ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    ربط كهربائي ومعبر جديد.. المغرب وموريتانيا يرسّخان جسور الوحدة والنماء    افتتاح قاعة رياضية خاصة بأسرة الأمن الوطني    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    استياء بين طلبة معهد الإحصاء من تعطل معدات الوقاية من الحرائق واحتجاج على صمت الإدارة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رئيس مجلس النواب يشارك في اجتماع مكتب الجمعية البرلمانية للفرنكوفونية بفيتنام    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إساءة أي أمازيغي إلى الإسلام تعتبر تدنيسا للأمازيغية
نشر في هسبريس يوم 13 - 10 - 2009

مما لا ريب فيه أن المواطن المغربي عامة، والأمازيغي خاصة، أضحى اليوم أمام معادلة واقعية متعددة العناصر والمكونات، مما يجعلها في نظر البعض إشكالية ومعقدة، في حين أنها، في حقيقة الأمر، هينة وبسيطة، وأن هذا الإشكال أو ذلك التعقيد، ما هو إلا وليد الجانب النظري والنخبوي، وقلما نصادف أثره على أرض الواقع. ""
وتتألف هذه المعادلة من مختلف العناصر، التي يوحد بينها إما التعايش أو التصارع، إما التناغم أو التنافر، ويتحدد أهمها بخصوص الإنسان الأمازيغي في: الإسلام، الأمازيغية، المخزن، العروبة، إضافة إلى مكونات أخرى لا يسمح المجال بذكرها كلها.
وقصد استيعاب كاف لهذه المعادلة الواقعية، يقتضي منا السياق تبيان كل عنصر أو مكون على حدة؛
• فالإسلام كما هو معلوم دين مختلف شعوب شمال أفريقيا، التي غالبيتها العظمى من جذور أمازيغية.
• والعروبة هي سمة مجموعة بشرية انحدرت من مناطق عربية، لتستقر في مختلف بقاع شمال أفريقيا، فهي تحيل على الأصل العربي، وعلى اللغة العربية، غير أنها في السياق المغربي ينبغي أن لا ترتبط العروبة بالتيار القومي العربي، الذي يبني عروبته على أنقاض الشعوب الأخرى، فهو بذلك يخالف تعاليم القرآن الكريم، الذي وإن كان بلسان عربي مبين، فهو للعالمين جمعاء على اختلاف ألسنتهم، لا يفرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
• أما المخزن، فالمقصود به في الاستعمال العامي المغربي الدولة والسلطة والنظام، وما ضارع ذلك من المترادفات.
• في حين أن مصطلح (الأمازيغية) يتخذ طابعا شموليا، إذ يشير معناه إلى منظومة عامة ومستقلة، تحيل على كل مكون أو سلوك أو معطى صادر عن الإنسان الأمازيغي في بعده التاريخي والواقعي، حيث تنضوي تحت الأمازيغية مختلف الموضوعات والسلوكات والأفكار والمعطيات... وفي شتى تشكلاتها وصيروراتها وتجلياتها الثقافية واللغوية والتراثية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية والتاريخية والطبيعية وغير ذلك.
غير أن هذا التحديد المبين لأهم العناصر المشكلة لواقع الإنسان الأمازيغي، لا يكفي لفهم تلك الوضعية فهما أشمل وأعمق، لأن المهم ليس تحديد ماذا تعنيه تلك المكونات فقط، وإنما كيف تؤثر في الواقع، سلبا أو إيجابا، وكيف تتضافر لتشكيل قسماته، وبعبارة أوضح، كيف يتأتى استيعاب ماهية العلاقة القائمة بين تلك العناصر.
