رمضان شهر الرحمة والغفران والذي كان يعد إلى وقت قريب شهرا ذو طابع ديني بامتياز. صار اليوم شهرا إعلاميا تلفزيا تتسابق فيه القنوات التلفزية في كسب أكبر شريحة من الجمهور عبر عرض برامج ومسلسلات حصرية قد تلهي الناس عن العبادة في شهر تتضاعف فيه الحسنات، الكم الهائل من المسلسلات والسيتكومات وبرامج المسابقات التي تعرض في شهر رمضان ونسب المشاهدة العالية التي تحظى بها تجعلنا نطرح السؤال: هل لازال رمضان شهر العبادة والتوبة أم أصبح شهر التنافس التلفزيوني؟ رمضان، الشهر الفضيل الذي ينتظره المسلمون كل سنة ويحتفلون باستقباله في أجواء دينية هو نعمة من الله تعالى نظرا لفوائده الصحية مصداقا لقول رسول الله «صوموا تصحوا» ولذلك كان المسلمون يحرصون على الاستفادة من فضائله وقضائه في أجواء توارثوها منذ القدم يطغى عليها الجانب الروحاني والعائلي، أما اليوم فالتلفزة أحدثت تغييرا في العلاقات الاجتماعية. فبعد أن كان شهر رمضان فرصة لتجديد العلاقات الإنسانية مع الأهل والأصدقاء من خلال صلة الرحم أما اليوم أصبح اليوم عدد كبير من الناس أسرى للمسلسلات الرمضانية يفضلون الجلوس في البيت خوفا من ضياع أحداث حلقات المسلسلات التي يتابعونها لحرصهم الشديد على أن لا تفوتهم أي كبيرة أو صغيرة، تقول عائشة، (موظفة في الخمسينيات)، أنه بعد انتهاء دوامها تحرص على إكمال أشغال البيت، وتحضير الفطور والسحور، لتتفرغ لمشاهدة المسلسلات التي تتابعها والتي وصل عددها إلى 5، وتحرص على أن لا تفوتها أي حلقة منها، حيث تؤجل زيارة العائلة والأصدقاء إلى يومي الجمعة والسبت، حتى تتمكن من مشاهدة إعادة الحلقات التي فاتتها باعتبار أنها لا تعمل يومي السبت والأحد. وتقول حفيظة (ربة بيت، 45 سنة): أتابع مختلف البرامج التي تعرض على التلفاز خلال شهر رمضان، وأفضل مشاهدة المسلسلات التي تبث على القنوات الوطنية والعربية، خاصة بعد الإفطار، حيث أصلي التراويح بالبيت وبعدها مباشرة أتابع أحداث مسلسل «كلام نسوان» وما يليه من مسلسلات على نفس القناة. أما حورية (35 سنة) ربة بيت، فتتابع عددا من المسلسلات العربية بعد الإفطار، والتي وجدتها قريبة من المشاهد وتتناول قضاياه، لذا فهي تحرص على مشاهدتها كل يوم لأنها ترى فيها نفسها. وتجذب البرامج والمسلسلات التلفزية، فئة الشباب أيضا، الذين يجدونه فرصة لتمضية النهار حتى موعد الافطار، تقول حسناء (15 سنة)؛ أتابع المسلسلات التركية في مختلف القنوات التي تعرض عليها، 5 مسلسلات تركية أتابعها بشغف كبير، وإذا حدث ولم أشاهد بعض التفاصيل، فأنا أحرص على مشاهدة الاعادة صباحا، أما في الليل فتستهويني المسلسلات السورية والمصرية التي تعرض على الفضائيات العربية، لذلك أفضل المكوث بالبيت ومتابعة كل حلقة». نفس الشيء بالنسبة ل (17 سنة)، حيث أن شغلها الشاغل هو المسلسلات التركية «أحب أن لا تفوتني أي حلقة، كما أنني أبحث في الأنترنت عن أبطال المسلسلات التي أشاهدها، ومعلومات عن حياتهم الخاصة». ويقول سفيان الطالب الجامعي ذو 19 ربيعا. أن رمضان لم يغير لديه عادة مشاهدة المسلسلات الأجنبية وأفلام الحركة والاثارة. ويضيف زميله حمزة أنه يحب مشاهدة الرسوم المتحركة قبل الافطار، أما بعد الإفطار فإن لم يتصادف بث مباريات كرة القدم في التلفاز فإنه يخرج لمشاهدة الدوريات الرمضانية في الحي، بعدها يعود لمتابعة مباريات بطولة أمريكا المفتوحة للتنس. ويختلف الأمر بالنسبة لفئة لازالت ترى أن رمضان هو شهر العبادة والتقوى والتقرب من الله لنيل الأجر. حيث ينتقد جمال ( 47 سنة) وهو مندوب مبيعات، ظاهرة الادمان على التلفاز خلال الشهر الفضيل، ويضيف «رمضان بالنسبة لي مناسبة لنيل المغفرة والتواب، حيث أحرص يوميا على أداء صلاة التراويح في المسجد، ومشاهدة البرامج الدينية التي تغدي الجانب الروحي للمسلم في الشهر الكريم. وتسير خديجة (متقاعدة) على نفس المنوال، فهي الأخرى تشاهد البرامج الدينية بعد صلاة التراويح والتي تبث على مدار الساعة في بعض القنوات المتخصصة في الدين، وتشير الى أن القناتين الوطنيتين مقصرتين بعض الشيء في هذا الجانب، وتشدد على أن رمضان شهر للعبادة لذلك تحرص على قراءة القرآن الكريم لتوطيد علاقتها بالله تعالى. أما فتيحة (موظفة) التي تحاول قدر الامكان التوفيق بين أداء واجباتها الدينية خلال شهر رمضان وبين متابعة برامجها المفضلة على التلفاز، فتقول «بعد أداء صلاة التراويح بالمسجد، أفضل مشاهدة السلسلات الكوميدية سواء المغربية أو العربية» فهذا الشهر بالنسبة لفتيحة مناسبة لاتعوض للتقرب من الله عز وجل وكذا متابعة آخر الانتاجات التلفزية دون إفراط. ورغم ما أحدثه التلفاز، بالكم الهائل من المسلسلات والبرامج التي فاق عددها الستون، والتي تبث على مدار الساعة يوميا، فرمضان لازال يحتفظ بخصوصياته الدينية والاجتماعية والروحية، وكذا مكانته المتميزة بين شهور السنة لدى شريحة واسعة من الناس.