على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية، لم يبرع أحد في نشر أسرار المشاهير والنجوم وشخصيات المجتمع العالمية كما فعلت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، التي اعتبرها البعض أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في تاريخ التلفزيون... استطاعت الإعلامية ذات الأصول الإفريقية أن تشق طريقها، بنجاح مبهر، لتجعل مشاهير العالم يكشفون عن أسرار حياتهم العاطفية ويميطون اللثام عن ماضيهم المؤلم، بل ويعترفون حتى بأخطاء ماضيهم ويواجهون أكبر هواجسهم. وفي المقابل، كانت أوبرا منفتحة دوما مع جمهورها حول تفاصيل قصة حياتها والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها، في صغرها. كما كانت صريحة جدا في ما يتعلق بعلاقاتها العاطفية، ومشاكل وزنها الزائد ومعتقداتها الدينية وحتى تبرعاتها الخيرية ورؤيتها للعالم، ككل. في هذه الحلقات المشوقة، تقوم الكاتبة والمحققة الإعلامية المثيرة للجدل، كيتي كيلي، بسبر أغوار قصة حياة أوبرا وينفري ومسيرة نجاحها المهني، من خلال كتابها المثير «أوبرا: سيرة حياة»، مستقصية، بحس نقدي عالٍ، القصصَ التي ترويها أوبرا عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بأفراد أسرتها وشركاء عملها. وباختصار، سيكتشف القارئ، من خلال هذا الكتاب، وجهاً آخرَ لحياة الإعلامية المشهورة، يؤكد أن أوبرا لم تُلقِ بعدُ بكل ما في جعبتها من أسرار... في الوقت الذي فجّرتْ أوبرا «قنبلتَها» الإعلامية حول موضوع اغتصابها من قِبَل أفراد من عائلتها، عندما كانت ما تزال صغيرة، على الهواء مباشرة، كان اهتمام المذيعة ذات الأصول الإفريقية يَنْصبُّ، بشكل مكثف، على المواضيع التي تتمحور حول الجنس، مما جلب عليها سهام النقد، إلى جانب معدَّلات المشاهدة المرتفعة. وكان أول النقاد هو الكاتب بي جي بدنارسكي، الذي لم يتوقف عند نقد أوبرا وبرامجها، بل أيضا عند مدى «أخلاقية» الشركة التي تدير القناة في شيكاغو، والتي سمحت لوينفري، في ذلك الوقت، بتخصيص حلقة كاملة من البرنامج استغرقت ساعة كاملة حول «الجنس العنيف». وقد كتب بدنارسكي في إحدى مقالاته: «عليهم أن يشعروا بالخزي»، أي القناة، لقد سمحوا لأوبرا باستضافة ثلاث ممثلات أفلام بورنوغرافية للتحدث عن الأعضاء الجنسية وعملية القذف عند الرجل»... لقد رأى الكاتب الصحافي في صحيفة «شيكاغو صن تايمز» أن أوبرا تعاملت في برنامجها هذا مع موضوع بالغ الحساسية، بإسفاف كبير، بل ولم تسأل الممثلات حتى، إن كان عملهن حاطّاً بكرامة النساء أم لا؟ وقال إن «شخصا بموهبة أوبرا الفطرية يلزمه الكثير من النضج في معالجة المواضيع الشائكة». غير أن الكاتب الصحافي لم يغفل أن هذا البرنامج بالذات، والذي انتقده بشدة، حقق نسبة 30 في المائة من نسبة المشاهدة الصباحية -وهي نسبة غير مسبوقة- بل وحصد نسبة مشاهدين في مدينة شيكاغو أكثر بكثير من النسب الاعتيادية... وقد كان لهذا الأمر أثرُه حتى على الصحيفة حيث يعمل بدنارسكي، فقد خصّص عمود كامل يتحدث عن أوبرا وينفري كان عنوانه «عندما تتخطى كل الحدود: أوبرا وينفري تستغل شهرة نجوم الأفلام الجنسية».. لقد فهمت أوبرا، في وقت مبكر جدا، القاعدة الذهبية للتلفزيون الأمريكي: «مَن يحصلْ على أعلى نسب المشاهدة، يصبحِ الآمر الناهي في القناة».. كانت وينفري تقول للصحافيين: «ما يهمني هو الفوز والنجاح، ولا شيء آخر». وفي الأسابيع التي تلت ذلك، كانت أوبرا تستعد لإذاعة عدد من البرامج التي ستشكل ضجة كبيرة في شيكاغو والولاياتالمتحدة. وقد استعانت بمنتجتها، ديبرا ديمياو، لاختيار الضيوف في برنامجها، والذين كانوا جميعا يخضعون لأفكار أوبرا المسبَقة حول البرنامج. كانت أوبرا تقول لمنتجتها: «أود أن استضيف قسا ليتحدث عن الجنس... سيكون رائعا لو أنني أقنعته بأن يعترف بأن لديه عشيقة... وبأنه يحبها، كما يحب المسيح!».. خلال السباق المرير الذي كانت تخوضه أوبرا من أجل رفع معدَّلات مشاهدة برامجها في الشهر