يحتاج شهر رمضان إلى تنظيم الوقت تنظيما محكما، ليتمكن المسلم من اغتنام أي لحظة من لحظاته في طاعة الله، لذلك فإنه من الضروري لكل من يتطلع إلى إلا تفوته لحظات رمضان الغالية؛ أن يعد لنفسه برنامجا عمليا لتنفيذه خلال شهر هذا الشهر، وهذا نموذج لبرنامج عملي: - من بعد صلاة الفجر وحتى الشروق: المكوث في المسجد - إن تيسر أوفي البيت - لقراءة أذكار الصباح، وما تيسر من القرآن، ثم صلاة الضحى ركعتين أو أربع. - العودة إلى البيت والاستعداد للذهاب إلى العمل، أوالنوم حتى موعد العمل، كل حسب مواعيد عمله. - أذكار الخروج من المنزل، وتلاوة ما تيسر من القرآن في الطريق إلى العمل أو السماع أن كنت تقودين سيارة. - المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والاستعداد قبلها بالوضوء، وترديد الأذان، وصلاة السنن القبلية والبعدية بما لا يؤثر على مصلحة العمل. - استثمار أوقات الفراغ البينية في تلاوة القرآن أو قراءة أي كتاب نافع أو الاستغفار والذكر. - تلاوة أذكار المساء في طريق الرجوع إلى المنزل. - إن كنت متزوجة تقومين بإعداد طعام الإفطار لأسرتك أو تساعدين والدتك في إعداده، مع تجنب الإسراف في الطعام، فرمضان شهر عبادة وزهد، وليس شهر طعام، ويمكنك استثمار وقتك في المطبخ بسماع أحد الشرائط الدينية أو الذكر. - صلاة المغرب ثم الإفطار مع الدعاء المأثور: اللهم إني لك صمت...، والحذر من الإكثار من الطعام حتى لا يثقل البدن على العبادة. - أخذ قسط من الراحة حتى أذان العشاء، والنزول إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح. - يمكن أن نخصص يومين في الأسبوع أو ثلاثة، بعد صلاة التراويح، للتزوار وصلة الرحم. - النوم حتى قبيل الفجر بوقت معقول، والاستيقاظ لصلاة التهجد والوتر، ثم السحور قبل الفجر بنصف ساعة مثلا، فمن السنة تأخير السحور. - الاستغفار حتى أذان الفجر. والاعتكاف في العشر الأواخر سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه فضل كبير لمن استطاعه. هذا وينصح بمقاطعة التلفزيون في هذا الشهر الكريم، لتجنب ما أعده شياطين الإنس ليفسدوا على المسلمين عبادتهم، إلا للضرورة كالاطلاع على الأخبار مثلا ومتابعتها، وكذا متابعة البرامج الهادفة، مع الحذر من أن يستدرجنا هذا للجلوس مدة طويلة. كما ينصح أيضا بشراء مستلزمات العيد من ملابس وغيره قبل رمضان، وكذلك تنظيف المنزل وغيره من الأعمال التي اعتاد الناس القيام بها قبل الأعياد، حتى لا تستنفد هذه الأشياء أوقاتنا في العشر الأواخر من رمضان، والتي ينبغي أن نجتهد فيها أكثر في العبادة. كما يجب التحذير من أن نضيع أوقاتا كثيرة في الولائم والحفلات، ومما اعتاد الناس القيام به في رمضان، وننصح غيرنا بذلك. ومن الأعمال الصالحة في رمضان الإكثار من الصدقة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان. ومن الجميل في رمضان أن نصل ما انقطع من أرحامنا وأقاربنا وأصدقائنا، ونصلح ذات بيننا، وننقي النفوس والقلوب لتتهيأ لتذوق حلاوة العبادة في هذا الشهر. رمضان للعبادة والطاعة لا للإسراف والسهر يتغير نمط الحياة في شهر رمضان المبارك، ليس من حيث الصيام عن الشهوات فحسب، بل أيضا من ناحية السلوك الغذائي، وتغيير برنامج النوم والعمل والراحة وحركة الناس بشكل عام، وبالرغم من الجو الروحاني الذي يطبع هذا الشهر الفضيل الذي يعتبر شهرا للألفة والمحبة والالتقاء، تطغى بالمقابل عادات سيئة تبعد البعض عن مقاصد هذا الشهر. متابعة الفضائيات مع اقتراب الشهر الفضيل، يمضي البعض ليلهم في السهر غير المرشد سواء أمام التلفاز، أوخارج البيت للهو والمرح، فقد صارت الفضائيات ساحة للتنافس بين المسلسلات والأفلام والبرامج الفكاهية، فما يكاد ينتهي مسلسل حتى يسلم المشاهد نفسه إلى مسلسل آخر؛ من الظهيرة، وحتى وقت متأخر في الليل، تحاصر المشاهدين الصائمين، وتلهيهم عن أداء فرائضهم الدينية في وقتها. وحسب رأي الاقتصاديين؛ فإن رمضان هو شهر الذروة للشركات التجارية للإعلانات، لأن عددا كبيرا من المواطنين يصيرون زبائن أوفياء للشاشة الصغيرة؛ سواء بالليل أوخلال النهار، في حين يجب استثمار هذا الشهر الفضيل للطاعة والتقرب إلى الله تعالى، لأنه ليس شهرا للتسلية؛ بل هو شهر للعبادة والتقوى، يعلم المسلم الصبر على العطش والجوع، وتحمل المصاعب في سبيل الله تعالى، وينمي عنده الانضباط ومحاسبة الذات، فيلتزم الصائم الأخلاق الحميدة. النوم طوال النهار تمنح الأجواء الرمضانية للفرد فرصة للعبادة ليلا ونهارا؛ أما بالليل فبالقيام بصلاة