عشر سنوات كانت كافية لكي تصبح مراكز الاتصال رقما صعبا في الاقتصاد المغربي. هذا القطاع عرف تطورا بنسبة 1000 في المائة مقارنة بسنة 2003، و قد وصل رقم معاملاته ما يقرب من 6 ملايين درهم، و بإمكانه وفق التوقعات المستقبلية أن يشغل ما يقرب من 300 ألف شخص. : أكاديمية مراكز الاتصال بالرغم من أن الوعدودي نفى أن يكون هناك خصاصا في اليد العاملة المؤهلة للعمل في مراكز الاتصال، فإن الحكومة المغربية عملت مؤخرا على إعداد مشروع من أجل تأهيل عمال تلك المراكز. وأطلق على هذا المشروع اسم «أكاديمية مراكز النداء» الذي سيتم إنجازه بشراكة بين وزارة الشغل والتكوين المهني، ووزارة التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، والاتحاد العام لمقاولات المغرب. ويهدف المشروع إلى تكوين 2000 شخص خلال 2010، و70 ألفا في أفق 2015. واختيرت «مجموعة ليكورن» المتخصصة في التكوين والاستشارة من أجل تأمين التكوين بمدينتي الدارالبيضاءوالرباط في إطار «أكاديمية مراكز النداء». ويأتي اختيار «ليكورن» من أصل 70 مكتب استشارة وضعت ملفاتها في إطار طلبات العروض التي أطلقت شهر ماي الماضي، والتي أسفرت عن انتقاء 20 مكتبا من طرف لجنة مشكلة من الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات ووزارة التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة والجمعية المغربية لمراكز العلاقة مع الزبناء.
«أنت في المغرب وتقدم مساعدة لشخص في الخارج». يعمل عبد القادر منذ خمس سنوات بأحد مراكز الاتصال بمدينة الدارالبيضاء التي تناسلت بشكل كبير في السنوات الأخيرة لتحتل موقعا متميزا في الاقتصاد المغربي.
مراكز اتصال أم مراكز نداء؟ غالبا ما يخلط المرء بين الأمرين، غير أنه في نظر الوعدودي محمد رئيس جمعية مراكز الاتصال والنداء و الخدمات المعلوماتية، فإن هناك فرقا واضحا بينهما. فمركز الاتصال (centre de contact) يعني أن الزبون يتصل بالمركز من أجل أخذ معطيات والحصول على معلومات مثل مواعيد القطار وغيرها من الخدمات. أما مراكز النداء (centre d'appel)، فهي التي تتصل بالزبون من أجل بيع منتوج مثل الملابس، أو الاشتراكات وغيرها من الخدمات. وبعبارات عبد القادر، فإن مراكز الاتصال أو النداء تنقسم إلى قسمين: مراكز اتصال تجارية، أي تعمل على بيع المواد أو المنتجات، أي تعمل على إقناع الزبون باقتناء منتوج ما دون أن يعرف المكان الذي توجد فيه أو اسم المتكلم الحقيقي. وهناك مراكز اتصال تهتم بالخدمات مثل خدمات شركات الاتصالات، وغيرها من الشركات. يتم تكوين العامل وتعريفه بخصائص المنتوج التقنية حتى يمكنه أن يجيب عن المكالمات التي تأتي من زبائن من الخارج. «خدمات الزبائن هاته تكلف الشركات غاليا، وبالتالي فإنها تعمل على تكليف مراكز اتصال من أجل القيام بهذه العمليات. أحيانا نتخذ أسماء أجنبية من أجل التعامل مع الزبناء. ولكن الشرط الوحيد هو أن لا يعرفوا هوياتنا الحقيقية أو مكان تواجدنا»، يقول عبد القادر. تطور ب 1000 في المائة
