قبل أن تدخل بعض بنود مدونة السير التي جاء بها الوزير الاستقلالي كريم غلاب حيز التنفيذ ، لم يكن المغاربة مثلا يضعون حزام السلامة على صدورهم عندما يجلسون أمام مقود السيارة ، ولم يكونوا يضعون الكاسكات على رؤوسهم عندما يركبون دراجاتهم النارية . "" دابا ولى كلشي كايدير السمطة ، وكلشي كايدير الكاسك على راسو . ليس لأن المغاربة أصبحوا اليوم واعين بأهمية حزام السلامة والخوذة للحفاظ على سلامة أجسادهم عند وقوع أي حادثة ، بل لأنهم أصبحوا يخافون من الغرامة ! إنها واحدة من العلامات المتميزة التي تدل على أننا غارقون في التخلف إلى القفا ، ونعاني من نقص مزمن في التربية الصالحة ! أن يسترخص الإنسان حياته إلى هذا الحد ، وينتظر أن يأتي شرطي المرور ويأمره بأن يربط حزام السلامة أو يضع الكاسك على رأسه تحت التهديد بالغرامة ، شيء يدعو حقا إلى الاستغراب . وإلا فما الفائدة من ذلك الحزام الذي صنعه مخترع السيارة ، وما الفائدة من الكاسك . هل تم صنعهما من أجل الديكور أم ماذا ؟ ولعل كل واحد منا يستطيع أن يتيقن من أننا فعلا نسترخص حياتنا إلى درجة خطيرة ، ونتلاعب بأرواحنا التي هي أمانة عظيمة على رقابنا لا شك أن الله سيحاسبنا عليها يوم الدين . ويكفي أن تركب بجانب سائق سيارة أجرة صغيرة لترى كيف أن أغلبهم يضعون حزام السلامة على صدورهم ، لكن بدون أن يربطوه في المكان المخصص له . يفعلون ذلك كي يوهموا شرطة المرور بأنهم يربطون فعلا حزام السلامة ، وفي قرارة أنفسهم يقولون بشماتة : طز عليكم آلبوليس ! كان هذا طبعا في الأيام الأولى لصدور قرار إجبارية وضع حزام السلامة ، أما اليوم فأصحاب سيارات الأجرة دايرين بناقص من حزام السلامة ، بعدما رأوا أن البوليس حتى هوما دايرين عين ميكا ! وبما أننا وصلنا إلى البوليس ، لا بد من الإشارة إلى أن السبب الرئيسي لتفشي خرق قانون السير في المغرب يعود بالدرجة الأولى إلى تفشي الرشوة وسط رجال ونساء شرطة المرور . ويحكي لي أحد معارفي أنه قبل أيام "حرق" الضوء الأحمر بسيارته ، دون أن ينتبه لوجود شرطي على بعد أمتار قليلة من الفيروج ، وعوض أن يحرر له الشرطي محضر المخالفة ويرغمه على الذهاب إلى الكوميسارية لدفع الغرامة التي تقدر في هذه الحالة بأربع مائة درهم ، "تقبل" منه ورقة نقدية من فئة مائة درهم وانتهى الأمر عند هذا الحد . القضية بطبيعة الحال طلعات رخيصة بالنسبة لصاحب السيارة الراشي ، وطلعات زوينة بالنسبة للشرطي المرتشي . صاحب السيارة دفع مائة درهم عوض أربعمائة ، والشرطي ربح مائة درهم باردة . فلو حرر له محضر المخالفة فلن يستفيد بطبيعة الحال من شيء . ولهلا يقلب شي قانون . غياب من يطبق القانون إذن هو الذي يؤدي إلى تفشي مثل هذه السلوكيات التي تجعل الناس يستهترون بكل شيء ، بما في ذلك أرواحهم . وكل من يريد أن يتأكد من ذلك ما عليه سوى أن يتحدث إلى أحد المهاجرين المقيمين في إحدى الدول الديمقراطية ويملك سيارة ، حيث سيقول لك بأن الجميع هناك يحترم القانون ، وأنه بدوره لم يسبق له أن خرق قانون السير في الدولة التي يقيم فيها بسيارته . ولكن غير كايدخل لطنجة كايعطي الدق للكسيراتور دون مبالاة بقانون السير المغربي ، ودون أن يعطي أدنى اهتمام لكل تلك العلامات التي توجد جانب الطريق ، ولا يفرق بين الضوء الأخضر والأصفر والأحمر ! كثير من أصحاب السيارات من المهاجرين المغاربة يدوسون قانون السير المغربي عندما يعودون إلى بلادهم ، ولا يعودون إلى رشدهم إلا عندما يغادرون الباخرة في ميناء الجزيرة الخضراء بعد انتهاء أيام العطلة الصيفية ! علاش ؟ حيت بلادات الناس فيها القانون ديال بصح ، وكاين اللي يطبقوا على أرض الواقع ، وحنا عندنا القانون ديال الشفوي ، الذي لا فرق بينه وبين القانون الموجود في عهد السيبة ! يعني كل واحد يدير ما بغا . وعلى أي حال لا يمكن أن نلقي باللوم على غياب القانون لوحده ، فحتى التربية تلعب دورا هاما في جعل تصرفات الناس أكثر استقامة . هنا في المغرب وقبل أن يكون حزام السلامة إجباريا ، يمكنك أن ترى سياحا أجانب أو المقيمين هنا لا يمكن أن يركبوا سياراتهم دون أن يربطوا حزام السلامة على صدورهم ، لأنهم بكل بساطة يتمتعون بتربية جيدة تجعلهم لا يستهترون بحياتهم وأرواحهم كما نفعل نحن . ويكفي أن تذهب إلى أي مدينة سياحية وتراقب كيف يقطع الأجانب الطريق وكيف نعبرها نحن . الأجانب يكونون حذرين ومتنبهين جدا ، ولا يعبرون الطريق إلا بعد أن يتأكدوا من توقف حركة المرور ، بينما نحن نظهر مستعجلين للغاية ، وكأننا نبحث عن سائق متهور ليخلصنا من هذه الحياة التعيسة ! إذن اللي خاصنا باش نكونوا متحضرين شوية هو التربية ، أما الزيار فكلكم تعرفون أن الكائن الوحيد الذي لا يمكن أن يتمشى بدونه هو ... الحمار ! أعزكم الله . almassae.maktoobblog.com