هذه مجموعة من بعض النصوص التي ترجمتها في السنوات القليلة الماضية من اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مقالات كتبتها لترافقها. وهذه النصوص عبارة عن مواد ثقافية متنوعة في السياسة، التاريخ، الاجتماع، الأدب العلم، الفن، والطب النفسي. ودافعي لترجمة هذه النصوص- في المقام الأول- هو تأثري بشخصيات قائليها ونبل المبادئ التي يدعون إليها في معظم النصوص، أو أهمية الموضوعات وكونها قد تكون غير معروفة تماما بالنسبة إلى القارئ العربي كما في بعضها الآخر. - ديسباتش: الجنرالات المتقاعدون يتكلمون دائما نيابة عن زملائهم داخل الجيش. زن: هذا صحيح. إنهم في وضع يسمح لهم بقول ما لا يستطيع الآخرون قوله. كانت هناك مقاومة في الجيش في الكثير من حروبنا، ولكن حتى حرب فيتنام، لم تصل -بالفعل- إلى درجة تغيير السياسة. كان هناك الكثير من حركات التمرد ضد واشنطن في الجيش الثوري- في الحرب العالمية الأولى- بالطبع. دخلت الولاياتالمتحدة الحرب فترة قصيرة.. سنة ونصفا تقريبا. بالتأكيد الحرب العالمية الثانية كانت حالة مختلفة. هذا ما يجعل فيتنام ظاهرة تاريخية بالفعل. لقد كانت أول تجربة نشاهد فيها حركة في الجيش كان لها دور مهم في تغيير سياسة الحكومة. ومن المثير للانتباه أننا، منذ ذلك الحين، خضنا حروبا قصيرة فقط - باستثناء العراق - وتلك الحروب صُممت عن قصد لتكون قصيرة حتى لا يكون هناك وقت لقيام حركة مناهضة للحرب. في حالة العراق، أخطؤوا الحسابات. الآن.. لا أعتقد أن هناك أي مجال للشك في كون الولاياتالمتحدة سوف تُجبر على الانسحاب من العراق. الأسئلة هي: كم سيستغرق ذلك؟ كم من الناس سيموتون؟ وكيف سيتم ذلك؟ - ديسباتش: دعني أتحول إلى قضية أخرى كتبتَ عنها في الستينيات: جرائم الحرب. لقد كانت «جرائم الحرب» آخر تهمة تصل إلى «الإعلام السائد» في هذه السنوات.. وأول ما غادرها! نحن عاصرنا جرائم عديدة بكل تأكيد في السنوات الأخيرة، من «أبو غريب» و«غوانتانامو» إلى أفغانستان. أنا أتساءل: لماذا لا تَعْلَق، كفكرة، بذاكرة الأمريكان؟ زن: إنها تبدو عسيرة كفكرة. جرائم حرب.. جرائم حرب.. صعبة الإمساك! هناك استعداد للقول إن القيادة مخطئة، ولكن الأمر يحتاج إلى قفزة هائلة للقول إن القيادة شريرة. مع الأسف، لا يزال في الثقافة الأمريكية نوع من الفكرة المَلَكيّة، وهي أن الرئيس وأعوانه أناس من فئة خاصة، وبينما يمكن أن يرتكبوا أخطاء، لا يمكن أن يكونوا مجرمين! حتى بعد تحول الناس ضد حرب فيتنام، لم يكن هناك كلام بكثرة عن كون جونسون و وزير الدفاع روبرت مكنمارا والبقية من معاونيهما من مجرمي حرب! وأنا أعتقد أن هذا يعود إلى ثقافة أمريكية تقوم على تقديس الرئيس ورجاله.. ويرفض الناس مجرد التفكير بما وراء هذه الثقافة! - ديسباتش: كيف يمكن لما يسمى ب«الاستثنائية الحضارية الأمريكية» أن تؤثر في هذا الأمر؟ زن: أنا أعتقد أن أغلب الأمريكيين الذين ناهضوا الحرب في فيتنام كانوا -مع ذلك- يعتقدون أن جوهر هذا البلد هو الصلاح. لقد بدت لهم حرب فيتنام «انحرافا فرديا شاذا» عن الطريق السوي. القلة فقط في حركة مناهضة الحرب استطاعت أن تتوصل إلى الحقيقة، وترى الأمر جزءا من سياسة مستمرة من الإمبريالية والتوسع. أعتقد أن هذا الوضع صحيح اليوم أيضا. إنه أمر في غاية الصعوبة أن يتخلى الأمريكيون عن فكرة كونهم أمة طيبة. إنهم يرتاحون عندما يفكرون بهذه الطريقة! يعترفون بالأخطاء، لكن يعتبرونها فردية وشاذة. أنا أعتقد أننا نحتاج إلى قدر عظيم من الوعي السياسي لكي نربط نقد سياسة ما أو حرب ما بتقويم عام سلبي للبلد وتاريخه. إذا تحقق هذا، سيجعل الكثير من الأمريكيين يعيدون النظر في «نبل المقاصد الأمريكية». بالطبع.. هناك أمر مهم، وصحيح في الوقت نفسه، وهو وجود مبادئ جيدة تؤيدها الولاياتالمتحدة.. أو هكذا هو المفترض. ولكن المشكلة أن الناس يخلطون بين المبادئ والسياسات، وطالما استطاعوا أن يحتفظوا بهذه المبادئ - العدالة والمساواة وغيرها - في رؤوسهم، فإنهم يترددون جدا في قبول حقيقة أنه تم انتهاك حقوقهم باتساق تام. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني أن أشرح بها الخدعة العقلية التي تمنع الشعب الأمريكي من اعتبار الرئيس ورجاله مجرمي حرب. - ديسباتش: إذا تركنا كارثة العراق جانبا، ما رأيك في بصمات إدارة بوش على المشروع الإمبريالي الأمريكي؟ زن: أعتقد أن الإمبراطورية الأمريكية وصلت إلى حدودها القصوى في الشرق الأوسط. ولا أعتقد أن لها مستقبلا في أمريكا اللاتينية. أعتقد أنها استهلكت ما تملك من قوة هناك، ونحن نرى صعود حكومات لا ترغب في أن تكون عميلة للولايات المتحدةالأمريكية. قد يكون هذا واحدا من الأسباب التي تجعل من حرب العراق درسا مهما لهذه الإدارة. فيما عدا العراق، لا يوجد مكان آخر يمكنها الذهاب إليه. لذلك دعني أوضح الأمر كما يلي: أنا أرى أن الانسحاب من العراق عندما يحدث - وهذا مزيج من الاعتقاد والتمني (يضحك) - سيكون الخطوة الأولى في تقزيم الإمبراطورية الأمريكية وعودتها إلى التخندق داخل حدودها. على كل حال، نحن لسنا أول دولة في التاريخ تُجبر على فعل ذلك. أود أن أقول إن ذلك سيكون بسبب المعارضة الداخلية الأمريكية، ولكن أشك جدا أن يكون بسبب معارضة بقية العالم لغزوات أمريكية جديدة في أماكن أخرى في المستقبل.. إنني أعتقد أن 11 سبتمبر قد يمثل بداية انحلال الإمبراطورية الأمريكية، وهذا يعني أن الحدث ذاته، الذي بلور المساندة الشعبية للحرب فوريا، قد يمثل في المدى الطويل - وأنا لا أدري كم سيستغرق ذلك - بداية إنهاك الإمبراطورية الأمريكية وتفتتها. - ديسباتش: ستكون هناك مفارقة في هذا الأمر! زن: نعم.. بالطبع. * كاتب ومترجم سعودي مقيم بالمغرب