حسب الوعدودي، هناك ما يناهز 160 مركز اتصال أو نداء عبر التراب الوطني، من بينها 90 في المائة تشتغل مع الخارج. وتحتكر مدينتا الدارالبيضاءوالرباط حصة الأسد في عدد تلك المراكز، إذ أن العاصمة الاقتصادية تتوفر على 70 مركز اتصال أو نداء، فيما تتوفر الرباط على 30 مركزا، بالرغم من أن هذه الأخيرة تتوفر على أكبر مركز اتصال في المغرب، يشغل ما يقرب من 3000 شخص. وقد قامت الجمعية التي سهرت على تنظيم معرض مراكز النداء بنشر بحث في شهر مارس 2010، كشف عن أن 180 مركز نداء كانت تشتغل وقت إجراء البحث، منها 40 في المائة في مدينة الدارالبيضاء، و 20 في المائة بمدينة الرباط. وتتوفر مدن أخرى على عشرات مراكز النداء مثل طنجة و مراكش ومكناس والمحمدية و وجدة. ووفق أحد التقارير الصادرة هذا العام، فإن 10 في المائة من مراكز النداء تشغل أكثر من 80 في المائة من عدد العاملين في هذا القطاع. «وهذا الرقم يوضح إلى أي درجة أصبح هذا القطاع أكثر تصنعا، وهذا يضع المغرب في موقع بعيد عن منافسيه». وحسب آخر الإحصائيات التي تتوفر عليها الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، فإن عدد مراكز الاتصال أو النداء التي حصلت على ترخيص مسبق من الوكالة من أجل الاشتغال انتقل من 122 مركزا سنة 2004 إلى 460 مركزا خلال شهر ماي الماضي. وأضافت مصادر من الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات أن الحكومة المغربية تعتزم أن يوفر هذا القطاع الاقتصادي ما يقرب من 50 ألف منصب شغل في أفق 2012. و بالرغم من أن المغرب لم يعرف هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية إلا في بداية الألفية الثالثة، فإنه بعد عشر سنوات على إنشاء أول مركز اتصال، عرف هذا النشاط تطورا صاروخيا جعل المغرب أول دولة أفريقية و عربية في هذا الميدان، إذ أن المغرب يحتكر 50 في المائة من حجم مراكز الاتصال عن بعد (offshore) على الصعيد الأفريقي والعربي. وقال الوعدودي في اتصال مع «المساء» من مراكش حيث كان يحضر مؤتمرا إن هناك عدة عوامل ساهمت في هذه المرتبة التي يحتلها المغرب، منها الموارد البشرية المؤهلة، و السياسة الحكومية، وتحرير قطاع الاتصالات، والتحكم في اللغات الأجنبية، وخاصة الفرنسية والإسبانية. كما أن تقرير معرض (SICCAM)، الذي صدر هذا العام، أشار إلى أن رقم معاملات هذا القطاع بالمغرب عرف تطورا سريعا مقارنة بسنة 2003، إذ بلغت نسبة التطور 1000 في المائة. خلال افتتاح المستشار الملكي أندري أزولاي للدورة الخامسة لمعرض مراكز الاتصال في المغرب سنة 2008، أشار إلى أن هذا القطاع يدر أزيد من 270.3 مليون دولار سنويا. و الدليل على أهمية هذا النشاط في الحركية الاقتصادية المغربية هو أن رقم معاملاته وصل هذا العام إلى 4 مليارات درهم. وتمكن قطاع مراكز النداء، في غضون فترة وجيزة، أن يحتل مكانة مهمة في النسيج الاقتصادي، وهذا ما يبينه رقم معاملات هذا القطاع، التي ناهزت، حسب الوعدودي، 6 مليارات درهم. ويعرف هذا الرقم كل سنة زيادة تقدر بحوالي 10 إلى 30 في المائة. غير أن 70 في المائة من أصحاب الرساميل في هذه المراكز أجانب, خاصة من فرنسا وأمريكا وإسبانيا وغيرها من الجنسيات. في حين أن الرأسمال المغربي يتوفر على 30 في المائة. وحسب بعض الإحصائيات، فإن غالبية المستثمرين الأجانب في هذا القطاع فرنسيون بنسبة 86 في المائة، يليهم الأمريكيون بنسبة 8 في المائة، والإسبان بنسبة 4 في المائة، والبلجيكيون بنسبة 2 المائة. تشغل مراكز الاتصال أو النداء ما يقرب من 25 ألف شخص، ويمكن للمغرب أن يخلق بدون أي عناء 300 ألف منصب شغل في هذا القطاع. ويؤكد الوعدودي أن «هذا القطاع هو قطاع حيوي واستراتيجي ويمكنه أن يخلق مناصب شغل كثيرة». وبالرغم من الأزمة التي اجتاحت العالم هذا العام وتأثيرها على اقتصاديات دول كثيرة، فإن هذا القطاع بالمغرب لم يتضرر، حسب