اهتمت الصحف القريبة من الحماية الفرنسية بواقع المدن الكبرى المغربية، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ومن بين هذه الصحف، نجد جريدة «السعادة» التي كانت تصدر من الرباط. كيف عالجت هذه الصحيفة قضايا الشأن المحلي لمدينة الدارالبيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وكيف كانت تدار شؤون هذه المدينة قبل 80 سنة من الآن؟ في 10 يناير 1930، قرر الطيب المقري، باشا الدارالبيضاء، إحداث محكمة أهلية جديدة بمنطقة الأحباس أو ما سمي آنذاك بالمدينةالجديدة، تتولى النظر في ما ينشب من خصومات ونزاعات بين سكان أحياء الضواحي آنذاك، كحيّي درب غلف والأحباس بدرب السلطان، بالنظر إلى أن المدينة لم تبق منحصرة داخل السور القديم بل امتدت مساحتها في تلك الفترة لتصل إلى 6 كيلومترات، وبالتالي فقد صارت المحكمة الأهلية القديمة بعيدة عن سكان بعض الأحياء. ولم تمر سوى بضعة شهور على فتح هذه المحكمة حتى أمر باشا المدينة بإغلاقها، لكنه قرر بعد ذلك، أمام إلحاح الأهالي، تعيين مكان آخر للمحكمة. كما شهدت مدينة الدارالبيضاء خلال سنة 1930 العديد من التغييرات على مستوى جمالية معمارها، وطالت هذه التغييرات وسط المدينة، حيث تم تغيير بنايات عتيقة بأخرى جديدة. ومن بين الدور المخزنية التي شهدت تغييرات هناك محكمة الباشا الأهلية، ثم تبعتها نظارة الأحباس بترميم محدود على عهد ناظرها الأسبق أحمد بن البشير، ولما حل محله الناظر أحمد الرقراقي زاد في إصلاحها، كما تم إصلاحها على يد ناظرها أحمد السرغيني. ودفعت الوضعية المتردية لحال المحكمة الشرعية برئيسها العلامة علال الشرايبي، الذي انتبه إلى ذلك المستوى من التدهور الذي تعرفه هذه البناية التي كان يرتادها الكثير من الأجانب آنذاك، كما كان يرتادها الكثير من الناس على اختلاف أجناسهم، (دفعت) به إلى المطالبة بضرورة إصلاحها. ويتألف قطاع العدل بالمملكة، الواقع تحت الحماية الفرنسية، من سبع مصالح، الأولى تضم ضابطا مشتملا على البحث عن الجنايات وعلى مشاركة أعضاء مع حكام العدلية للحكم فيها. فيما الثانية تضم ضابطا يتعلق بسلوك الفصول في الخصومات المدنية. أما الثالثة فتهمّ ضابطا يتعلق بالمصاريف التي تعد للخصومات. وحدد ظهير وقعه الجنرال «ليوطي» مسؤولية القسم الرابع في ضابط يهتم بالحالة المدنية المختصة بالفرنساويين والأجانب. ويضم القسم الخامس ضابطا مشتملا على ما ورد في قانون الالتزامات والعقود. أما السادس فيشتمل على قانون التجارة، فيما يضم القسم السابع والأخير كتابة للضبط تشتمل على قسم لتسجيل الأملاك. وفي ما يخص القضايا التي تهم الرعايا الفرنسيين في المغرب، فإن السلطات الفرنسية عملت على إحداث محاكم فرنسية (ابتدائية واستئنافية) تختص في النظر في جميع النوازل التي تشمل الفرنسيين، سواء كانت القضايا مدنية أو تجارية، أما النوازل المتعلقة بالأملاك، فإن نفوذ المحاكم فيها مقصور على النوازل الناشئة بين الفرنسيين أو الرعايا الفرنسيين لا غير. وتختص تلك المحاكم في كل الجنايات الصادرة في منطقة حكمهم في حق رعايا مغاربة غير محميين من طرف فرنساويين أو في حق محميين فرنسيين أو أوربيين أو في حق محميين كيفما كانت جنسيتهم. كما تختص في النظر في كل الجنايات أو الجرائم الصادرة في منطقتهم من رعايا مغاربة أيضا غير محميين بمشاركة فرنسيين أو محميين فرنسيين، سواء كان هؤلاء فاعلين أو مشاركين للفاعل أو معاونين. أما النزاعات المتعلقة بالحقوق الشخصية أو بالتركات الناشئة بين المواطنين، سواء كانوا مسلمين أو إسرائيليين، فإنها موكولة إلى المحاكم المكلفة بذلك. وتضم هيئات الحكم الفرنسية في عضويتها عضوين مسلمين يكون لهما صوت استشاري. وهذان العضوان يمكن أن يكون لهما صوت استشاري، كما يمكن أن يكون لكل واحد منهما نائب، ويتم تعيين الجميع بواسطة ظهير شريف بعد استشارة رئيس المحكمة الأول في ذلك.