في الحقيقة، إن العلاقة بين هذه الأطراف البارزة في الواقع المغربي، تتحدد من خلال الخلفيات المتنوعة لمكونات المجتمع، التي إن كانت تمتاح من ينابيع دينية وثقافية واجتماعية متوحدة، غير أنها يشتتها ما هو أيديولوجي، مما يعيث توازن القوى واندماجها السليم في المجتمع، حقا أن الاختلاف أمر منشود، ليس من أجل الاختلاف في ذاته، وليس على حساب القيم الثابتة في تاريخنا وواقعنا، وإنما يكون منشودا عندما يوفر اليسر للأمة، ويخفف أعباء الحياة عن الإنسان، أما أن يجر هذا الاختلاف إلينا النكد والشقاق والشحناء والتطاحن، فالأولى أن يسد بابه، أو نحيد عن حماه.
إن الصراع أمر وجودي في الذات الإنسانية، لذلك فهو مستمر وسرمدي، لأنه المادة السحرية التي تمنح الحياة الحركة والتجدد، غير انه ينبغي أن نأخذ منه ما هو إيجابي يخدم قضايانا المصيرية، ونتخلى عما من شانه أن يهدمنا، ويبث في أرواحنا بذور الارتكاس والوهن.
إن الاختلاف الذي هو رحمة ومدعاة لليسر والليونة في القول والعمل، يكاد ينقلب لدينا إلى عكس ذلك، فيصبح نقمة ومدعاة للتشدد والانطواء وعدم قبول الغير، غير أن هذا السلوك الانقلابي عادة ما يسود لدى النخب الثقافية والسياسية، أما على صعيد الواقع اليومي، فنشهد تعايشا واضحا بين سائر مكونات المجتمع المغربي، سواء أكانت أمازيغية أم عربية، شمالية أم جنوبية، وقلما تسجل بعض حالات التجاوز والتمييز والكراهية.
لقد عقدت في كتابي (الإسلام والأمازيغية) فصلا مطولا، لدراسة مواقف النخبة الأمازيغية في علاقتها مع الإسلام، دراسة نقدية تحاول ما أمكن أن تنطبع بطابع الموضوعية، ولو النسبية. ويجدر بنا في هذا الصدد أن نذكر بأهم مواقف تلك النخبة السائدة في المشهد الثقافي والسياسي المغربي، وطبيعة الخطاب الذي تتبناه، لا سيما في نظرتها إلى الدين الإسلامي.
هناك ثلاثة أنواع من المواقف، أبدأ بالنوع الثاني الذي يتجلى من خلال تيارين، أولهما يتبنى الواقعية الأمازيغية، فهو من جهة أولى يحاول الالتصاق بواقع الإنسان الأمازيغي، ومن جهة ثانية يقوم بفضح سياسة المخزن الانتهاكية والاستبدادية والإقصائية، وثانيهما يرى ألا نهوض بالأمازيغية إلا من خلال البحث العلمي والأكاديمي، أما النوع الثالث، فقد اعتبرته الموقف البديل الذي يؤمن بالاعتدال ويسعى إلى تحقيق التوازن بين مختلف مكونات المجتمع المغربي.
أعود الآن إلى النوع الأول من مواقف النخبة الأمازيغية، وهو موقف يتماهى مع خطابات الغير، بل ويتبناها بشكل حرفي وإسقاطي، وهو بذلك يدنس الأمازيغية بوعي منه، وعن إصرار تام. وهذا النوع هو الذي يهمنا أكثر في سياق هذه الورقة. وتتوزعه تيارات ثلاثة؛
1. أولها ذو طابع تغريبي يبدو من خلال تماهيه مع بعض الخطابات الغربية، التي تحشر دوما أنفها في أغلب قضايا الأمة الإسلامية الحساسة والمصيرية، ويأتي على رأسها الخطاب الفرانكفوني.
2. وثانيها ذو طابع نفعي/براغماتي، يتماهى أصحابه مع الخطاب الرسمي، فهو يتلبس بلبوسه، ويتبدل بتبدل توجهات الدولة السياسية والأيديولوجية، وغالبا ما يسود هذا الموقف لدى بعض الأحزاب السياسية التي تتخذ القضية الأمازيغية مطية لجذب أصوات أكبر عدد ممكن من المواطنين الأمازيغ.
