اهتمت الصحف القريبة من الحماية الفرنسية بواقع المدن الكبرى المغربية، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ومن بين هذه الصحف، نجد جريدة «السعادة» التي كانت تصدر من الرباط. كيف عالجت هذه الصحيفة قضايا الشأن المحلي لمدينة الدارالبيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وكيف كانت تدار شؤون هذه المدينة قبل 80 سنة من الآن؟ في مارس 1932، أصبحت المحادثات التلفونية تجري بواسطة الهاتف الأوتوماتيكي، واستغرقت مدة الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد حوالي نصف ساعة. وخولت هذه العملية للسكان الاتصال بواسطة رقم هاتفي بكل حرية دون المرور عبر «السنترال». كما مكنت هذه العملية، التي تولت شركة فرنسية إنجازها، من تزويد السكان بدليل هاتفي خاص بجميع المشتركين بالمغرب، حيث تضمن أرقام الهواتف الجديدة وكيفية تركيب الأرقام عند الرغبة في الاتصال بأحد ما في باقي المدن خارج الدارالبيضاء، خصوصا مدينة الرباط، حيث سمح النظام الجديد بتبادل الاتصالات بين سكان البيضاءوالرباط بدون المرور عبر «السنترال». وكان عدد المشتركين البيضاويين في الهاتف الأوتوماتيكي حوالي 6300 مشترك. وترأس تدشين الهاتف الأوتوماتيكي يوم 6 مارس المسيو «ميرييون» الذي كان يشغل منصب الكاتب العام لحكومة الحماية، إلى جانب «دوبوكلار»، المفتش العام لإدارة البريد والهاتف والبرق بالمغرب، و«أورتليب»، رئيس مراقبة ناحية الشاوية, و«كورتان» رئيس بلدية البيضاء. وكان هناك خط هاتفي يربط بين مدينة بريست الفرنسية وعاصمة المغرب التجارية (الدارالبيضاء). وهذا الخط كان يقوم بمهمة المواصلات التلغرافية بين المملكة المغربية وفرنسا. ونظرا إلى ضعف خدمات هذا الخط وإلى الخلل الذي أصابه بسبب قدم استعماله، فقد عززته الإدارة بخط هاتفي ثان، لكن هذا الأخير لم يف بالمطلوب، وهذا ما دفع بالسلطات الإدارية إلى العمل على إنشاء محطة جديدة للهاتف، كما كانت تستعين، كلما تعرض خط «الدارالبيضاء/بريست» لعطب أو خلل، بخط هاتفي آخر يربط بين البيضاء وباريس عبر وهران، على غرار ما حدث حين تعرض الخط المذكور «بريست/البيضاء» لعطب استمر لمدة 20 يوما ليتم اللجوء، من أجل الإبقاء على الاتصال قائما بين المغرب وفرنسا خلال تلك الفترة، إلى الخط اللاسلكي بين البيضاء وباريس عبر وهران. وقد استقبل هذا الخط حوالي 15 ألف تلغراف (692 ألف كلمة)، وفي الوقت نفسه بعث 7612 برقية تشتمل على حوالي 110 آلاف كلمة. على صعيد آخر، تأسس أول مركز للبريد سنة 1912، وهو عبارة عن «مركز عسكري». وغير بعيد عن هذا المركز، تم إنشاء «البريد المركزي»، حيث تم تجميع المصالح المرتبطة بأنشطة البريد (التلغراف، الهاتف، الطرود البريدية، مصالح الضمان). وقد صمم البناية الحالية (أنظر الصورة) المهندس المعماري «لا فورك». وصدر، بتاريخ 20 مايو 1913، قرار للمقيم العام الفرنسي حول كيفية عمل إدارة التلغراف المخزني، حيث تم تعيين رئيس للمراكز العسكرية، وأسندت إليه مهمة إدارة هذه المراكز وتوضيح الكيفيات التي يمكن أن يدخل بها الناس في المعسكرات والمحال العسكرية من أجل إرسال التلغراف. كما فرض قرار المقيم العام أن تمر كل المراسلات المبرقة التي تتعلق بالأمور الخصوصية من تحت أنظار «الكمندارات» المكلفين بإدارة هذه المراكز البريدية العسكرية. ويأخذ رئيس محل التلغراف العسكري، المكلف بإدارة التلغراف المخزني، 25 سنتيما من إدارة التلغراف المخزني عن كل مراسلة, برقية, خصوصية وصلت إلى المحل أو أرسلت منه، وعلى المكلف المذكور تحمل المسؤولية إزاء التلغراف فقط في ما يتعلق بالأجرة التي يقبضها على المراسلات.