على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية، لم يبرع أحد في نشر أسرار المشاهير والنجوم وشخصيات المجتمع العالمية كما فعلت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، التي اعتبرها البعض أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في تاريخ التلفزيون... استطاعت الإعلامية ذات الأصول الإفريقية أن تشق طريقها، بنجاح مبهر، لتجعل مشاهير العالم يكشفون عن أسرار حياتهم العاطفية ويميطون اللثام عن ماضيهم المؤلم، بل ويعترفون حتى بأخطاء ماضيهم ويواجهون أكبر هواجسهم. وفي المقابل، كانت أوبرا منفتحة دوما مع جمهورها حول تفاصيل قصة حياتها والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها، في صغرها. كما كانت صريحة جدا في ما يتعلق بعلاقاتها العاطفية، ومشاكل وزنها الزائد ومعتقداتها الدينية وحتى تبرعاتها الخيرية ورؤيتها للعالم، ككل. في هذه الحلقات المشوقة، تقوم الكاتبة والمحققة الإعلامية المثيرة للجدل، كيتي كيلي، بسبر أغوار قصة حياة أوبرا وينفري ومسيرة نجاحها المهني، من خلال كتابها المثير «أوبرا: سيرة حياة»، مستقصية، بحس نقدي عالٍ، القصصَ التي ترويها أوبرا عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بأفراد أسرتها وشركاء عملها. وباختصار، سيكتشف القارئ، من خلال هذا الكتاب، وجهاً آخرَ لحياة الإعلامية المشهورة، يؤكد أن أوبرا لم تُلقِ بعدُ بكل ما في جعبتها من أسرار... لم يكن فشل أوبرا وينفري في تطبيق قانونها الخاص بحماية الأطفال من الاعتداءات رادعا لها عن مواصلة المحاولة، فقد قامت، على مدى السنوات التي تلت ذلك، بابتكار ما سمته «لائحة أوبرا لمراقبة المعتدين على الأطفال» على الأنترنت، عبر موقعها www.oprah.com، لملاحقة أي متورطين أو مدانين في جرائم اعتداء جنسي على الأطفال. وفي دجنبر من عام 2005، كان هناك عشرة رجال على تلك اللائحة، وفي ظرف خمسة عشر شهرا فقط، كان خمسة من هؤلاء العشرة خلف القضبان، بعد أن قامت أوبرا بتركيز الضوء، إعلاميا، على جرائمهم. ووصل الأمر أن عرضت المذيعة المشهورة مكافأة قدرها 100 ألف دولار مقابل أي معلومات تقود إلى القبض على هؤلاء المجرمين. وفي شتنبر من عام 2008، أعلنت شركة أوبرا أن تسعة من أصل العشرة المدانين قد تم القبض عليهم بالفعل، وكانت أوبرا قد دفعت شخصيا في الثلاث قضايا الأخيرة 100 ألف دولار لكل من دل على مكان هؤلاء المجرمين. وعلى مدى السنوات التي عملت فيها أوبرا في مجال الإعلام، لم تتخلَّ أبدا عن برامجها التي كانت تركز بشكل خاص على قضايا الاعتداء الجنسي، حتى إنها كانت تُعِدُّ بعض البرامج بشكل تطوعي ودون مقابل. بيد أن هذه البرامج وعلى كثرتها كانت محاولة من أوبرا لفهم ما حدث لها، شخصيا، جراء الاعتداء الجنسي الذي طالها، عندما كانت ما تزال حديثة السن. وقد لزم سيدةَ البرامج الأمريكية وقت طويل لإدراك حجم الدمار الكبير الذي يخلفه التحرش الجنسي بالأطفال على نفسية وسلوك المتحرَّش بهم. أدركتْ أوبرا أن الاعتداء الجنسي جريمة يستمر أثرُها النفسي في حياة المعتدى عليه حتى بعد أن ينعدم أثر للمعتدي نفسه، حيث يبقى المعتدى عليه رهين المعاناة، من اضطرابات ما بعد الصدمة لسنوات طويلة.. إلا أن أوبرا لم تكن تعتقد أن هذا الأمر ينطبق على حالتها. ففي البداية، كانت تؤكد دوما أنها نجحت في تخطي تجربتها المريرة مع الاغتصاب دون أن يترك ذلك فيها أي أثر يذكر. كانت أوبرا على درجة من الثقة والقوة حيث رفضت الاعتراف، في البداية، بأي تأثير نفسي سلبي عميق قد يكون ألمَّ بها نتيجة ما