3. وثالث تلك التيارات يتماهي مع الخطاب القومي العروبي، معتبرا الأمازيغية لغة وثقافة أقلية ينبغي دمجها في المغرب العربي الممتد من المحيط إلى النيل! فهي تقصي بذلك أهم مكون مؤسس للحضارة المغربية، التي هي أساسا حضارة أمازيغية، وما المكون العروبي إلا رافد من الروافد الدخيلة عليها.
إلى حد الآن لم أوضح ما الداعي لكتابة هذه الورقة؟ وبأي مناسبة؟ وماهية الخطاب الذي أريد أن أوصله من خلالها؟
في واقع الأمر، يتحدد أهم دافع إلى الإدلاء بهذه الورقة في الهجمة الأخيرة التي تعرض إليها الإسلام في عقر داره، وفي قلعته الحصينة التي انطلقت منها الجيوش الأمازيغية لفتح الجزيرة الأيبيرية، وتحرير مختلف الشعوب الأفريقية الممتدة على حدود المغرب الكبير، وهذه الهجمة، كما لا يخفى عن أي متتبع للشأن الريفي المحلي، تمت أثناء الملتقى الأمازيغي الثاني، الذي نظم بمدينة الناظور في 26 و27 سبتمبر 2009، من قبل جمعية أوسان الأمازيغية وجمعية تيفاوين بهولندا. وقد نقلت بعض وسائل الإعلام الورقي والرقمي، كأنباء الريف وأريفينو وغيرهما، أن ناشطين أمازيغيين اعتبروا "وجود نصوص قرآنية في جل الكتب الدراسية كالتلاوة والتاريخ وحتى مواضيع الإنشاء ب "الخطير جدا"، يهدم الذاكرة الجماعية للأمازيغ".
وباعتباري مواطنا ومثقفا أمازيغيا مغربيا مسلما، أرى أنني وأقراني معنيين أكثر من غيرهم بهذا الكلام، لذلك فإن الرد عليه؛ تفسيرا ثم استنكارا، ليس فرض كفاية، وإنما فرض عين!
وقبل الشروع في هذا الرد، أود الإشارة بدءا إلى أمر مهم، مؤداه أن نقدي هذا ليس موجها إلى شخص بعينه، ولا إلى جمعية بعينها، وإنما إلى ذلك التيار الأمازيغي التغريبي المدنس للدين الإسلامي كله، بلا استثناء ولا تمييز! ولا أخشى في الله لومة لائم، فالإسلام، حسب اعتقادي، فوق كل الاعتبارات، فهو أولوية الأولويات، كما علمنا تاريخ أجدادنا الأمازيغ؛ كطارق بن زياد، ويوسف بن تاشفين، والمهدي بن تومرت، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي، وغيرهم كثير.
قبل سنتين التقيت في مدينة الرباط بالناشط الأمازيغي الأستاذ أحمد الدغرني، وكان بصحبتنا الأستاذ الحسن أيد بلقاسم، جلسنا في إحدى المقاهي القريبة من مبنى البرلمان المغربي، نتجاذب أطراف الحديث عن مختلف القضايا الأمازيغية، وقد وجدتها فرصة سانحة لأن أسأل الأستاذ الدغرني عن التصريح الشديد المسيء للإسلام، الذي كان قد أدلى به لوسائل الإعلام، وفحواه أن الإسلام بالمغرب سوف يصير إلى ما صارت إليه كل من اليهودية والمسحية، أي أنه كما دخل المغرب سوف يخرج منه! فقال لي بأن إحدى الجرائد المحسوبة على تيار إسلامي، أولت هذا الكلام، ونشرته في صيغة مخالفة لما صرح به هو، بمعنى أن مقصود منطوقه، لم يكن ما روجت له وسائل الإعلام! ومهما قال، ومهما ادعى، فيظل هذا الكلام محسوبا عليه، فهو يحمل إساءة صريحة للإسلام والمسلمين في المغرب. وعوض أن ألوم الأستاذ الدغرني مباشرة في تلك الجلسة عما قاله حول الإسلام، اخترت أن أنتقد ليس خطابه الفكري النضالي، فهو ينطوي على أفكار كثيرة تستحق التثمين، وإنما الخطاب الأيديولوجي المتشدد، الذي استحال وانقلب إليه ذلك النضال الفكري، الذي تاريخيا كان يناطح السلطة، ويفضح انتهاكاتها لحقوق الأمازيغ، والآن صار يناطح الإسلام، الذي نفسه يفضح انتهاكات المخزن لحقوق الأمازيغ.
