كل الطرق في السباق الانتخابي الأمريكي نحو الرئاسة تمر بالضرورة عبر الإعلام. فجزء كبير من ميزانية الحملات الانتخابية في الولاياتالمتحدةالأمريكية يخصص لتمويل الحملات والدعاية في وسائل الإعلام، خصوصا التلفزة، لكون لغة الأرقام تعطي للتلفزة مكانة كبرى في المجتمع الأمريكي. فحسب استطلاعات الرأي التي أجراها مركز أبحاث «بيو»، فإن 42 في المائة من الأمريكيين يعتمدون على القنوات التلفزية في الحصول على المعلومات حول السباق الرئاسي، وبذلك فإن المشاهد يشاهد، في الآن ذاته، التغطية الإخبارية التي تقدمها القنوات حول مستجدات الحملة، كما يشاهد الإعلانات مدفوعة الأجر من قبل المرشحين، إضافة إلى المناظرات التلفزيونية بين المتنافسين للوصول إلى البيت الأبيض. وبهذا سيحسم الناخب أمره في إعطاء صوته لهذا المرشح أو ذاك. دينامية خاصة وفي هذا الصدد، يوضح محمد العلالي، أستاذ التلفزة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، أن النموذج الأمريكي يعتمد على ديمقراطية مركزة على وسائل الاتصال الجماهيري حيث العلاقات والتفاعلات بين المؤسسات الإعلامية والسياسة الحكومية تفيد دينامية خاصة، تتحول فيها وسائل الإعلام إلى أداة قوية للتأثير على الرأي العام وأداة للوساطة بين القادة السياسيين والمجتمع، خاصة وأن الدستور الأمريكي يمنع على الكونغرس تبني تشريعات أو قوانين تحد من حرية الصحافة والصحفيين. ويرى الأستاذ العلالي أن قوة التلفزة تكمن في كونه الوسيلة الرئيسية لتزويد الأمريكيين بالأخبار والمعلومات على كافة المستويات، إضافة إلى كونه وسيلة مرئية مسموعة تعتمد على تأثير الصورة وإثارة المشاعر والأحاسيس. فالتلفزيون، يضيف العلالي، أداة قوية للتأثير على تمثلات وأذهان المواطنين، لذلك فإن جزءا من الانتخابات الأمريكية يجري على الشاشة، حتى إنه يمكن القول إن هناك واقعا انتخابيا يجري على شاشة التلفاز وواقعا آخر يجري على الأرض. وتعتبر المناظرات التلفزيونية أحد مفاصل الحملة الانتخابية الرئاسية لكونها تركز على صورة المرشحين وقدرة هذا المرشح أو ذلك على الدفاع عن وجهة نظره وقوته في التمسك بآرائه وإقناع الجمهور بها، إضافة إلى صفات القيادة لدى المرشح، وقد وصفها المحلل المستقل للتغطية التلفزيونية للقضايا السياسية، أندرو تيندال، بقوله: «أصبحت المناظرات التلفزيونية الآن حدثا بالغ الأهمية في الانتخابات حتى إنها غطت على الإعلانات الدعائية التلفزيونية والمؤتمرات الخطابية». بثت المناظرات التلفزيونية، أول مرة، إلى الجمهور في انتخابات سنة 1960، حيث كانت المنافسة آنذاك بين جون كنيدي، الوجه الجديد على الساحة السياسية الأمريكية، وبين السياسي المخضرم نيكسون، نائب الرئيس الأمريكي مرتين في عهد دوايت إيزنهاور. وحسب المؤرخين، فإن المناظرات الأربع التي جرت بين الاثنين استطاعت أن ترسخ صورة جيدة لكنيدي في أذهان الناخبين كرجل هادئ ومتماسك، في الوقت الذي بدا فيه نيكسون غارقاً في العرق أمام عدسات الكاميرات والماكياج يسيل على وجهه. إن قوة الصورة وتأثيرها كبير جدا، لذلك فالمناظرات الانتخابية ليست ارتجالية بالمرة، بل يتم التهييء والإعداد لها بدقة متناهية لكون أي خطأ فيها قد يؤدي إلى كارثة تكلف صاحبها كرسي الرئاسة. نجوم السينما والإعلام تتميز الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذه السنة بحضور ودعم عدد كبير من أبرز النجوم والمشاهير في الولاياتالمتحدة، حيث سعى المتسابقون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي منذ انطلاق حملاتهم الانتخابية إلى الحصول على دعم نجوم هوليود. ورغم كون حصة الأسد من الدعم كانت من نصيب الحزب الديمقراطي، فإن مرشحي الحزب الجمهوري استطاعوا الحصول على دعم بعض النجوم كتشيك نوريس، بطل مسلسل تكساس رينجر والممثل آدم ساندلر. أما المشاهير الذين يساندون الحزب الديموقراطي، فأغلبهم يرى في باراك أوباما المرشح الأنسب لكي يكون رئيسا للبلاد. ومن أبرز هؤلاء المشاهير نجد الإعلامية أوبرا وينفري، جورج كلوني، ويل سميث، توم هانكس، جيمي فوكس، جودي فوستر ومورجان فريمان. في حين يساند هيلاري كلينتون كل من المخرج ستيف سبيلبرغ، توبي ماغواير، بطل فيلم سبايدر مان، وداني ديفيتو وجويلي فيشر. وفي القوت الذي يرى فيه البعض في دعم النجوم والمشاهير طريقة لجذب الناخبين وخاصة الشباب منهم، يرى دافيد كينغ، المحاضر في السياسة العامة بجامعة هارفارد، أن تأثير المشاهير خلال الانتخابات العامة التي يكون التنافس فيها بين مرشحين اثنين من كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي، يعد أقل أهمية مقارنة بالانتخابات التمهيدية التي يتنافس عليها عدد كبير من الساعين إلى الفوز بترشيح الحزبين. تأثير أوبرا غير أن تأثير انضمام ملكة الإعلام الأمريكي أوبرا وينفري إلى الحملة الانتخابية لأوباما كان واضحا وملموسا، حيث أدت إلى ترجيح كفة هذا الأخير. فأوبرا لم تقم فقط بإعلان تأييدها واستضافة أوباما في برنامجها العالمي «أوبرا» فحسب، بل شاركت شخصيا في حملة المرشح الديمقراطي في التجمعات الخطابية وبين حشود الناخبين. وقد أشارت بعض التقارير الصادرة عن المؤسسات المختصة في استطلاعات الرأي أن تأييد أوبرا أعطى دفعة لأوباما وسط النساء والأمريكيين السود، بعد أن كان الكثير من الخبراء يتوقعون ترجيح كفة هيلاري وتعاطف النساء معها كما استطاعت أن تجمع عددا لا بأس به من التبرعات لحملته. للإعلام دور كبير وله تأثير واسع في حملات المتسابقين نحو البيت الأبيض، سواء التلفاز، الراديو، الصحف أو الأنترنيت. أموال المرشحين تصرف بدون حساب على هذه الوسائط الإعلامية حتى تصل رسالة كل مرشح وتترسخ في ذهن الناخب الأمريكي المطلوب منه الاختيار يوم الاقتراع بين المرشحين وانتقاء من يعد، في نظره، الأصلح لأن يكون رئيسا لأمريكا على ضوء كل المعلومات والمناظرات والدعاية السياسية التي تلقاها عبر وسائل الإعلام.