هناك نقاش حار في المغرب حول استعمال الدارجة، لكن حرارته مزيفة، أي أن جهات، بمجرد أن تحس بأن لديها وقتا فائضا، تخلق موضوعا تافها وتضعه فوق النار، ثم تسحبه عندما يظهر لها انشغال أهمّ أو تتركه يحترق لأنه لا يهمها أصلا. الذين يقودون حملة استعمال الدارجة في المراسلات والإعلام ووسائل الاتصال الرسمية بالمغرب يمكن تعريفهم ب«حزب البطاطس»، لأنه كلما بدأ النقاش مع أحدهم حول هذا الموضوع وجّه إليك سؤالا حاسما يقول «مللّي كتمشي عند مول الخضرة واش كتقول ليه عْطيني كيلو دْ البْطاطا واللاّ كتقول ليه أعطني كيلو من البطاطس؟». ويبدو حتى الآن أن سؤال البطاطس هو نقطة القوة الكبيرة في ملف المطالبين باستعمال الدارجة، وأكثر من ذلك فهم محقون لأننا جميعا نتوجه عند بائع الخضر ونقول له «عْطيني كيلو دْ البطاطا»، لذلك يجب أن نعترف، منذ البداية، بأنهم انتصروا وأننا انهزمنا. هنيئا لهم، إذن. هناك نقاشات لا يتوقعها أحد، لكنها تظهر فجأة ويكون الإنسان مجبرا على المشاركة فيها ولو من باب التسلية. ومرة، كنت في فصل دراسي بإسبانيا نتناقش حول الأسرة، فاقترحت الأستاذة أن نناقش موضوع مطالبة الشواذ الجنسيين بتربية أبناء، يعني امرأة متزوجة من امرأة أو رجل متزوج من رجل يقرران تربية أطفال. قلت وقتها لباقي الطلبة، وأغلبيتهم أوربيون، إن هذا يشبه حق الباذنجان في أن يتبنى حب الملوك، والحق الطبيعي للدلاح في أن يتبنى الرمان، والحرية الشخصية للتّين في أن يعتبر نفسه الأب الشرعي للزيتون. وعندما طلبت مني الأستاذة أن أكون جديا قليلا، سألتها ما الجدّي في أن يتزوج رجل شخصا مثله ويربيا طفلا أنجبه الآخرون بجهدهم وعرقهم؟ فالنقاش إما أن يكون منطقيا ومعقولا من البداية أو أن نحوّله إلى سيرك ونضحك قليلا. الشيء نفسه يجري اليوم حول الدارجة. أناس قرروا أن يتسلوا قليلا عبر خلق هذا النقاش، أي أن لديهم الكثير من الوقت الضائع ويريدون أن يضيعوا وقتنا أيضا، لذلك يجب أن نجعل منه موضوعا مستمرا للتسلية، كما يجب أن نشجعهم دائما حتى يستمروا في خلق مثل هذه القضايا المسلية والمضحكة. وعموما، فإننا لسنا أبدا ضد استعمال الدارجة في المراسلات والإعلام ووسائل الاتصال الرسمية، كل ما هنالك أننا لا نقبل، نحن سكان المناطق البعيدة، أن يفرض علينا الآخرون دارجتهم. فنحن في الشمال، مثلا، نستعمل دارجة مختلفة كثيرا عن باقي المناطق، والشيء نفسه بالنسبة إلى مناطق الشرق والجنوب والصحراء ومناطق أخرى. وشخصيا، لا أفهم العلاقة بين دارجة دكالة واللهجة الحسّانية بالصحراء، أو دارجة دوار في منطقة سطات ودارجة قرية في ضاحية شفشاون، لذلك يجب على كل من ينادي بالدارجة أن يضعنا في الاعتبار وألا يفرض علينا طريقته في الكلام، لأن هناك كلمات كثيرة في دارجة سكان الوسط نعتبرها مشينة، وقد يكون الشيء نفسه بالنسبة إليهم في كلمات نستعملها نحن، لذلك ينبغي خلق هيئة عليا جديدة للبحث في هذا الموضوع. كما أن هذه الجرائد والمجلات التي تتحدث الدارجة لا تعنينا في شيء لأنها تتحدث لهجة مختلفة، وإذا كانت تفرضها علينا بالقوة فهذا يعني أنهم «حكّارة»، أي أنهم يقولون لنا يجب أن تسمعونا وتقرؤونا وتفهمونا لأن دارجتنا أفضل من دارجتكم، وهذا احتقار لن نقبل به أبدا. كما نطالب بأن تتم دبلجة كل المسلسلات والمسرحيات التي يتم بثها بالدارجة، تماما كما يحدث في الأفلام والمسلسلات الهندية والمكسيكية والتركية، لأنه حتى وإن كنا نفهمها مجبرين، فإن كرامتنا لن تسمح لنا باعتبار دارجتنا أقل شأنا من دارجة الرباط والدار البيضاء. وعموما، يجب أن نتعامل مع أعضاء «حزب البطاطس» بكثير من الشفقة والعطف، وأن نسرع، في كل مرة تسخن فيها رؤوسهم بقضية معينة، إلى وضع فوط مليئة بقطع الثلج على جباههم، وننصحهم بالسباحة والغطس في الماء وأخذ قسط وافر من أشعة الشمس حتى تذهب عنهم الدّوخة. وفي الختام، لا بد أن نعتذر إلى البطاطس، هذه المادة الغذائية الغنية بكل أشكال الفيتامينات، ونقول لها إننا نتأسف غاية الأسف لأن تيارا معتوها يحمل اسمها.