رمضان صار شهرا مخيفا للمغاربة، لذلك يتزاحم الناس على متاجر المواد الغذائية أياما قبل رؤية الهلال، وكأن رمضان سيأتي معه بمجاعة. رمضان أصبح أيضا مناسبة لكي ينسى الناس خالقهم عوض أن يتذكروه، لذلك فإن التلفزيون يعد نفسه جيدا لكي يجعل الناس يجلسون أمامه من ساعات الصباح الأولى حتى ساعات الفجر. رمضان صار أيضا مناسبة جيدة لكي يفرغ فيه الناس كل عقدهم النفسية والاجتماعية، لذلك يشتري أصحاب السيارات هراوات جديدة وقوية تليق بعظمة هذا الشهر، لأن أعصاب السائقين تخرج من رؤوسهم وتجلس فوق أنوفهم. رمضان أصبح أيضا مناسبة للراغبين في الحصول على ربح سريع من تجار المواد الغذائية كي يحتكروا السلع ويرفعوا أسعارها، وكثيرون يبيعون أي شيء بالسعر الذي يريدونه. في رمضان ينفق الناس الكثير من مدخراتهم بلا معنى. يتوجهون إلى الأسواق ويشترون أضعاف ما كانوا يشترونه في الأيام العادية، مع أنه من الطبيعي أن يأكل الإنسان أقل في رمضان. لهذا السبب تمتلئ براميل القمامة بالكثير من المواد الغذائية التي يرميها أصحابها لأنهم لم يستطيعوا أكلها. رمضان هو أيضا مناسبة مثلى لكل أشكال الغش، حيث تخرج كل المواد الغذائية الفاسدة إلى الأسواق. وقضية ضبط عدة أطنان من اللحوم الفاسدة في الدارالبيضاء ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، لأن هناك أطنانا كثيرة أخرى، من اللحم وغيره، تخرج إلى الأسواق خلال شهر رمضان ولا يتم ضبطها. رمضان هو مناسبة أيضا لكي يتضامن المغاربة مع إسبانيا، عبر دعم اقتصادها في مدينتي سبتة ومليلية، حيث تتضاعف عشرات المرات كميات المواد الغذائية التي تخرج من هاتين المدينتين لتتوجه إلى كل أسواق المغرب، وبينها طبعا مواد غذائية كثيرة فات أجل استهلاكها. وبينما تنتفخ أرصدة التجار الإسبان في سبتة ومليلية، فإن بطون المغاربة تنتفخ أيضا، لكن بكثير من السموم الغذائية. رمضان هو أيضا مناسبة للتضامن مع الفلسطينيين بطريقة خاصة، وذلك عبر استيراد التمور الإسرائيلية، وهي تمور مضمخة بدماء أطفال وشيوخ ونساء فلسطين. ومن الغريب حقا أن المغرب، المعروف بواحاته وصحاريه وأشجار نخيله، يضطر إلى استيراد التمور من أي مكان. رمضان هو أيضا مناسبة ممتازة لكي يقضي الناس جزءا مهما من أعمارهم مسمرين أمام شاشات التلفزيون من أجل مشاهدة المسلسلات و«السيتكومات» الجديدة، بدءا بتلك التي تبثها القنوات المغربية، وانتهاء بالقنوات العربية التي أصبحت تتنافس على البر والتقوى بطريقتها الخاصة. ويبدو أن الناس في رمضان أمام اختيارين، إما أن يتفرغوا للعبادة وطلب الأجر والمغفرة، أو أن يتفرغوا للتفرج على المسلسلات والأفلام. لكن هناك حل وسط وهو أن يشاهد الناس المسلسلات داخل المساجد، وهنا تبرز حكمة وزارة الأوقاف التي وضعت أجهزة تلفزيون في كل مساجد البلاد. وما يحتاجه الناس حاليا هو أن تظهر فتوى تبيح تفرّج الناس على المسلسلات في المساجد. في رمضان أيضا تتعقّل الكباريهات والمراقص وتوزع الخمر سرا على زبائنها المميزين، بينما تقيم للزبائن الورعين حفلات للشيخات والمجموعات الغنائية من أذان المغرب حتى أذان الفجر. تقبل الله صيام الجميع. التناقضات الرمضانية ليست حالة مغربية فقط، بل حالة عربية بامتياز. ففي هذا الشهر يثبت أن العرب يشكلون أكبر كتلة جنون في العالم. فهلال رمضان، مثلا، يظهر دائما في ليبيا قبل أن يظهر في أمكنة أخرى. الحمق العربي يتجلى أيضا في أن يصوم السنة قبل الشيعة، أو الشيعة قبل السنة، وذلك في البلد الواحد والمدينة الواحدة والعمارة الواحدة، بل إن امرأة شيعية تصوم في يوم مختلف عن زوجها السني أو العكس. الحمق صناعة عربية بامتياز. وقديما قال الشاعر: لكل داء دواء يستطب به// إلا الحماقة أعيت من يداويها.