على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية، لم يبرع أحد في نشر أسرار المشاهير والنجوم وشخصيات المجتمع العالمية كما فعلت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، التي اعتبرها البعض أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في تاريخ التلفزيون... استطاعت الإعلامية ذات الأصول الإفريقية أن تشق طريقها، بنجاح مبهر، لتجعل مشاهير العالم يكشفون عن أسرار حياتهم العاطفية ويميطون اللثام عن ماضيهم المؤلم، بل ويعترفون حتى بأخطاء ماضيهم ويواجهون أكبر هواجسهم. وفي المقابل، كانت أوبرا منفتحة دوما مع جمهورها حول تفاصيل قصة حياتها والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها، في صغرها. كما كانت صريحة جدا في ما يتعلق بعلاقاتها العاطفية، ومشاكل وزنها الزائد ومعتقداتها الدينية وحتى تبرعاتها الخيرية ورؤيتها للعالم، ككل. في هذه الحلقات المشوقة، تقوم الكاتبة والمحققة الإعلامية المثيرة للجدل، كيتي كيلي، بسبر أغوار قصة حياة أوبرا وينفري ومسيرة نجاحها المهني، من خلال كتابها المثير «أوبرا: سيرة حياة»، مستقصية، بحس نقدي عالٍ، القصصَ التي ترويها أوبرا عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بأفراد أسرتها وشركاء عملها. وباختصار، سيكتشف القارئ، من خلال هذا الكتاب، وجهاً آخرَ لحياة الإعلامية المشهورة، يؤكد أن أوبرا لم تُلقِ بعدُ بكل ما في جعبتها من أسرار... في السنوات التي تلت اعتراف أوبرا الصادم بتعرضها للاغتصاب، شرعت المذيعة المشهورة في استعراض المزيد من التفاصيل حول التّحرُّشات الجنسية التي كانت تتعرض لها، وهي ما تزال طفلة صغيرة في منزل والدتها. كانت أوبرا وينفري تقول: «كان صديق ابنة عمة والدتي المقرَّب يتحرش بي، دوما وباستمرار. وقد نمّى لدي هذا شعورا بأنني كنت مستهدَفة، بشكل ما، في العائلة، بل إنني كنت أعتقد أن الأمر كلَّه كان ذنبي وخطئي من البداية.. وقد أحسستُ وقتها بأنني الوحيدة في العالم التي تعاني من هذا الأمر، ولذا فقد كنت أشعر بالوحدة القاتلة، خاصة وأنني كنت أعتقد أنني سأكون في مأمن ما لم أُخبرْ أحدا بما يحصل لي. كنت أعرف -بدافع الغريزة- أنني لو أخبرت أحدا فسأكون أنا المَلومة، لأنه في تلك الأيام لم يكن أحد ليصدق ما أقوله.. أو كما كان يقول «با» عن «سيلي» في رواية «اللون الأرجواني»، للكاتبة أليس والكر: «إن سيلي تكذب دوما».. كانت أوبرا تعترف بأن ذلك الشاب، صديق عائلتها، كان يخبر الجميع بأنه مغرَم بها وبأنه سيتزوج بها، لأنها أذكى منهم جميعا. كان يقول هذه الكلمات ويخرج مع أوبرا وحدهما. «كان الكل يعرف ما يحدث وكان خيارهم أن يغُضُّوا الطرف. لم يكونوا يريدون أن يعرفوا ما يحدث. كانوا في حالة من النكران. بعد ذلك، حدث ذلك الأمر المقزِّز، حيث إن ابنة عمتي التي كانت تعيش في المنزل تتعرض للضرب على يد عشيقها، وكنت معتادة على مساومته على عدم ضربها إذا كان يريد أن يمارس الجنس معي. كنت أحس بأن علي أن أحميها، بشكل ما، وكنت أقول له: حسنا سأذهب معك ولكن عليك أن تعدني بألا تضرب «أليس» (ابنة عمها).. وكان ذلك.. وقد استمر الأمر حتى أصبح لدي اعتقاد راسخ بأن هذه هي الحياة».. كانت أوبرا تبدو منفتحة جدا في الحديث عن علاقاتها الخاصة في التلفاز إلى درجة أنْ لا أحد كان يشك، ولو للحظة، في أنه ما زال في جعبتها المزيد من الأسرار.. كانت أوبرا وينفري مثل أبطال الكوميديا الذين يُخْفون سوداويتَهم عن طريق الهزل والضحك، فقد تعلمت كيف تمزح بشأن آلامها وماضيها، في حين تبقي أشدّ الأسرار إيلاما مخبأة بعناية عميقا في قلبها... كانت أوبرا تعرف كيف تزود الجمهور بالقدر الكافي من المعلومات، لتمتعهم من دون أن تثير شهيتهم لمعرفة المزيد