التراويح وقراءة القرآن الكريم، وأما بالنهار فبالصيام وإطفاء نار الشهوة وقهر الطبع، وكذا تجنب المعاصي وتهذيب النفس من تبعية الهوى، وفي حديث واحد جمع ثواب الصيام والقرآن، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: يا رب منعته الطعام والشهوة بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه، إلا أن بعض الصائمين يجعلون من نهارهم ليلا، حيث يقضونه نوما بدعوى أنهم لا يستطيعون مقاومة الصوم، والصبر على فراغ المعدة، الشيء الذي يضيع عليهم فرصة حضور الصلاة في المسجد، ومجالس العلم والوعظ التي تكثر خلال هذا الشهر الكريم. أما في أماكن العمل؛ فيبدو الكسل خلال ساعات العمل ظاهرة قد التصقت بالشهر الكريم، وصار معتادا أن ينفعل بعض الموظفين في وجه المواطنين، أو في وجه زملائهم في العمل، كما يصبح من الطبيعي أن يلتمس الناس الأعذار له، ليس عملاً بروح رمضان التي تحثنا على العفو والتسامح، إنما فقط بسبب الصيام الذي صار عذرا في حد ذاته. الإسراف والتبذير ما أن تبدأ تباشير الشهر الكريم حتى تتجه الأسر العربية بمختلف عاداتها الغذائية بالتوجه إلى الأسواق لشراء الأطعمة والمأكولات المختلفة، حيث يتخذ العديد من الصائمين من شهر رمضان شهرا للاستهلاك والإسراف؛ متناسين أن هذا الشهر هو شهر عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، وليس شهر الموائد والإسراف في تناول الطعام، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: كلوا وشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. ومن الناحية الصحية؛ جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحوا)، فقد بينت الدراسات العلمية أن الأفراد الذين يتناولون طعامهم في شهر رمضان باعتدال، وحسن اختيار تنخفض عندهم نسبة الكوليسترول، والدهون، والسكر في الدم. والإسراف في الطعام والشراب فيه مفاسد كثيرة منها: أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة. فقد روى الحاكم عن أبي جحيفة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أَكثر الناس شبعا في الدنيا أَكثرهم جوعا يوم القيامة). الخصام والشجار كثيرا ما يقع الناس في خصامات وشجارات بسبب وبغير سبب خلال شهر رمضان، لاسيما خلال النهار، معللين ذلك بكونهم صائمين، وكأن الصيام مبرر لكي يتقاذف البعض السباب والشتم أمام الملأ، بل أحيانا يصل الأمر إلى ذكر ألفاظ نابية لا تليق وإلى الضرب، بينما كان الأولى هو اغتنام هذه الأيام من أجل فتح صفحة جديدة في حياتنا، وفي علاقاتنا مع الآخرين، فليست العبادة أن نركع ونسجد ونقيم الليل ونصوم النهار...، بل العبرة منه أن نطهر أنفسنا، ونساعد بعضنا البعض، فالابتسامة على سبيل المثال في وجه أحد الأشخاص صدقة، فما بالك بزيارته أومساعدته أوتقديم الدعم له، أوتفريج كربته. أليس رمضان عودة صادقة لذواتنا، ودرسا لتقوية إرادتنا وإيماننا، والقضاء على ضعفنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب. فإن سابه أحد، أوقاتله، فليقل إني صائم).وماكشفه العلم الحديث من أضرارصحية للغضب يبين لنا بعض الحكم في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم، وتشديده على اجتناب الغضب وأسباب الشجار أثناء الصوم، وتعليله النهي الشديد عن الغضب بحالة الصيام . السهر خارج البيت من العادات القبيحة التي تصاحب شهر رمضان ، هي السهر خارج البيت، في المقاهي التي صارت هي الأخرى طقسا رمضانيا، تعمل على تقديم برامج غنائية طول الليل، وتقديم أنواع الشيشا لزبنائها من الشباب والشابات، في حين يختار البعض أن يجتمع بجنبات الأحياء، للعب الورق الكارطا أوالضاما، في انتظار وجبة السحور. وكان الأولى أن يغتنم الناس شهر رمضان لتعديل السلوك، وتقويم الأخلاق، والتخلي عن جميع العادات السيئة، والتقرب إلى الله بالصيام، والقيام والدعاء والاستغفار، وصدق التوبة. فقد ميز الله تعالى شهر رمضان عن غيره من الشهور؛ بأن فرض عز وجل فيه الصيام على كل مكلف، يقول تعالى: يَا أَيها اللذِين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. وشهر رمضان هو شهر الله؛ ولذلك فهو أفضل الشهور، وهو شهر الرحمة والمغفرة والتوبة، يقول الرسول(ص): يا أيها الناس إنه قد أقبل الرسول إليكم، شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، و نومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب. ولذلك ينبغي لكل واحد منا أن يستثمر هذا الشهر الفضيل في طاعة الله عز وجل والتقرب إليه، وأن يحييه بالعبادة والعمل الصالح.