«السيدة الفلسطينية التي هزت عرش إسرائيل» هي حنين زعبي، العضوة العربية في الكنيست الإسرائيلي، والتي ألهبت وأشعلت وأثارت الكنيست والجمهور الإسرائيلي بسبب مشاركتها في رحلة «أسطول الحرية»، فأصبحت الشغل الشاغل لإسرائيل. وقد تعرضت حنين، في الآونة الأخيرة، إلى حملة تحريض إسرائيلية لم يسبق لها مثيل، حتى إنها وصفت ب»الخائنة» كما أوصت الكنيست بتجريدها من الامتيازات النيابية وفي حال تم ذلك سيتم تقديمها للمحاكمة. «المساء» توجهت إلى النائبة زعبي وأجرت معها هذا الحوار: - ما هو تعقيبك على حملة التحريض الموجهة ضدك بسبب مشاركتك في أسطول الحرية واتهامك بالخيانة؟ نرد عليها بتكرار نفس المواقف والإصرار على نفس مبادئنا وقناعاتنا السياسية، نحن لا نستطيع تغيير هذه القناعات حسب رغبة الإسرائيليين، بل على العكس نعرف أن الغضب الإسرائيلي هو إشارة على أننا نسير في الطريق الصحيح، إذ لا يعقل أن نتحدى المشروع الصهيوني وتبقى إسرائيل راضية عنا ومتحمسة لنشاطنا السياسي، نحن نعرف أن هذا النشاط يتناقض مع مجمل مشروع الدولة اليهودية الذي يخطط لمحاربتنا على أرضنا ووجودنا وقمعنا، الذي ليس إلا الوجه الآخر لسياسات الاحتلال والحصار الذي تمارسه إسرائيل على شعبنا في باقي الوطن. وفيما يخص الأسطول، أنا مستعدة للمشاركة مرة أخرى في أول دعوة توجه إلي، وفيما يتعلق بحزب التجمع الديمقراطي فهذه الملاحقات ليست بالجديدة علينا، وقد سبق أن لاحقت السلطات الإسرائيلية الدكتور عزمي بشارة، مؤسس الحزب، ووجهت له تهمة الخيانة وتهمة تمرير معلومات لحزب الله، وهو ما أنكره، ومع ذلك نحن لم نتراجع عن مواقفنا ولا عن برنامجنا السياسي، ونحن نعتبر أنفسنا جزءا من الشعب الفلسطيني ونضاله، وإن كنا نعي سياقنا السياسي الخاص بنا الذي هو سياق داخل المواطنة الإسرائيلية، لكن لا نقبل المواطنة بالتعريف الصهيوني. نحن نعرف المواطنة بشكل لا يتناقض مع هويتنا وانتمائنا، ونمارس هذه المواطنة بشكل لا يتعارض مع هذه الهوية والانتماء، وإنما أيضا بشكل يتعارض ويتحدى الصهيونية كمشروع وبرنامج سياسي عنصري. - لقد اتخذت لجنة الكنيست توصية ضدك بتجريدك من امتيازاتك النيابية؟ هذه حيلة الذي أفلس سياسيا، وفشل في بناء شخصية جديدة للفلسطيني داخل إسرائيل، شخصية سمتها إسرائيل العربي الإسرائيلي الذي هو ليس عربي الانتماء والهوية مائة بالمائة، وإنما يمكن أن يكون عربي اللغة والطعام والفولكلور، وعندما رأت إسرائيل أنها فشلت في تشويه وقمع نضالنا السياسي، رأت أن تحاربنا بعدة طرق، أولا عن طريق الترهيب والتخويف السياسي، وثانيا تغيير قوانين اللعبة السياسية، بحيث تمحي حتى هامش الديمقراطية الإسرائيلية، ونحن لم نقل أبدا إن إسرائيل ديمقراطية، بل كنا دائما نتحدث عن هامش من الديمقراطية، بالتالي تحاول إسرائيل الآن أن تمحو هامش الديمقراطية هذا، ثالثا الملاحقات السياسية من خلال محاولات إسرائيلية لإخراج التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أنتمي إليه، ومنعه من الفوز في الانتخابات، كما يجري الحديث الآن في أروقة الكنيست، ومحاولة تجريمنا أو إدخال بعد