الدعوة إلى استعمال الدارجة والكتابة بها ليس موضوعا حديثا بالمغرب حسب المهتمين، بل يعود إلى عهد الاستعمار، حيث عمل هذا الأخير على إعطاء الأولوية لها إلى جانب الأمازيغية، على حساب اللغة العربية في التعليم. وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد بلبشير الحسيني ، مؤسس شعبة الدراسات الإسلامية بالمغرب، إن الاستعمار الفرنسي لما كان يحاول إدخال اللغة الفرنسية كي تكون رسمية في الإدارة والتعليم، كان يدرس الدارجة، إلى جانب العربية واللغات البربرية كما كان يسميها، حيث برمج الدارجة كلغة ثانية في مرحلة البكالوريا. وأوضح، في تصريح لـالتجديد أن معهد الدراسات العليا، الذي تحول إلى كلية الآداب بالرباط، كان يمنح للخرجين شهادات بالدارجة إلى جانب اللغة العربية والفرنسية والأمازيغية. واعتبر أن الدعاية لـالدارجة مؤامرة ضد اللغة العربية التي هي لغة القرآن، وهي اللغة الرسمية للدولة. وأشار إلى أن هذه المحاولات لا تقتصر على المغرب لوحدة، بل توجد أيضا في دول أخرى، إذ كانت محاولات منذ الخمسينات في لبنان للقضاء على اللغة العربية، عبر السعي لكتابتها بالحروف الاتينية، هذه الحملة، يضيف الحسيني، كان يقودها بعض المستشرقين بمساعدة بعض اللبنانيين، غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل. وتحدث الحسيني عن فترة من تدريسه بالجامعة، حين كان طلبة اللغات الحية أشد إقبالا على المواد المدرسة باللغة العربية لجماليتها، بالقول لما كنت أدرس في الجامعة مادة الفكر الإسلامي للطلبة المتخصصين في اللغات الحية، كانوا يقبلون على المادة إقبالا لا نظير له، إذ إنه أثناء فترة الإضراب لا يستطيعون مقاطعة حصتي لأنني كنت أقارن جمالية اللغة العربية بالفرنسية. محاولات التمكين للدراجة على حساب اللغة العربية، ظهرت بشكل أكبر في بعض وسائل الإعلام، حيث عرف المغرب في السبعينات والثمانينات بعض العناوين، أشهرها أخبار السوق، التي كان يديرها الصحفي مصطفى العلوي، ووظف من خلالها الرسوم الكاريكاتيرية وتعليقات عليها بالدارجة. كما سعى بعض الأجانب الذين استقروا بالمغرب لذلك، مثل الفنانة الأمريكية إلينا برينتس التي استقرت منذ سنوات بطنجة، فأسست دارا للنشر أطلقت عليها اسم خبار بلادنا، وأسست جريدة تنطق بالدارجة توزع مجانا باسم الدار. ليأتي بعد هؤلاء من يكمل المسيرة، إذ ظهرت بعض العناوين، في السنتين الأخيرتين، تستعمل الدارجة كلغة رئيسية تخاطب بها المتلقي المغربي، خاصة مع تحرير القطاع السمعي البصري، مبررين استخدامها، بأن الذي يفرضه هو الرغبة في التواصل والقرب من المواطن المغربي. وقد سبق للساني عبد المجيد جحفة أن قال في إحدى تصريحاته الإعلامية في الموضوع: وسائل إعلامنا تتكلم العديد من اللغات. يتم هذا في إطار من الفوضى العارمة، وسوء الفهم والخلط والسطحية. وقد تفاقمت هذه المشكلة بعد تحرير القطاع السمعي البصري، والذي يمكن أن نسميه، فيما يخص الجانب اللغوي تحديدا، تسييب القطاع. والمثير أن المدافعين عن الدارجة يدافعون عنها بالفرنسية وليس بالعربية، وفي هذا يقول جحفة : هناك أناس يدافعون عن العربية المغربية بالفرنسيةّ! لتحل محل العربية وليس محل الفرنسية؛ يدافعون عنها لتقوم بوظائف العربية. والواقع أن الدارجة لا يمكن أن تقوم بوظائف العربية، نظرا لأن العربية مكتوبة والدارجة شفوية، وليس لها تمثيل كتابي. وهذا التمثيل الكتابي (أو الكتابة، وهي قواعد ولغة أيضا) هو الذي من شأنه أن يمكنها من لعب وظائف اللغات المكتوبة في الإنتاج الثقافي عموما.