عانته وهي ما تزال طفلة صغيرة. وقد تطلّب الأمر حلقات كثيرة من برنامجها لتدرك وينفري العلاقة بين الجريمة التي روعتها في صغرها والعواقب النفسية الخطيرة لهذه الجريمة على سلوكها، والتي تمثلت في عدة أعراض مرضية، منها مشكلة الاختلاط الجنسي في مرحلة مراهقتها، وعدم رغبتها في الإنجاب (الإجهاض)، وعلاقاتها الضعيفة مع الرجال، وانجذابها نحو النساء، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات، وتناول الطعام القهري الذي كان السبب الرئيسي في عدم استقرار وزنها على مدى عقود. وبدل أن تحاول أوبرا اللجوء إلى علاج نفسي لمداواة جروح ماضيها، لجأت إلى الاعتراف والمكاشفة العلنية على شاشة التلفاز، معتقدة أن هذا هو الحل الأمثل بالنسبة إليها وكذابالنسبة إلى الأخرين. «كانت الكثير من الأحاديث التي تجري في برنامجي بمثابة الدواء الشافي بالنسبة إلي وأيضا بالنسبة إلى ضيوف برنامجي. أنا أتفهم، تماما، لما يخرج الضيوف ما في جعبتهم من الأسرار، لأنهم وما إن يخرجوا هذه الأسرار إلى العلن حتى يخفَّ الحمل على كاهلهم... أعني أن الخروج إلى العلن والاعتراف بأنني كنت ضحية للاعتداء الجنسي كان مفيدا لي أكثر من أي شخص آخر. لم أكن قادرة على فعل ذلك بطريقة أخرى والاحتفاظ بشخصيتي» في ذلك البرنامج بالذات، كانت أوبرا تنظر إلى نفسها على أنها ضحية وليست مذيعة، مما أعطاها نوعا من السلطة المرجعية لمناقشة القضايا التي تتعلق بالاعتداء الجنسي، غير أنها كانت تُصرُّ، دوما على عدم الوقوع فريسة للهزيمة والاعتداء. وقد كانت النتيجة الحتمية لكل هذه العوامل حصول أوبرا على أعلى معدلات المشاهدة في التلفزيون، وأكبر تركيز إعلامي على طول الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل وكم كبير من تعاطف الرأي العام، الأمر الذي حصّنها ضد أي نوع من النقد. وما إن صرحت أوبرا وينفري للجميع بسرها الشخصي الذي كان يُشعِرها بالعار، حتى أصبح هذا السر المعلن أداة طيعة في يدها، حتى إنها أضافت إلى عنوان سيرتها الذاتية الرسمية عبارة «ضحية للاعتداء الجنسي في سن الطفولة». في ذلك الوقت، بدأت المذيعة ذات الأصول الإفريقية بقبول دعوات للحديث في مراكز مكافحة ظاهرة الاغتصاب، كما عكفت على إلقاء الخطابات أمام ضحايا زنا المحارم وجمع التبرعات لفائدة الأطفال ضحايا التحرش الجنسي. أكثر من هذا وذاك، أدلت أوبرا بشهادتها أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي واقترحت مشروع قانون لحماية الطفولة واستطاعت تمريره، عبر غرفتي الكونغرس وتوقيعه من قِبَل الرئيس الأمريكي واعتماده كقانون. وخلال أشهر قليلة، أحسّتْ بنوع من الأمان والاستقرار، الأمر الذي شجعها على الخوض أكثر في مسألة تفاصيل حادثة اغتصابها. كانت أوبرا تروي تفاصيل اغتصابها بالقول: «لقد كان الشاب -المعتدي- أحد أبناء عمومتي وكنت وقتها في سن التاسعة وكان هو في سن التاسعة عشرة. لم أكن أدري ما الذي كان يحدث وقتها. فلم أكن أعرف وقتها أن هناك أصلا فارقا ما بين الأولاد والبنات. غير أنني كنت أعرف أن ما كان يقوم به شيء سيء، لأنه كان يتحسس جسمي وكان الأمر يؤلمني. بعد ذلك كان يأخذني إلى حديقة الحيوانات، كثمن لسكوتي وعدم إخباري أي أحد بما جرى.. كنت أتألم وأتذكر أنني نزفت دما في مرة من المرات. في ذلك العام، عرفت كيف يولد الأطفال، وقد عشت في رعب رهيب من أنني قد أرزق بطفل في أي لحظة. وعلى وفي الصف الخامس الابتدائي، كنت عندما أحس بأي وجع في معدتي، أذهب إلى الحمام لأنني كنت أعتقد أنني سألد طفلا، وكنت لا أريد لأحد أن يعلم بأمري!»...