اهتمت الصحف القريبة من الحماية الفرنسية بواقع المدن الكبرى المغربية، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ومن بين هذه الصحف، نجد جريدة «السعادة» التي كانت تصدر من الرباط. كيف عالجت هذه الصحيفة قضايا الشأن المحلي لمدينة الدارالبيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وكيف كانت تدار شؤون هذه المدينة قبل 80 سنة من الآن؟ شهدت بلدية البيضاء، خلال شهر مارس من سنة 1935، حادثان مأساويان في أقل من خمسة عشر يوما، ويتعلق الأمر بابتلاع البحر لبحارة إسبان، إثر غرق مركب إسباني بالقرب من ميناء الدارالبيضاء، وسقوط طائرة بمطار المدينة نجم عنه مصرع ثلاثة ربابنة فرنسيين. وفي نقلها لتفاصيل الحادث إلى قرائها، ذكرت جريدة «السعادة» أن مركبا إسبانيا، يطلق عليه اسم «أورزولا 2»، تعرض للغرق عندما كان على مقربة من ميناء الدارالبيضاء، حيث غلبته أمواج المحيط وابتلعت رجاله. وعلى إثر هذا الحادث، استنفر رئيس مصلحة الإنقاذ، الربان «فيدال»، فريقه، المتكون من عناصر فرنسية وأخرى مغربية، وحشده على ظهر مركب الإنقاذ «الماريشال ليوطي» وتوجه رأسا إلى مكان الحادث من أجل انتشال الغرقى. وروت الجريدة كيف لاذ أحد الغرقى الإسبان بصخرة كبيرة وبقي هناك لمدة يوم كامل، حيث ظل يستغيث إلى أن غربت الشمس، ليقضي ليلة بأكملها فوق الصخرة. وكل ما حصل التي عليه هو الأغطية وبعض المؤونة التي رمى بها من الجو طيار سيلقى حتفه في الحادث الثاني بعد أن سقطت الطائرة بمطار البيضاء. وفي الغد، استعملت فرق الإنقاذ كافة الوسائل لإنقاذ الرجل. وبعد عناء شديد، امتطى عدد من البحارة المغاربة مركبا، وقصدوا الصخرة المذكورة، فدنوا منها دون أن يستطيعوا الوصول إليها، ورمى البحارة إلى الإسباني العالق حبلا لكي يربط به جسده ويسبح في البحر، لكن الإسباني رفض ذلك، مخافة أن يغرق ثم رجع البحارة. وفي إطار المحاولات المبذولة لإنقاذه، عادت مجموعة أخرى من البحارة المغاربة للاقتراب من الصخرة العاتية، وقام مغربي يسمى محمد بن بوشعيب، ويلقب ب«حرارة»، بالارتماء في البحر، وقصد الصخرة سابحا إلى أن وصلها والتقى بالإسباني فربطه بحبل وحمله ثم رجع إلى القارب سابحا أمام أنظار حشد غفير من المواطنين. هذا وقد وقع تم العثور على خمسة غرقى بين إسبانيين وفرنسيين بالقرب من الشاطئ، فيما تم انتشال جثث بعضهم يوم الحادث. ولم يمر على هذا الحادث سوى أيام قليلة حتى سقطت طائرة بمطار البيضاء، ولقي ثلاثة ربابنة على إثر ذلك حتفهم وهم «روبان» و«بروس» و«كورلاشير»، فيما تعرض شخص لجروح خطيرة، ذلك أن طائرات قدمت إلى البيضاء قصد القيام باستعراض جوي، يقودها كل من «مالك ليول» و«دوراندو» والدكتور «كروشي». وبعدما ركبها ربابنتها المذكورون، امتطى طائرة الدكتور «كروشي» الربابنة الذين لقوا حتفهم، وتولى قيادتها الربان «كورلاشير». وبعد جولة قصيرة رجعوا إلى المطار وحاول «كورلاشير» إنزالها، فارتطمت بالأرض، وكانت النتيجة أن وُجد كل من «روبان» و«بروست» جثتين هامدتين، فيما ظل الباقون على قيد الحادث. وبمجرد ذيوع الخبر، انتقل أعضاء نادي الطيران إلى مكان الحادث، حيث تم نقل المصابين إلى المستشفى المدني، وهناك فارق الحياة «كولاشير» الذي كان يتولى آنذاك مهمة خليفة رئيس «الأجنحة المغربية» وكان أحد الطيارين المدنيين المتطوعين في ميدان الإنقاذ الطبي. هذا وقرر الأطباء أن إمكانية علاج «دوجوي» تبقى قائمة.