على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية، لم يبرع أحد في نشر أسرار المشاهير والنجوم وشخصيات المجتمع العالمية كما فعلت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، التي اعتبرها البعض أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في تاريخ التلفزيون... استطاعت الإعلامية ذات الأصول الإفريقية أن تشق طريقها، بنجاح مبهر، لتجعل مشاهير العالم يكشفون عن أسرار حياتهم العاطفية ويميطون اللثام عن ماضيهم المؤلم، بل ويعترفون حتى بأخطاء ماضيهم ويواجهون أكبر هواجسهم. وفي المقابل، كانت أوبرا منفتحة دوما مع جمهورها حول تفاصيل قصة حياتها والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها، في صغرها. كما كانت صريحة جدا في ما يتعلق بعلاقاتها العاطفية، ومشاكل وزنها الزائد ومعتقداتها الدينية وحتى تبرعاتها الخيرية ورؤيتها للعالم، ككل. في هذه الحلقات المشوقة، تقوم الكاتبة والمحققة الإعلامية المثيرة للجدل، كيلي كيتي، بسبر أغوار قصة حياة أوبرا وينفري ومسيرة نجاحها المهني، من خلال كتابها المثير «أوبرا: سيرة حياة»، مستقصية، بحس نقدي عالٍ، القصصَ التي ترويها أوبرا عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بأفراد أسرتها وشركاء عملها. وباختصار، سيكتشف القارئ، من خلال هذا الكتاب، وجهاً آخرَ لحياة الإعلامية المشهورة، يؤكد أن أوبرا لم تُلقِ بعدُ بكل ما في جعبتها من أسرار... تبدأ كيلي كيتي كتابها بالحديث عن اللحظة التي شكلت الظهور الإعلامي الأقوى والأبرز لأوبرا وينفري في التلفزيون الأمريكي، حيث شكل ظهور أوبرا، تلك الفتاة المكتنزة، ذات الأصول الإفريقية في ثمانينيات القرن الماضي، طفرة في عالم البرامج الحوارية الأمريكية: انطلقت أوبرا وينفري في شيكاغو في ولاية إلينوي، قادمة من بالتيمور في ولاية ميريلاند، في دجنبر من عام 1983. حينها، اجتاحت موجة من الصقيع القارس مدينة «ويندي سيتي» وصلت بدرجات الحرارة إلى 23 درجة مئوية تحت الصفر... وصلت أوبرا في ذلك الوقت لتذيع أحد البرامج الحوارية النهارية الخاصة في شبكة تلفزيون «دبليو إل. إس.» الخاصة في شيكاغو، وفي الثاني من يناير من عام 1984، نزلت أوبرا، بجسمها المكتنز، مرتدية معطف الفرو الخاص بها وأقراط أذنيها الضخمة، نحو أهم شوارع المدينة، لتدعو المشاهدين مباشرة للمشاركة في برنامجها. كانت تُلوِّح لهم وتصيح بأعلى صوتها،: «هاي.. أنا أوبرا وينفري. المذيعة الجديدة لبرنامج شيكاغو الصباحي... أنا الآنسة الزنجية على الهواء». لقد صنعت أوبرا كرنفالا حقيقيا بخرجاتها العفوية إلى الشارع، حيث كانت تلوح للناس وتتواصل معهم وتصرخ معهم، من فرط الإثارة والحماس. يقول بيل زفيكر من صحيفة «شيكاغو صن تايمز»: «لقد ظننت أن محطة شيكاغو التلفزية قد جُنَّ جنونها، عندما علمت أنهم قاموا بتوظيف مذيعة من أصول إفريقية لتقوم بإذاعة البرنامج الصباحي في أحد أكثر المدن انقساما، بسبب العرق، في أمريكا، وحيث إن معظم المشاهِدات في الضواحي كن ربات بيوت بيضاوات، فإنه، لحسن الحظ كان ظني خائبا!».. لقد شهدت شيكاغو ثورة تلفزيونية منذ ظهور أوبرا، فخلال الأسبوع الأول من ظهور «سيدة البرامج الحوارية» في القناة، تفوق برنامجها الصباحي في معدلات المشاهدة على برنامج «دونهيو»، الحواري الشهير. وبعد عام واحد فقط، كان على فيل دونهيو، أحد أعمدة البرامج الحوارية الأمريكية ومقدم برنامج دونهيو، أن يحزم حقائبه ويغادر نحو نيويورك، فلم تعد مدينة شيكاغو تتسع لنجمين تلفزيونيين... ومع تزايد ارتفاع معدلات المشاهدة التي حظيت بها «الآنسة الزنجية»، كان دنهيو مضطرا، ليس فقط لتغيير مكان عمله، بل أيضا لتوقيت برنامجه، حتى لا يسقط في منافسة خاسرة مع برنامج أوبرا ذائع الصيت. في ذلك الوقت أيضا، صعد نجم وينفري على مستوى الولاياتالمتحدة عموما، فقد حصلت على زيادة قدرها مليون دولار لدى توقيعها على عقد توزيع برنامجها «برنامج أوبرا وينفري» على 138 محطة شملت الولاياتالمتحدة جميعها. وفي سنتها الأولى، حقق