لدى عدد كبير من المغاربة ذكريات راسخة مع «الكوميسارية».. منها ما يعود إلى زمن «لاراف جينيرال»، التي كان بعض عناصرها يجلسون في المقاهي طيلة المدة المخصصة للقيام بدوريتهم، قبل أن يركبوا «الفاركونيط» أو «الواشْمة» ويجرفوا معهم، مثل شباك الصيد، كل من يصادفونه في طريقهم.. لينطلق لعد ذلك مسلسل من «التسخسيخْ» يبدأ بالوقوف في صف طويل لساعات، والجواب عن الأسئلة التقليدية: «سميتْ مك، سميت بّاك».. كما أن البعض يحتفظ بذكريات خاصة، بعد أن أجبرتهم ظروف الحياة على «زيارة» مخافر الأمن وسماع الأصوات الرهيبة التي تصدرها آلات الرقن التقليدية، التي يعود عمر بضعها إلى سنوات الرصاص، والتي تدفعك أحيانا إلى الشك في أن تتحول من ضحية إلى متّهَم... مقابل ذلك، يحتفظ عدد من رجال الأمن بسلسلة من الطرائف التي تنتشلهم أحيانا من جحيم العمل وتخلق لهم نوعا من التسلية التي تنفلت من بين الأصفاد والتهم وأجواء التحقيقات الروتينية.. تتعلق إحدى هذه الطرائف بمعلومة توصلت بها عناصر الشرطة القضائية في مدينة سلا حول وجود «بْزناسْ» في أحد الأحياء الشعبية. تجندت على إثر ذلك عناصر من الشرطة القضائية لإيقافه، لكن هذا «البْزناسْ» -الشبح لم يظهر له أي أثر، رغم أن المعلومة جاءت من «مصدر موثوق». لم يُجْدِ تنكُّر رجال الشرطة وتربُّصهم بالمكان نفعا في اعتقال مروج المخدرات، لتمضي أيام من التحريات قادتهم إلى الشك في شخص كانت لديه رجل اصطناعية، يتواجد دائما في أحد الأزقة، لكنْ مع ذلك، تردد رجال الأمن إلى أن تحول شكهم إلى يقين، ليقتربوا منه وينزعوا الرجل الصناعية ليجدوا أنفسهم أمام مفاجأة كبيرة، بعد أن تساقطت منها كمية كبيرة من قطع الحشيش... كما تشهد التحقيقات، بدورها، عددا من الطرائف المضحكة، كما حدث يوما حين اعتقلت الشرطة شابا بتهمة سرقة السيارات وضبطت بحوزته عدد ا كبيرا من المفاتيح. غير أن خال الشاب الذي تكلف بتربيته والذي كانت تظهر عليه ملامح الورع والتقوى نهر رجال الأمن حين حضر إلى «الكوميسارية» وأكد لهم أن المتهم لا يمكن أن يكون سارقا، بعد أن أحسن تربيته وأنهم «كيطيّحو عْليه الباطلْ».. لكن لهجته ستتغير بعد أن أظهر له المحققون سلسلة المفاتيح، ليكتشف أن نسخة من مفتاح سيارته توجد ضمنها، وأن دوره كان سيحين لا محالة لكي يقوم المتَّهَم بسرقته، فما كان منه إلا أن وجَّه صفعة قوية إلى ابن أخته ويطلب من رجال الأمن تشديد العقوبة عليه... وأحيانا أخرى، يضع بعض المتهمين أنفسَهم في مواقف محرجة بعد إنكارهم، رغم وجود أدلة قاطعة تدينهم، كما حصل لشخص اعتقلته الشرطة بتهمة ترويج المخدرات واستهلاكها، غير أن هذا الأخير نفى وأقسم بأغلظ الأيمان إنه لم يسبق له أن شاهد الحشيش ولا يعرف شكله، ولم يسبق له أن وضع «جْوان» في فمه... تعامل معه المحققون كما يتعامل قط مع جرذ محاصَر، وسألوه مجددا بعد أن منحه أحدهم سيجارة وفنجان قهوة، وهو يخبره بأن الإنكار لن يفيده في شيء.. غير أنه أصر وتصنع البكاء، قبل أن يمد ضابط الشرطة يده قرب أذن المتهم، وينزع من فوقها جزءا من سيجارة يستعمل في إعداد «الجْوانات» (السّْتيكة).. يبدو أن المتهم أغفل التخلُّص منه، بعد أن باغته رجال الأمن وتخلّص مما كان بحوزته من مخدرات.. ليسأله المحقق: «أشنو هادْ الشّي»؟.. لم يملك المتهم بعدها سوى أن ينظر إليه نظرة بلهاء، وقد امتقع وجهه ليجيب، وهو يذرف الدموع من جديد :«ماشي ديالي ألشّافْ»!...