بعد استقالة، أو بالأحرى إقالة ألان جوايندي، وزير الدولة السابق المكلف بالتعاون والفرانكفونية، وذلك على خلفية كرائه لطائرة خاصة للمشاركة في ندوة عن كارثة هاييتي، والذي كلف ميزانية الدولة مبلغ 116500 أورو، ورث بيرنار كوشنير، وزير الشؤون الخارجية، الكرسي ليصبح بذلك على رأس وزارتين بحجم دبلوماسي وسياسي كبير، في الوقت الذي جاءت فيه ردود أفعال بعض الشخصيات السياسية لتشير إلى أنه أصبح لا يسير شيئا، وأن وزارة الخارجية أصبحت حكرا على لوبي يوجد وكره في الإليزيه. وقد صدرت الطلقة الأولى من أحد المقربين من بيرنار كوشنير، وتحديدا من جان كريستوف ريفان الذي قدم استقالته مؤخرا من منصبه كسفير لفرنسا في السينغال. وليس جان كريستوف ريفان من صِنْف الموظفين السامين الذين يتنقلون بين أركان الوزارات، بل له مشواره بمنعرجات في أكثر من اتجاه، حيث عمل طبيبا في مؤسسات لإغاثة اللاجئين وضحايا الحرب في الكامبودج والكوسوفو وإفريقيا، وذلك تحت رعاية منظمة الهلال الأحمر الدولي وأطباء بلا حدود.. إلخ، غير أن الكتابة تبقى الميدان الذي تألق فيه ريفان بامتياز، إذ حصل لمرتين، وهو إنجاز نادر، على جائزة الغونكور: المرة الأولى سنة 1997 على رواية «الحبشي»، والثانية عام 2001 على رواية «أحمر البرازيل». وقد صدرت له قبل أسابيع، عن منشورات «فلاماريون»، رواية «كتيبة» التي تتربع على قائمة أحسن المبيعات الروائية في فرنسا. كما عين سفيرا لفرنسا بالسنغال وغامبيا في الثالث من غشت 2007. وفي الثلاثين من يونيو الماضي قدم استقالته من منصبه، بعد تبادل عنيف للتهم مع السلطات السنغالية، وبخاصة مع عبد الله واد الذي اتهمه بالتدخل في الشؤون الداخلية للسنغال، فيما عاب جان كريستوف ريفان على السلطات السنغالية تسريبها للأخبار، «الشاردة منها والواردة». ومباشرة بعد استقالته، فتح ريفان النار على بيرنار كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي، مشيرا إلى أنه أصبح وزيرا بلا سلطة نافذة في الملف الإفريقي الذي يسيره، في الواقع، لوبي يوجد على رأسه كلود غيان، السكرتير العام لقصر الإليزيه. ويشير ريفان إلى أن هذا اللوبي «يسعى إلى إنعاش السياسة الاستعمارية التي عرفت باسم «فرانس-أفريك» Françafrique. «لقد جرد السكرتير العام للإليزيه وزير الخارجية الفرنسي من صلاحياته. زد على ذلك أن نيكولا ساركوزي غير مهتم كثيرا بالقضايا الإفريقية، حيث ترك هامشا للحركة لبعض مساعديه، في الوقت الذي لا يعدو فيه كلود غيان أن يكون مجرد محافظ للأمن وليست له أية دراية بإفريقيا. ويضيف ريفان: «يتحرك كلود غيان بكل طلاقة ومن دون رقيب في الملف الإفريقي إلى درجة أن لا أحد في البرلمان أو في الحكومة يطالبه بتقديم حسابات». هذا ما ردده جان كلود ريفان في مقالات نشرها في جريدتي «لوموند» و«لاتربين». علاوة على النشاط الخفي للكاتب العام للإليزيه في تحريك دواليب وزارة الخارجية الفرنسية، يفضح جان كريستوف ريفان الدور الذي تقوم به اللوبيات أو الشبكات النافذة الإفريقية التي تعمل تبعا لعقود سمينة، وبالتشاور مع بعض رؤساء الدول الإفريقية، وذلك بغاية التأثير في السياسة الإفريقية لفرنسا. وفي الختام، يدق صاحب رواية «أحمر البرازيل» المسمار عميقا لما يشير إلى أن وزارة الخارجية الفرنسية في حالة يرثى لها اليوم، وأن الدبلوماسيين يوجدون في «لخبطة» لا مثيل لها، لأنهم «يشعرون بأنهم لا يتوفرون على أية حماية». وليس جان كريستوف ريفان الوحيد الذي دق ناقوس الخطر الذي يحدق بوزارة الخارجية، فقد وقع كل من ألان جوبيه، الوزير الأول السابق في حكومة جاك شيراك، وهوبير فيدرين، وزير الشؤون الخارجية في عهد الرئيس فرانسوا ميتران، مقالة في جريدة «لوموند» تضمنت دعوة إلى «وضع حد للانتكاس غير المسبوق للشبكات الدبلوماسية والثقافية الفرنسية».