من بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... «لقد اقترن الحي المحمدي بالفعل المسرحي والظاهرة «الغيوانية» والشعر، ففي هذا الحي ظهرت دينامية فنية وثقافية وولدت العديد من الأسماء الشهيرة الآن في مختلف التعابير والممارسات السياسية والثقافية.. في هذا الحي رأيت النور وعرفت «الغيوان»، «لْمشاهب»، «مسناوة»، «تكادة»... وعشت أيام الزمان الجميل للاتحاد البيضاوي»... بهذه الكلمات، يحكي الشاعر والزجال محمد الكزار عن تعلقه بالحي المحمدي. وعن ذكريات الحي المحمدي، يتابع الكزار: «من الأشياء التي أثَّرتْ في حياتي أنني وُلِدتُ من أب مقاوم، إذ كان منخرطا في مكتب حزب الاستقلال في الحي المحمدي، وكان نشطا في الحزب في «كاريان سانطرال»، وكثيرا من شاهدته يحمل السلاح في المنزل أو على دراجته الهوائية لمحاربة المستعمر بين «براريك» الحي المحمدي، إلا أنه في آخر المطاف لم يستفد بعد الاستقلال ولم يحصل على أي وثيقة تؤكد انخراطه في مقاومة المحتل الفرنسي، على الرغم من أنه ابن الحي المحمدي وأحد أبناء المقاومة». وعن بدايات اكتشاف الفعل الفني الرياضي في الحي المحمدي، يقول محمد الكزار: «اشتغلتُ لأول مرة في المسرح إلى جانب فرقة «أضواء الشباب»، لحسن السوداني، التي عرفت فيها أسس الفعل المسرحي في دار الشباب -الحي المحمدي.. في هذه الدار، تعرفت على مجموعة من الإخوان، من بينهم العربي، باطما، عمر السيد... وفي تلك الفترة (ستينيات القرن الماضي) كنت عاشقا وممارسا لكرة القدم، وأتذكر أن الراحل العربي الزاولي سبق له أن اختارني في الدوري الذي كان ينظمه، إلا أن مساري الكروي لم يتواصل، لأنني كنت مدمنا على التدخين.. وأتذكر أن الراحل الزاولي شاهدني مرة أدخن، فقرر طردي من الملعب، ولهذا ابتعدت عن كرة القدم وركزت على المسرح والشعر والزجل»... للشعر والزجل والأغنية في حياة الكزار ومكانة خاصة يقول عنها: «في يوم من الأيام، اتصل بي محمد باطما وقال لي إنهم يؤسسون مجموعة اسمها «تكادة» وطلب مني أن أكتب أغاني للمجموعة.. ذهبنا إلى صديق كان يعمل خياطا اسمه الطيبي وهو من أطلق اسم «تكادة» على المجموعة وسيصبح في ما بعد رئيسا للفرقة، اتفقنا على أن أكتب أغاني لهذه الفرقة في السبعينيات، إلا أنني اكتشفت أشياء لم تسمح لي بالاستمرار في الموضوع، وبعد ذلك، قابلت بعض الأصدقاء، كان بينهم ممرض، من أجل المشاركة في تأسيس مجموعة «نجوم الحي المحمدي»، وكان ضمن المجموعة عازف للعود يسمى حسن الحلاق، إلى جانب نجيب، عبد السلام... وانطلق المشروع وسجلنا قطعة من 45 لفة، بمبلغ 250 درهما، إلا أنني قررت ترك المجموعة، لعدم ارتياحي لما كان البعض يضمره لها، قبل أن تتخذ حياتي الفنية مسارا آخر»... مسار يقول عنه الكزار: «في سنة 1972، عاد أحمد بنعابد، أحد أبناء الحي المحمدي من الخارج، حاصلا على شهادة عليا في الموسيقى، وكان يسكن بجانبنا فاقترحت عليه أن نشتغل في عمل فني مشترَك، فرحب بالفكرة، وتزامن ذلك مع رغبته في إنجاز أوبريت، فاقترح علي أن أكتب أغنية من أغاني الأوبريت فقبلت، واقترح فريدة بورقية، التي عادت بدورها من الخارج بشهادة، فاتفقنا على أول أوبريت، لتشرع فريدة بورقية في اختيار الممثلين المقترَحين للعمل.. وكان من المنتظَر أن تشارك في العمل أسماء لامعة من معهد المسرح والموسيقى في الدارالبيضاء، وكانت قصة «الأوبريت» تتحدث عن المواطنة، وأتذكر أن أحمد بنعابد لحن أغنية «ألفين سلام ومحبة»، إلا أنه -لظروف ما- لم يكتمل العمل، وخضت تجارب شعرية خاصة، إذ اشتغلت مع العديد من الأسماء المغربية، من بينها المزكلدي، العابد الزويتن، الطاهر جمي، ليلى علي، نادية أيوب، المعطي بنقاسم وزينب ياسر.. وكتبت العديد من الأغاني، من بينها «أنت ولا بْلاشْ» و«لْهلالْ يوريكْ».. كما قدمت للقناتين الأولى والثانية أربعة مشاريع، لكنها رُفِضت، مما سيجعلني أتجه إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري لإنصافي في هذا الإقصاء المتعمَّد»... ويواصل الكزار حديثه عن الشعر والزجل في الحي المحمدي قائلا: «عرف الحي المحمدي العديد من الشعراء والزجالين، من بينهم عنيبة الحيمر وعمر التلباني، الذي نظَم أول أغنية شهيرة ما بين سنتي 1972 و1973، واشتهر في ما بعد بالعديد من الأغاني الشهيرة، من بينها «دابا تدور الأيام» و«سوق البشرية».. وحينما نتحدث عن الزجل والشعر في الحي المحمدي، لا يمكن نسيان الإشارة إلى العديد من الأسماء، من بينها عمر التلباني، محمد باطما، العربي باطما، عبد الله عطارد، الحاج فوقار، محمد البوهالي، حسان السوداني، مبارك الشادلي، حسن مومان، خليفة لغلول، محمد علجة، جمال مستكفي، عبد اللطيف خمسي، عبد المجيد مشفق وادريس الملياني»...