأساطير، ثم في السنوات التي تلت ذلك اضطررت إلى العودة إلى الواقع، وإلى فضيلة معرفة أن عالم الأساطير هو مجرد وهم إنساني، وأن العالم ليس مشيدا على نمطها. وهكذا، ومن غير أن أحاول أن أكون مَلِكا أسطوريا، وبالرغم من أني وجدت نفسي مجبرا عمليا على منصبي من خلال مصادفة تاريخية كتلك.. لم أُمنح أي حصانة دبلوماسية من السقوط الموجع على أرض الواقع الصُّلب.. سقطت من عالم المتعة الثورية الأسطوري إلى عالم الرتابة «البيروقراطية» الواقعي! أرجو أن تفهموني جيدا! أنا لا أعني مطلقا أنني خسرت المعركة، وأن كل شيء كان عقيما. على العكس، العالم والإنسانية والحضارة تمر بأهم تقاطع في تاريخها. لدينا فرصة أكبر من أي وقت مضى لفهم وضعنا وتناقضاتنا، وأخذ قرار في مصلحة العقل والسلام والعدل وليس لمصلحة تدمير أنفسنا. لكي نسير في طريق العقل والسلام والعدل نحتاج إلى الكثير من التأمل، والمعرفة، والعمل الشاق، وإنكار الذات، والصبر، والاستعداد لمخاطرة سوء الفهم من الآخرين، وفي الوقت نفسه نحتاج أن يعرف كل شخص طاقته ويعمل بمقتضاها، متوقعا أن قوته ستزيد أو تنقص بموجب المهام الجديدة التي وضعها لنفسه. بعبارة أخرى: لن يكون هناك اعتماد على الأساطير، ولم يكن هناك اعتماد على مصادفات التاريخ التي ترفع الشعراء إلى أماكن إمبراطوريات وجيوش سقطت وزالت. أصوات الشعراء التحذيرية ينبغي أن يصغى إليها بعناية وجدية. ربما بجدية أكبر من أصوات أصحاب البنوك وسماسرة الأسهم! لكن، وفي الوقت نفسه، يجب ألا نتوقع أن العالم عندما يحكمه الشعراء سوف يتحول إلى قصيدة! وعلى الرغم من كل ما ذكرته فإن هناك شيئا واحدا أنا متأكد منه دون ريب: بغض النظر عن أدائي الدور الذي أعطي لي، وبغض النظر عن مقدار رضاي الشخصي، أعتقد أن رئاستي كانت هبة رائعة من القدر. على الأقل حصلت على فرصة لأساهم في أحداث تاريخية خلال متغيرات عالمية كبرى. وهذه الفرصة العظيمة كانت - دون شك - تستحق كل الفخاخ المنصوبة خفية داخلها. والآن.. اسمحوا لي أن أحاول أن أبتعد عن نفسي، وأن أقدم صياغة لثلاثة من يقينياتي القديمة التي تأكدت منها خلال فترة رئاستي: أولا، لكي تنجو الإنسانية وتتجنب كوارث جديدة، فإن النظام السياسي العالمي يجب أن يصاحبه احترام صادق ومتبادل بين جميع الحضارات والثقافات والدول، وأن تصاحبه جهود صادقة من الجميع للبحث عن - والعثور على - المبادئ الأخلاقية الأساسية المشتركة، وبالتالي مزجها في قواعد عامة تحكم تعايشهم في هذا العالم الوثيق الاتصال. ثانيا، يجب مواجهة الشر في مهده، ويجب استعمال القوة إذا لم يكن هناك خيار آخر. وإذا كان لابد من استعمال الأسلحة المتطورة والمكلفة جدا، فيجب أن تستعمل بطريقة لا تضر بالسكان المدنيين. وإذا كان ذلك غير ممكن فإن المليارات التي صرفت على هذه الأسلحة تكون قد ضاعت هدرا. ثالثا، إذا فحصنا كل المشاكل التي تواجه العالم اليوم، سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم بيئية أم حضارية، فإننا سوف نواجه - شئنا أم أبينا- إشكالية تتعلق بالعمل الواجب اتخاذه: أهو مناسب ومسؤول، من وجهة النظر العالمية البعيدة المدى، أم لا؟ للجواب عن هذا السؤال لابد من مراعاة المحاور الأساسية والعالمية التالية: النظام الأخلاقي، وحقوق الإنسان، والضمير الإنساني، والفكر المنبثق عن هذه المحاور، والذي لا يمكن إخفاؤه خلف ستار من الكلمات المنمقة والنبيلة. أصدقائي الأعزاء.. عندما أنظر حولي وأرى أشخاصا كثيرين مشهورين، يبدون كأنهم هبطوا من مكان ما في السماء العالية، لا أستطيع مقاومة شعور بأني في نهاية سقوطي الطويل من عالم قصة أسطورية إلى الواقع الصلب، أجد نفسي مرة أخرى داخل قصة أسطورية! ربما الفارق الوحيد هو أنني الآن أدرك هذا الشعور أكثر مما كنت أقدر عليه في ظروف مشابهة قبل ثلاثة عشر عاما! * كاتب ومترجم سعودي مقيم بالمغرب