إن من بين خاصيات الناشط السياسي الحزبي، أن يتمتع بسلوك سوي يرضي مختلف شرائح المجتمع، التي يسعى إلى تمثيلها والنيابة عنها محليا أو جهويا أو وطنيا، أما أن يتخلق هذا الناشط بسلوك عدائي للجميع، فيتهم هذا لأنه عروبي، ويبغض هذا لأنه إسلامي، ويحط من قيمة هذا لأنه أمازيغي سلبي، ويجابه هذا لأنه مخزني، فالأحسن له أن يبتعد عن السياسة، ويبحث له عن حرفة أخرى، كصحافة المعارضة مثلا، لأنه بذلك التوجه الأيديولوجي المتطرف، سوف لن يلتفت إليه إلا من يشبهونه نظرة وسلوكا، وهم قلة قليلة في المجتمع الأمازيغي، الذي يراهن دوما على الشخصية السمحة والمعتدلة. هكذا حدثت الأستاذ الدغرني، وهو يصغي إلى كلامي باكتراث تام، والأستاذ أيد بلقاسم يحثني على المتابعة أكثر. وقد حاولت أثناء حديثي هذا أن أثبت لمخاطبي، أن الإسلام يعتبر مكونا ثابتا في الذات الأمازيغية، وأن أجدادنا اختاروا هذا الدين عن طواعية، لذلك فإن الأمازيغ قديما وحديثا يعتبرون أشد الناس تمسكا بالإسلام، وأن أية إساءة لدينهم لن يقبلوها، بل وأنها إذا صدرت من إنسان أمازيغي، تكون أشد مضاضة عليهم، "وظلم ذوي القربى اشد مضاضة /// على المرء من وقع الحسام المهند" كما يقول الشاعر.
هكذا فقد كان مرادي من حديثي مع الأستاذ الدغرني؛ أنه إذا كان يريد أن يمضي قدما بحزبه الأمازيغي الديمقراطي، فينبغي أن يكون أمازيغيا قحا كما كان أجداده، لا كما تدعو إلى ذلك الفرانكفونية الاستعمارية، ثم إن مفتاح نجاحه السياسي، أن يكون ديمقراطيا حقيقيا، فيحترم مقدسات الشعب الأمازيغي، التي يأتي الإسلام على رأسها، وبعدئذ له أن يخدم القضية الأمازيغية ثقافيا ولغويا وتنمويا، وله أن يجابه مؤسسة المخزن، ويفضح تجاوزاتها، فكل ذلك لا يتعارض مع النضال الفكري الحقيقي، بل هو كنه ذلك النضال.