البرنامج نجاحا منقطع النظير، حتى إنها ظهرت في برنامج «ذاو تونايت شو» الشهير، المخصص لاستقبال المشاهير، وحصلت على جائزتي «إيمي» محليتين، وبدأت في الاستعداد لتمثيل أول أدوارها السينمائية في فيلم «اللون الأرجواني». وقد جلب لها دور «صوفيا» في الفيلم في ما بعد، جائزة «غولدن غلوب» وترشيحات للأوسكار، كأفضل ممثلة ثانوية. كانت أوبرا، دوما، تروي، بكثير من الغبطة وبعض المزاح، قصة اختيارها للدور من قِبَل المنتج المشهور كوينسي جونز، الذي رشحها لتأدية هذا الدور للمخرج الكبير ستيفن سبلبيرغ. ففي صباح أحد الأيام، شاهد جونز أوبرا على التلفاز في أحد برامجها فأسرع إلى التقاط الهاتف واتصل بسبلبيرغ، فورا، وقال له: «لقد وجدت الشخص المناسب للعب دور صوفيا في الفيلم. إنها سمينة ومشاكسة... مشاكسة جدا!».. أمضت أوبرا صيف عام 1985 وهي تصور الفيلم الذي قالت عنه من بعد إنه أروع صيف قضته في حياتها. تقول أوبرا: «عندما كنت أصور فيلم «اللون الأرجواني»، كنت أحس للمرة الأولى أن لدي عائلة تحبني بصدق... عندها، كانوا يحسون بي ويحبونني حقا، وعندها كانوا يحبونني، لشخصي ولما أقدمه».. في ذلك الوقت، انتشت أوبرا بغمرة النجاح وأحست بأنها وصلت درجة عظيمة من الشهرة الذي كانت تصبو إليها، وكانت تقول بكل ثقة: «إن إنجاز الأشياء العظيمة هو قدَري».. حتى إنها طلبت من ستيفن سبلبيرغ، حينها، أن يضع اسمَها بين أبطال الفيلم على مسرح العرض ويضع اسمها وصورتها في «أفيش» الفيلم. وكانت تقول له: «أنا الشخص الأكثر شهرة في شيكاغو!».. وعندما كان سبلبيرغ يعترض على ذلك بالقول إن ذلك لم يَرِدْ في عقدها كممثلة، كانت توبخه على ما اعتبرته، حينها، خطأ فادحا، وكانت تقول لسبلبيرغ: «انتظر وسوف ترى، سوف أصبح شخصية معروفة في أمريكا كلها.. سأكون شيئا عظيما».. لم يغير سبلبيرغ رأيه في ما يتعلق بملصق الفيلم، ولم تنس له أوبرا ذلك الموقف أبدا.. فعندما أصبحت شخصية إعلامية «عظيمة»، كما توقعت بالفعل، أصبح سبلبيرغ يشغل جزءا صغيرا في مساحة أحقادها. فبعد ثلاثة عشر سنة من هذه الحادثة، روت أوبرا هذه الواقعة، بحذافيرها، لمجلة الموضة الشهيرة «فوغ» عام 1998: «لقد قلت لستيفن سبلبيرغ إنني سأغدو مشهورة جدا وإنه يجدر به وضع اسمي في مُلصَق الفيلم، لكنه استغرب ورفض القيام بذلك. اليوم أحب أن أقول له جملة: «لقد قلت لك ذلك ولم تنصت.. كان يجدر بك وضع اسمي على ذلك الملصق الخاص بالفيلم»!... قبل أسبوع واحد من العرض الأول للفيلم الذي شاركت فيه، قررت أوبرا إجراء حوار في برنامجها حول الاغتصاب وزنا المحارم والتحرش الجنسي. وعندما أحجمت إدارة القناة عن قبول مقترَحها، بادرت أوبرا إلى القول إن الجمهور الأمريكي سيشاهدها بعد أيام في السينما وهي تؤي دورا يتناول نفس الموضوع، فلماذا لا تقوم بمناقشة هذا الموضوع مع جمهورها المحلي في البرنامج؟! ترددت القناة، في بادئ الأمر، في قبول عرض أوبرا الجريء ولكنها سرعان ما قبلت، وشرعت في نشر إعلانات تطلب فيها متطوعين للحديث عن تجربتهم مع الاستغلال الجنسي، على الهواء مباشرة. كان هذا البرنامج، بالذات، يحمل توقيع أوبرا، بشكل واضح -تلك الضحية التي تنتصر على المآسي والشدائد- وكان البدايةَ الحقيقية ل«ظاهرة» أوبرا وينفري الإعلامية. لم يدرك أحد، حينها، ذلك، غير أن هذه الحلقة، بالذات، رفعت أوبرا إلى أعلى مراتب الشهرة في أمريكا وجعلتها -بين عشية وضحاها- النصيرة الأولى لكل ضحايا الاستغلال الجنسي في أمريكا. في تلك الحلقة بالذات، قامت أوبرا بتقديم نوع جديد من البرامج انتقل بمشاهديها على مدى عقدين من الزمن من أوحال المشاكل الاجتماعية الشائكة إلى مصاف النجوم والمشاهير. وخلال هذه الرحلة، أصبحت أوبرا وينفري أول مليارديرة سوداء في العالم، بل وارتقت إلى أن أصبحت «أيقونة» ثقافية تحمل شيئا من هالة القداسة، الأمر الذي كانت توحي به عباراتها التي تتلفظ بها، فقد كانت تقول: «أنا وسيلة من وسائل الرب».. وكانت تقول، في مناسبات عديدة: «أنا رسولة... وبرنامجي هو مؤسستي الكهنوتية»!..