جنائي على نشاطنا السياسي، ويبدأ ذلك بسحب حقوق برلمانية منا، مرورا بسحب الحصانة ثم المحاكمة وانتهاء بسحب الجنسية، وهذا المسار ليس سهلا على إسرائيل لأنها تحتاج إلى مستندات قانونية تثبت أنني قمت بمخالفة القانون، وبالطبع إسرائيل لن تجد هذه التبريرات، لأن الذي انتهك القانون هو إسرائيل، وهي التي ارتكبت عملية قرصنة وقتلت وارتكبت جرائم حرب، وأنا بدوري، وكذلك التجمع، نرد الاتهامات التي وجهتها إسرائيل لنا بكونها اتهامات عنصرية وفاشية، ونوجه اتهامات لدولة إسرائيل نفسها بكونها مرتكبة لجرائم حرب، وأن أسطول الحرية هو الجريمة الصغرى، أما الجريمة الكبرى فهي الحصار والاحتلال، وهذا ليس ما نقوله نحن أو ما أشار إليه الأسطول، فهناك تقارير» أمنستي» و»غولدستون» تدل على أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، والآن، العالم والصوت الحر يقف ضد سياسات إسرائيل الإجرامية. - هل صحيح أن إسرائيل خططت لاغتيال الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، أثناء عملية اقتحام أسطول الحرية؟ في الحقيقة، أنا لا أدري وليس لدي أي سيناريو واضح حول هذه القضية، لأنني كنت طوال الوقت مع الشيخ رائد صلاح، ولم أكن جزءا من تطورات الأمور، ولم نعلم عن هذه القصة إلا عندما نزلنا من السفينة، لكنني لا أشك في ذلك، فكل السياسات الإسرائيلية هي عمليا،منذ الانتفاضة الثانية وبشكل شرس أكثر منذ الحرب على لبنان، هي سياسات تصفية لقيادات سياسية وطنية وأنا لا أستبعد التصفيات الجسدية، وهي مسلسل من الملاحقات للصوت الوطني ولكل ما تعرفه إسرائيل كتهديد استراتيجي، إسرائيل تعرف التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية كتهديد استراتيجي لها. - ما هو ردك على الادعاء الإسرائيلي بوجود عناصر «إرهابية» كانت على متن أسطول الحرية؟ إسرائيل نفسها تراجعت عن هذا الادعاء، ولو كانت هناك عناصر «إرهابية» لما أطلقت سراحهم، كما أن إسرائيل تحدثت عن وجود أفراد للقاعدة ومرتزقة، ولم تستطع أن تثبت ذلك، حتى إنها تحدثت شفهيا، وأنا راجعت البيانات المكتوبة للجيش الإسرائيلي ولم يكن فيها حديث عن ذلك، وإنما فقط بالحديث الشفهي غير الملزم، إسرائيل تحدثت أيضا عن وجود أسلحة في السفينة ثم تراجعت، وحينما احتجزت السفينة واختطفتها وبعد عملية القرصنة، سكتت إسرائيل عن وجود أسلحة لأنها لم تجد أسلحة في هذه السفن، لذا، فإن إسرائيل لا تتورع عن استعمال الأكاذيب وتلفيق التهم، ومن يرتكب الجرائم ويضع مليونا ونصف المليون إنسان في سجن كبير، ويمنع عنهم الغذاء والدواء والمياه النظيفة، ومن يجعل 80% من السكان تحت خط الفقر وتحت الاحتلال، من السهل عليه جدا ألا يتورع عن الأكاذيب. - كيف تقيمين حملة التضامن الشعبي والدولي معك؟ هذا التضامن معي ومع قضية الحصار هو تضامن مع قضية عادلة وإجماع فلسطيني عربي وعالمي، قضية الشعب الفلسطيني، الحقيقة هذا التضامن والتعاطف نريد له أن يتحول إلى زخم سياسي وليس فقط إلى عاطفة تهب وتخبو بشكل عفوي وتلقائي مع مرور الوقت، نحن نريد فعلا سياسيا لأن النضال السياسي هو المهم في النهاية، وهو الانتصار البسيط المتواضع مقارنة بحجم المأساة الفلسطينية، وغير المتواضع مقارنة بالجهود المتواضعة للمتضامنين السياسيين، وهذا النشاط هو نشاط سياسي لم يعبر فقط عن عاطفة وإنما عن إرادة ووضوح هدف، وعبر عن تصميم لكسر الحصار عن غزة، وعبر أيضا عن فعل وسلوك سياسي عيني، أنا أريد لكل هذا التضامن أن يتحول إلى سلوك سياسي عيني، سواء على المستوى الشعبي أو حتى المستوى الرسمي وأن يحرج الحراك الشعبي والسلوك السياسي الشعبي الأنظمة، فكان يمكن لإسرائيل أن تضع الفلسطينيين في حصار، لكن لا يمكن أن يستمر الحصار لأربع سنوات دون تواطؤ أنظمة أو هيئات دولية و كذلك الأممالمتحدة، والحقيقة أن القافلة أول ما نجحت فيه هو كسر مؤامرة الصمت، إسرائيل لا تستطيع أن تستمر في الاحتلال إذا لم يصمت العالم، الحقيقة أن العالم صامت على الاحتلال والجرائم والحصار، وقد استطاعت قافلة متواضعة أن تكشف الإفلاس السياسي للأنظمة العربية برمتها، وهذا الفعل السياسي الحقيقي ل 600 متضامن كشف عجز الأنظمة العربية الرسمية، بالتالي أنا أريد لهذا التضامن الصادق الوطني معي أن يكون مع غزة، فأنا أفضل أن أستعمل هذا التضامن مع غزة لكي يتحول إلى سلوك سياسي. أما بالنسبة للتضامن معي، فأنا أمثل الجزء الآخر من القضية الفلسطينية المنسية والمسكوت عنها، وهو ما يتعلق بفلسطينيي الداخل الذين يعيشون داخل إسرائيل، فهم يمثلون 18 % من السكان أي 1.2 مليون فلسطيني،تم تجاهلهم من قبل العالم العربي وبقوا طوال 60 عاما خلف الذاكرة العربية وخلف الوعي العربي، بالتالي هذا الأسطول لم يكسر فقط الحصار على غزة وإنما كسر أيضا الحصار علينا كفلسطينيين داخل إسرائيل، لقد استطاعت غزة المحاصرة أن تحررنا وتكسر الحصار عنا. لقد استطاعت غزة المعزولة عن بقية شعبها أن توحد القضية الفلسطينية، وأسطول الحرية وحد القضية الفلسطينية كقضية شعب تحاول إسرائيل محاربة وجوده، سواء كان ذلك في الأراضي المحتلة عام 48 أو الضفة الغربيةالمحتلة وقطاع غزة عام 67. - كيف تقيمين المشاركة العربية في أسطول الحرية وخاصة المتضامنين من المغرب؟ المشاركة العربية مثلت الإرادة العربية، سواء كانت وفد المغرب أو الجزائر أو اليمن أو الكويت أو الأردن أو مصر أو لبنان أو سوريا، كما مثلت الإرادة الشعبية للعالم العربي وجسدت أن القضية الفلسطينية قضية عربية، وبالتالي كنت دائما أقارن بين المشاركة العربية ومشاركة تركيا، وكان واضحا لنا جميعا أن زخم المشاركة التركية هو فقط بفضل وجود حكومة تدعم هذا الحراك الشعبي وأن هناك حقيقة ورغبة شعبية في العالم العربي تتعدى كثيرا الوفود التي شاركت عمليا في قافلة الحرية، نحن نريد لهذه المشاركة أن تكون كبيرة، فالوفد الأردني كان يتحدث في القافلة عن التحضيرات لأسطول عربي كبير من المحيط إلى الخليج، أنا أعتقد أن هذا الصوت العربي أعطى معنويات للشعب الفلسطيني وأثبت مرة أخرى أن القضية الفلسطينية قضية عربية وأن كل ما ينقصنا الآن هو الحلقة الضائعة والضعيفة، وهو أن يتحول هذا الحراك الشعبي إلى إحراج للأنظمة العربية كي تتحرك هي الأخرى، فهي مسؤولة عما يحدث لشعبنا الفلسطيني.