رأي الوعدودي، بل عرف انتعاشا، مضيفا «الأزمة العالمية أثرت على الشركات في الدول الغربية التي عملت على التخفيض من مصاريف، وبالتالي إذا كان ثمن الخدمة يصل في تلك البلدان إلى 30 أورو، فإن ثمن نفس الخدمة في المغرب لن يتعدى 10 أورو». . هناك نوع من الاستغلال ولكن ! القطاع في تطور و ترتفع رقم معاملاته بشكل صاروخي، غير أن وضعية العاملين فيه تسير سير السلحفاة. فمعاناة العاملين في مراكز الاتصال أو النداء لا تنتهي, وأولى تلك المشاكل التي يعانيها العاملون هي الضغط، إذ أن العامل الواحد قد يستعمل السماعة لساعات طويلة، ويمكنه أن يستقبل يوميا أكثر من 200 مكالمة، وهو الأمر الذي يؤثر على حاسة السمع. و يميز عبد القادر بين نوعين: المكالمات ذات الطابع التجاري تكون فيها المكالمات قليلة خلافا للنوع الثاني من المكالمات، أي تلك الخاصة بالاستجابة لطلبات الزبائن، حينها يمكن أن يتلقى العامل ما بين 20 و 30 مكالمة في الساعة، وهذا ما يفسر، في نظر عبد القادر، الضغوط النفسية التي يتعرض لها العامل في هذه المراكز. لا يشاطر الوعدودي بشكل كبير الصورة التي رسمت في السابق حول وضعية العمال في مراكز الاتصال أو النداء. بالرغم من ذلك يعترف بأن هناك استثناءات: «هناك نوع من الاستغلال. هذا الأمر لا يمكنني أن أنكره». الجمعية التي يتحمل الوعدودي مسؤولية رئاستها، والتي تضم 45 مركزا (الجمعية بصدد إعداد دراسة، وفي نهاية يوليوز سيعرف بشكل دقيق عدد المراكز المنخرطة في الجمعية)، لا تقبل أن تساء معاملة العمال أو يتم الإخلال بحقوقهم التي يضمنها لهم القانون. يشتغل العامل بمراكز الاتصال أو النداء مقابل مبلغ مالي لا يقل عن 3000 درهم، ويمكن أن يصل إلى 7000 درهم في الشهر. «أعلى الرواتب توجد بهذا القطاع». الوضع المادي لعبد القادر في الشركة التي يعمل فيها وضع جيد، فالأجور مرتفعة بسبب الساعات الإضافية و المنح المختلفة التي تقدم للعمال مقابل العمل في الأعياد و المناسبات. «مراكز النداء لا تضيع أجر العاملين فيها. هناك فعلا بعض الشركات التي تأتي إلى المغرب وتستغل العاملين لمدة عامين ثم ترحل»، يقول عبد القادر، مضيفا أن «المشكل الحقيقي الذي نعرفه في مراكز الاتصال هو الانحلال الأخلاقي، إذ أن أغلب من يعمل في هذه المراكز شباب وينحدرون من أصل اجتماعي متواضع و ذي ثقافة تقليدية، ولكن باحتكاكهم بعقليات وثقافة أخرى، تنحل أخلاقهم، ولهذا السبب لا غرابة أن نرى شابات يعملن في هذه المراكز يدخن بشكل غير طبيعي». ميثاق أخلاقي؟ ميثاق أخلاقي؟ نعم هناك ميثاق أخلاقي، وضعته جمعية مراكز الاتصال أو النداء، يتعين على العامل في مراكز الاتصال أو النداء أن يتحلى بها أثناء تأدية مهامه. مركز الاتصال أو النداء يقدم خدمات للزبائن أولا وأخيرا، وبالتالي فإن اللباقة وحسن السلوك والأخلاق يجب أن تكون ملازمة للعامل في هذه المراكز حتى لو كان الزبون غير لبق أو تلفظ بألفاظ نابية. العامل يجب أن تكون أعصابه في ثلاجة، أن يضبط أحاسيسه ولا ينساق وراء الإساءة. «هناك قواعد يجب أن يحترمها العامل في أداء عمله، لا يمكن أن تتم المناداة أو الاتصال بالزبون في أوقات غير لائقة، ولا يمكن التحدث إليه بجفاء حتى إن لم يقبل الخدمة التي تعرض عليه. هذا الميثاق وضع لفائدة المراكز الصغيرة، لأن المراكز الكبيرة تحترم احتراما تاما أخلاقيات المهنة، وهناك مراقبة صارمة في هذا الاتجاه. المراكز الكبرى تحاول أن تحافظ على سمعتها».