لقد سردت قصة لقائي مع الأستاذ أحمد الدغرني، ليس من باب استرعاء النظر، أو تضخيم الأنا، وإنما لأن سياق الهجمة الأخيرة على الإسلام من قبل بعض ذويه الأمازيغ، لا يختلف كثيرا عن السياق القديم الذي كان فيه الدغرني بطل الهجوم! بل وأن تلك الثلة من المثقفين الأمازيغ حاولت إعادة ترديد ذلك المعنى القديم، في صياغة مغايرة، فالقاسم المشترك بينها وبين الدغرني، هو أن الإسلام يشكل عبئا على الأمازيغية والأمازيغيين! وقد وصلت الوقاحة بأولئك إلى حد التنقيص من كلام الله سبحانه وتعالى، واعتبار القرآن الكريم الذي هو رحمة وشفاء وخير للناس، خطرا على الذاكرة الجماعية للأمازيغ.
وأحاول الرد على هذا الزعم الخبيث من خلال التوضيحات الآتية:
• يرى أولئك المثقفون أن وجود نصوص قرآنية في المقررات الدراسية، يشكل خطرا كبيرا، فهي تساهم في هدم الذاكرة الجماعية للأمازيغ، يمكن الرد على هذا الادعاء من خلال حقيقتين مريرتين؛ أولاهما بأي لغة مكتوبة تلك المقررات والكتب، أليس باللغة العربية؟! فالخطوة العلمية الأولى التي ينبغي أن يقطعها هؤلاء هي الدعوة إلى تمزيغ تلك المقررات، وجعلها مكتوبة باللغة الأمازيغية، لذلك فهم يهربون من هذه الحقيقة المرة، باحثين عن مشجب يعلقون عليه خيبات آمالهم وإحباطاتهم، وغالبا ما يكون ذلك المشجب هو: الإسلام! أما الحقيقة الثانية المريرة، فإن مثل هذا السلوك يعبر عن فشل ذريع لدى هذه الشرذمة من المثقفين، التي عوض ما تنظر بشكل علمي وموضوعي لمختلف القضايا والفنون والمعارف الأمازيغية، فإنها تظل رهينة النظرة الأيديولوجية الضيقة، تحاول دوما خلق عدو خرافي تواجهه، وهي لا تختلف في ذلك عن مصارع الطواحن الهوائية، دون كيشوت دي لامانتشا، بطل الروائي الإسباني ميخيل دى سيرفانتس سافيدرا!
• ثم إن الشعوب الأمازيغية كما تثبت مختلف المصادر التاريخية، ظلت قبل مجيء الإسلام تعيش إما في تطاحن دموي فيما بينها، وإما تحت نير مختلف الاستعمارات الأجنبية، باستثناء بعض المراحل التاريخية القليلة التي حكمت فيها بعض السلالات الأمازيغية، وعندما جاء الإسلام، تمكن من بث بذور الاستقرار في هذه الأرجاء، بل وجعل الأمازيغ أسياد زمانهم، يرهبون الأمم المجاورة التي ظلت تاريخيا تطاردهم عبر السواحل إلى الجبال والصحاري، لذلك فإن الدين الإسلامي أدى دورا رياديا في صيانة الذاكرة الجماعية للأمازيغ، لا في هدمها كما يزعم بعض المثقفين المحسوبين على أسيادهم الغربيين، ثم إن النصوص القرآنية التي يقدحون فيها، هي التي ارتقت بالشخصية الأمازيغية إلى أعلى منازل الكرم والشهامة والبطولة والنخوة والإحسان.