المخصص لتاريخ أمريكا الأسود، قررت أن تستضيف أعضاء من مجموعات «كو كلوكس كلان»، المعروفة بعنصريتها، وهم يرتدون ثيابهم البيضاء وأقنِعتَهم الطويلة التي اشتهروا بها. كما أنها، وفي سعيها إلى البحث عن شهرة أوسع في الولاياتالمتحدة، استضافت أعضاء في «مستعمرة للعري» -مجموعة تؤمن بعدم الحاجة إلى ارتداء الملابس- وقد جلسوا في الأستوديو مع أوبرا وهم عراة تماما كما ولدتهم أمهاتهم!.. لقد ركزت كاميرا البرنامج على وجهوهم فقط، لكن الحضور في الأستوديو كانوا يرَوْن المشاركين العراة في البرنامجبشكل مباشر.. ولذا، فقد أصرّت إدارة البرنامج على أن تقوم بتسجيل هذه الحلقة، بدلا من بثها على الهواء مباشرة، لتحرص على عدم إظهار أي مقطع غيرِ مناسب على مرأى المشاهدين. وقد قالت المنتجة ديمياو، حينها، إن كل من حضروا تلك الحلقة تم استدعاؤهم، شخصيا، وتنبيههم إلى أن ضيوف الحلقة سيكونون عراة بالكامل.. غير أن ذلك لم يؤثر عليهم ولم يتخلّفْ أي منهم عن حضور الحلقة، بل كان أغلبهم في غاية التشوق لرؤية هذه الحلقة «الاستثنائية»!.. ورغم كل شيء، اعترفت أوبرا بأنها كانت متوترة جدا في تلك الحلقة حول «العري». «لقد كنتُ دوما أفتخر بكوني قادرة على أن أكون صريحة جدا وصادقة في برامجي، ولكنني في تلك الحلقة بالذات لم أكن على سجيتي! كان علي أن أتصرف بشكل عادي جدا وأنا أحاور مجموعة من الأشخاص العراة وألا أنظر إلى أجسامهم. كنت أريد أن التفت إلى الكاميرا وأقول: يا إلهي، هناك أمامي أشخاص عراة! ولكنني لم أستطع فعل ذلك وهذا جعلني متوترة حقا»، تقول أوبرا. بدأ شعور بالخوف يتسلل إلى إدارة «قناة شيكاغو» التلفزيونية، بعد فترة وجيزة من برامج أوبرا الجنسية والمثيرة للجدل. وعندما أخبرت وينفري رؤساءَها في المحطة بأنها على وشك إعداد حلقة حول «الاضطرابات الجنسية لدى النساء» وبأنها ستستضيف امرأة لم تشعر بالنشوة الجنسية على مدى 18 سنة من زواجها، امتقعت وجوههم، من شدة الصدمة، خاصة وأن أوبرا كانت تخطط لاستضافة خبير في الجنس، ليعطي دروسا للنساء حول الوصول إلى ذروة الجماع، بالإضافة إلى استضافة شابة أخرى تعاني من الإدمان على الجنس... كانت أوبرا تقول إن إدارة القناة انتقائية وإنها «لا تريد المشاكل، ولكنها في نفس الوقت تريد معدَّلات المشاهدة المرتفعة. وقد أخبرتهم بأنني سأكون مهذَّبة في تناول المواضيع وقد فعلت، لكنهم لا يفهمون كيف تفكر النساء، وأنا أفهمهنّ. يعتقد الرجال أنهم وإن أعدوا حلقة حول «استئصال الثدي» مثلا، فلا يجب أن يقوموا بإظهار صور للثدي. أما أنا فأعتقد أنه يجب إظهار الثدي، في مثل هذه الحالات».. مباشرة بعد برنامجها الخاص بالاضطرابات الجنسية، ضجَّتْ هواتف المحطة التلفزيونية بالاتصالات الغاضبة والحانقة على البرنامج، مما دفع أوبرا إلى إعداد حلقة لاستقبال تعليقات الجمهور حول الحلقة. وقد قالت إحدى المتدخِّلات إن الحلقة كانت «مُقْرفة» وإنها لا تملك التعبير المناسب لوصفها سوى أنها «حلقة تحطُّ من كرامة النساء»!.. وقد كان رد أوبرا كالتالي: «هناك ملايين النساء اللواتي لم يُجرِّبْن أبدا النشوة الجنسية، ونحن توصلنا على جهاز الحاسوب بستمائة وثلاث وثلاثين مكالمة هاتفية من نساء. لقد جعلنا الكثيرات يشعرن بأنهن لا يعانين وحدهن من هذه المشكلة وأن هناك من ينصت لمشاكلهن». بعد ذلك البرنامج، طرحت منتجة برنامج، أوبرا ديمياو، سؤالا مفاده: «هناك الكثير من المواضيع الجيدة لتناولها، فلماذا نذهب إلى القضايا الشائكة؟ غير أن أوبرا ردت بالقول إن «ما يعتبر موضوعا شائكا عند البعض قد لا يعتبر كذلك عند البعض الآخر. ونحن لدينا شعور جيّد حيال المشاكل التي نطرحها، سواء كانت «زنا محارم» أو «رهابا مرضيا» أو حتى «نقصا في الحصول على النشوة الجنسية»، قبل أن تضيف: «يزعجني، كثيرا، أن يتهمنا البعض بأننا نلهث وراء الشهرة أو استغلال الحالات التي نعرضها. فنحن لسنا كذلك. نحن مجموعة من الأشخاص الذين يهتمون بالناس... غير أننا نرتكب الأخطاء أحيانا»!...