أو التدقيق في ما قالته، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلها تتولى العلاقات العامة الخاصة ببرنامجها، عندما أصبح يذاع في الولاياتالمتحدة كلها. وفي الوقت الذي كانت أوبرا تبدو وكأنها تخبر جمهورَها بكل شيء يتعلق بتفاصيل حياتها، كانت تُبقي أمورا كثيرة جدا خارج إطار التلفزيون. كانت تحس بأنها في حاجة إلى إعطاء صورة ودودة ومنفتحة وطيبة عن شخصيتها، في حين أحست برغبة أخرى ملحة في إخفاء الجزء البارد والمنغلق في شخصيتها.. كانت أوبرا تخشى ألا يحبها الناس إذا رأوا ذلك الجانب الأكثر تعقيدا من شخصيتها الناجحة التي كانت تبرزها. كانت تقول دوما: «إن إرضاء الناس هو عملي.. يجب أن أكون محبوبة حتى من أولئك الأشخاص الذين لا أحبهم».. كان تصوير أوبرا لنفسها كضحية للاعتداء الجنسي يلقي بظلاله على كل برامجها، على امتداد العشرين سنة التي تلت ذلك، كما كان ذلك يؤثر في اختيارها للمواضيع والضيوف، وحتى اختيارها للكتب التي ستناقشها وأيضا تبرعاتها الخيرية وعلاقاتها الإنسانية. كانت دوما تحاول أن تتعايش مع ما حدث لها في منزل والدتها. كانت تستخدم طفولتها الحزينة لتساعد الآخرين، كما نفسَها، غير أن محاولتها فعل ذلك دون اللجوء إلى علاج نفسي متخصص، أدى إلى انعكاس صراعها النفسي المستمر على المشاكل غير المنتهية لوزنها، ما بين ارتفاع وانخفاض، وصوم عن الطعام وإقبال شديد عليه.. كان إحساسها المتزايد بالحاجة إلى السيطرة والتحكم، بالإضافة إلى شعورها الغامر بالرضى، نتيجة وضعها في مركز الاهتمام وكونها محط ثناء ومدح دائمين، متجذرا بشكل عميق في ما حصل لها في سن المراهقة من اعتداء جنسي. وقد أدّت حاجة أوبرا إلى الخروج من وحل حفرة الماضي العميقة نحو نجاحها المبهر، إمكانيات الأغنياء المادية اللا محدودة تمتد، شيئا فشيئا، لإخراج الفقراء من مستنقع العوز. ترسَّختْ صورة أوبرا وينفري، بوصفها فتاة فقيرة سوداء ولدت من غير أب لأم مراهقة -كانت أوبرا تقول إنها حملت بها وهي تشعر بالعار منها- عندما شرعت المذيعة في إجراء الأحاديث الصحافية في شيكاغو. كانت تخبر الصحافيين بأنها لم تحصل في حياتها وهي طفلة على «فستان جديد تم ابتياعه من محل»، كما لم يكن لديها حذاء حتى بلغت سن السادسة.. وكانت الدمية الوحيدة التي لديها هي دمية مصنوعة من الذرة وأعواد تنظيف الأسنان».. كانت دوما تصف سنواتها الأولى بالوحدة، فلم يكن هناك أي أحد لتلعب معه سوى الخنازير التي كانت تركب على ظهرها في باحة منزل جدتها. كانت تقول: «لم يكن لديّ سوى حيوانات الزريبة لأتحدث معها.. وكنت أقرأ لها قصصا من الكتاب المقدَّس»!.. وقد كانت السنوات التي قضتها مع أمها في «ميلواكي» أكثر سوءا. تقول أوبرا: «لقد كنا من الفقر والعوز إلى درجة لم نكن نستطيع معها حتى شراءَ كلب أو قطة.. لذا فقد قمت باستئناس صرصارين... كنت أضعهما في علبة وكنت أطلق عليهما اسمي «ميليندا» و«ساندي»... كانت وينفري تُمتِّع جمهورَها بحكاياتها عن معاناتها في حمل الماء من البئر وحلب الأبقار وتجفيف المياه الوسخة.. حكايات طفولة من المعاناة كانت أقرب إلى الحكايا الخيالية منها إلى الواقع. وكانت أغلب هذه الحكايا تنسج حول جدها وجدتها اللذين ربياها حتى سن السادسة. «آه من الضرب.. لقد كان السبب الرئيسي وراء رغبتي في أن أكون بيضاء البشرة هو أنني لم أكن أرى أيَّ طفلٍ أبيضَ يتعرض للضرب من والديه»!.. وكانت أوبرا تخبر الكاتبة لين تورنابين: «لقد كانت جدتي تضربني طوال الوقت. كان ذلك جزءا من التقاليد الجنوبية في تربية الأولاد. إذا قمت بسكب شيء على الأرض، كنت أتعرض للضرب. إذا قمت باختلاق قصة، أتعرض للضرب.. كانت جدتي تضربني بالسوط.. وكان يمكن أن تضربني، كل يوم، دون أن تكلَّ أو تَمَلّ»!..