• كما أن فشل إرساء نموذج أمازيغي موحد، أو بطء تحقيق ذلك النموذج، لا يرتبط بهيمنة ما هو إسلامي، أو بسيطرة اللغة العربية على المجال التداولي الأمازيغي، وإنما يتعلق بعجز أو تعاجز لدى بعض النخب الثقافية والسياسية الأمازيغية، التي لم تفلح بعد نضال استغرق أكثر من ثلاثة عقود في إقناع المخزن باعتماد اللغة رسميا، في الدستور والتعليم والإعلام والقضاء... وغير ذلك، بل وإن انفتاح الدولة المغربية المفاجئ على المكون الأمازيغي، لم يكن خضوعا تاما لمطالب الحركة الأمازيغية، وإنما جاء استباقا للأحداث، إذ عندما استشعر النظام أهمية الورقة الأمازيغية في المشهد السياسي المغربي المعاصر، سارع إلى قطع الطريق على الحركة الأمازيغية، فاحتوى أغلب نشطائها، ودجن العديد من مثقفيها ومناضليها، الذين أضحوا مجرد موظفين لدى الدولة المغربية! هكذا فإن المرحلة الأخيرة من تاريخ القضية الأمازيغية، وهي ما زالت طرية، تثبت ليس فشل المشروع الأمازيغي في حد ذاته، وإنما فشل ذلك المشروع الذي تريد أن تنفرد به ثلة من المثقفين الأمازيغيين، كما أن الأمازيغية ملكا لها وحدها، أما المثقفون الحقيقيون فلا نسمع عنهم شيئا، فهم يخدمون الأمازيغية في خفاء تام.
• على هذا الأساس، فإن تقهقر الأمازيغية في الواقع المغربي لا يرجع إلى هيمنة الديني، والدليل على ذلك هو أن ثمة نماذج إسلامية ناجحة، استطاعت أن تحافظ على لغاتها الأصلية، بل وتنميها في بوتقة الثقافة الإسلامية، كما هو الحال بالنسبة للنماذج؛ التركي والإيراني والإندونيسي والماليزي وغيرها، فلم نسمع يوما هؤلاء يقولون بأن النصوص القرآنية تهدم ذاكرتهم الجماعية! ثم إن هذا ينطبق كذلك على الحضور القوي للغة العربية، في الواقع اليومي والثقافي الأمازيغي، وهو حضور اختارته الغالبية العامة من الأمازيغ عن طواعية، والدليل القاطع على ذلك، هو كم عدد المثقفين الأمازيغ الذين يفضلون الكتابة باللغة العربية أو الفرنسية، بالمقارنة مع الذين يميلون إلى الكتابة باللغة الأمازيغية، وعلى ذكر اللغة الفرنسية، لماذا لم نسمع يوما أحدا من هؤلاء المثقفين يعترف بأن اللغة الفرنسية دمرت ذاكرة وتاريخ الشعب الجزائر، الذي رغم أنه قد مر حوالي نصف قرن على الاستعمار الفرنسي الغاشم، فما زال يعاني من خلفياتها ونتائجها الوخيمة.
خلاصة القول، بعد هذه المحاولة التقريبية لجانب من معادلة الواقع الأمازيغي الحالي، في ضوء الهجمة الأخيرة لمثقفين أمازيغ على الإسلام، يتأكد أن هذه الشرذمة من المثقفين تندرج في خانة التيار التغريبي الذي ظل يتماهى مع الخطاب الغربي الفرانكفوني التقليدي، والآن ها هو يتماهى مع الخطاب الغربي الهولندي، ممثلا في مثقفين ريفيين أمازيغ يستقرون على التراب الهولندي، شغلهم الشاغل ليس خدمة اللغة والثقافة الأمازيغية، بل تنقيبهم المستميت عن مصادر الدعم والتمويل من قبل الدولة الهولندية، بدعوى القيام بأنشطة ثقافية تخدم اندماج المهاجرين في الثقافة الهولندية، وغالبا ما تكون تلك الأنشطة عبارة عن سهرات غنائية يعمها الرقص والضجيج، فما هو نصيب الأمازيغية من ذلك كله، هل سمعنا عن دراسات علمية تهم اللغة والتاريخ والثقافة الأمازيغية، قامت بها جمعيات أمازيغية أو مغربية، التي يضاهي عددها في هولندا الألف جمعية! إذا ما تم استثناء الباحثين والمثقفين الأمازيغ المشتغلين في أروقة بعض الجامعات الهولندية المعروفة، لذلك فإن نصيب الأمازيغية من ذلك كله هو التدنيس ليس غير!
*باحث مغربي مقيم بهولندا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.