اهتمت الصحف القريبة من الحماية الفرنسية بواقع المدن الكبرى المغربية، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ومن بين هذه الصحف، نجد جريدة «السعادة» التي كانت تصدر من الرباط. كيف عالجت هذه الصحيفة قضايا الشأن المحلي لمدينة الدارالبيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وكيف كانت تدار شؤون هذه المدينة قبل 80 سنة من الآن؟ شرعت سلطات الحماية، خلال الأشهر الأولى من سنة 1932، في مد خطوط «الترامواي»، حيث تقرر إحداث خط يصل وسط المدينة بحي البطحاء، وكان هذا الحي يسمى آنذاك ب«بطحاء فرنسا». وكان المجلس قد قام، في يونيو من سنة 1931، باسترجاع الامتياز الخاص بخطوط العربات الكهربائية «الترامواي» والسيارات العمومية المعدة لنقل الناس بداخل مدينة الدارالبيضاء (أطوبيس) وكذا امتياز كراء الخطوط المذكورة. ويعود تاريخ إنشاء خط للعربات الكهربائية «الترامواي» إلى 20 دجنبر من سنة 1919، حيث قضى ظهير، وقعه الصدر الأعظم آنذاك محمد المقري، بأنه من المصلحة العمومية إحداث خط ل«الترامواي» ول«الأطوبيسات» العمومية. ومنح الظهير الامتياز لمدينة الدارالبيضاء، على أن ينقضي أجل هذا الامتياز في 31 دجنبر من سنة 1970. وقرر المجلس البلدي منح تسيير هذا المرفق، عبر تفويض رسم الامتياز، لأحد الفرنسيين يسمى «دوفاج دولاطور». وفي 20 يوليوز تم إنشاء شركة «العربات الكهربائية والسيارات العمومية للدار البيضاء» لتعوض «دوفاج». النقل لم يكن الملف الوحيد المندرج ضمن اهتمامات المجلس البلدي في ثلاثينيات القرن الماضي. فرغم مرور أزيد من 80 سنة، فإن تزويد السكان بالماء ظل من القضايا التي تستأثر باهتمام المجلس البلدي، ففي اجتماع ليوم 17 نونبر من سنة 1930، تداول المجلس البلدي في قضية ندرة الماء بمدينة الدارالبيضاء. ونيابة عن باشا البيضاء، ترأس محمد بناني المجلس الذي كان يضم فرنسيين ومغاربة. وقد سلط هذا المجلس الضوء على قلة الماء بالمدينة والذي لا يكفي لتغطية حاجيات السكان، خصوصا أولئك الموجودين في الضواحي. وقد أخبر المكلف بالأشغال، مسيو روفلي، أعضاء المجلس بأنه فتح نقاشا مع المندوب السامي للمياه ووعده خيرا. أما النقطة الثانية التي كانت مدرجة في جدول أعمال الدورة فتعلقت بقرض بقيمة 50 مليون فرنك سيخصص لإنجاز بعض المصالح بالمدينة. في 25 شتنبر من سنة 1936، التأم المجلس تحت رئاسة «المسيو سيكر»، نائب المجلس البلدي، وبحضور محمد بناني، خليفة الباشا، بإحدى قاعات بناية رجال المطافئ، في انتظار إتمام أشغال القاعة الجديدة بقصر البلدية. وخصص الاجتماع للرد على طلبات رفعها بعض المتضررين للتعويض عن خسائر لحقتهم من جراء الأشغال التي قامت بها البلدية في بعض الأماكن، كما تدارس المجلس طلب رفع ثمن شراء الأرض من طرف البلدية من أجل إنجاز مصلحة عمومية. وتناول المجلس خلال هذا الاجتماع أيضا إبرام اتفاقية مع شركة «الكربون المغربية» لتحديد ثمن الكربون في 0,99 فرنك للتر، كما أحاط «كورتان» المجلس الملحق باستغلال الأرض المعدنية بدار بوعزة. وبخصوص إصلاح الطرق، قامت الجماعة بشراء 274 مترا مربعا بثمن 26 فرنكا بالمعاريف بزنقة كاتيني و1120 مترا مربعا بحي محطة القطار بشارع باستور بثمن 50 فرنكا مع قطعة من الأرض المجاورة له و133 مترا مربعا بطريق الجديدة بثمن 125 فرنكا، كما اشترت البلدية الأرض المسماة «أرض ملكا» ب73 ألف فرنك. ومن القضايا التي كانت تستأثر باهتمام المجلس البلدي للمدينة الأمور المتعلقة بملف السكن، حيث تقرر في 9 مارس 1931 تشييد مساكن للعمال ومتوسطي الحال. وتم بناء هذه المساكن بدعم من صندوق الحماية الذي قدم مساعدة بقيمة 5 ملايين فرنك. وطالب أعضاء المجلس بمضاعفة هذا المبلغ. وفي مارس من السنة الموالية (1932)، خصص المجلس البلدي إحدى دوراته لمناقشة ملف متعلق بإنجاز مساكن صحية ذات كراء معتدل، ثم عالج المجلس ملف إصلاح المرسى وسن قوانين لتنظيم المقابر وإدارتها. ومن بين القرارات التي اتخذها المجلس البلدي منح قروض لبعض المدن، ومن بينها مدينة «وزان»، حيث قرر المجلس البلدي في يوليوز من سنة 1933، برئاسة نائب الرئيس «دونويكس»، المصادقة على قرار مضمونه تسليف مدينة «وزان» مبلغا قدره 300 ألف فرنك من أجل تزويدها بالماء الصالح للشرب، رغم معارضة العضو «ريفولي» لهذا القرار.