الساعة تكاد تشير إلى الثانية عشرة ليلا، دقائق معدودة ويغلق باب الحي الجامعي. تتوجه سلمى (اسم مستعار) نحو باب الحي بخطى مسرعة نحو باب الحي بخطى مسرعة رغم ارتدائها كعبا عاليا. تخرج هاتفها النقال وتجيب بصوت دافئ يردد صداه صمت ليلة مقمرة «جوج دقايق ونمون عندك غير قطع»، تصل سلمى إلى باب الحي، يقفل هذا الأخير، وتركب هي سيارة سوداء لتنطلق مع رفيقها لهذه الليلة. سلمى الطالبة بكلية الحقوق، واحدة من بين حوالي 2000 طالبة قصدن الحي الجامعي السويسي الثاني، الواقع بمدينة العرفان بالرباط، لإتمام دراستهن الجامعية، وواحدة كذلك من بين طالبات اخترن قبل الحصول على شهادتهن، ولوج المهنة الأقدم في العالم، وأصبحن داعرات. همزة الليلة سيارت من ماركات مختلفة تجوب ببطء شارع علال الفاسي ذهابا وإيابا. موسيقى صاخبة كلمات غزل تتقاذف من النوافذ... هو منظر يتكرر كلما حل المساء بمدينة العرفان بالرباط، «خارجة نديباني» و»خارجة ندبر على راسي»... هي مصطلحات وحدها سلمى ومن سلكن دربها يفهمن معانيها. ففي كل مساء تخرج الواحدة منهن للبحث عن رفيق الليلة أو «همزة الليلة» كما هو متعارف عليه بينهن. لا يهمها إن كان يبلغ من العمر الأربعين أو حتى الستين سنة، إن كان أصلع سمينا أو قبيح السحنة مادامت ستحصل معه على وجبة عشاء في أحد المطاعم الفاخرة مثل «بول»، بحي أكدال، وقدرا من المال يؤهلها للتبضع من «مانغو»، «إيطام» و»زارا»... للظهور في أبهى حلة له أو لغيره ممن يتلذذون بتغيير الحضن كل ليلة. «الشارف معاه العشرة»، تقول سهام، طالبة بكلية الآداب، مضيفة «الشباب... الزلطة ويدير فيها عايق»، خروج سهام إلى الطروطوار (ناصية الطريق) أكسبها خبرة في مجال الشخصية، إلى جانب وسيلة للحصول على المال، وهواتف من الجيل الثالث، وملابس لماركات عالمية... هؤلاء الطالبات هن شابات اخترن أن يتاجرن بأجسادهن مقابل الحصول على المال أو لحظة هوى عابرة، إلا أن منهن من وجدت نفسها داخل الميدان من دون نية مسبقة. «كان أبي يبعث لي قدرا من المال وكان علي أن أتدبر به حالي»، تقول مريم (اسم مستعار) طالبة بشعبة علم النفس، لتضيف: « كثيرة هي الأشياء التي لم يكن بمقدوري الحصول عليها، ببساطة كان هذا هو السبب الذي دفعني لولوج ميدان الدعارة». مريم اليوم تؤكد أن مشاكلها المادية انتهت، «بل والأروع» أنها لم تعد في حاجة إلى والدها. كثيرات غير مريم دفعتهن الظروف المادية لاحتراف هذه المهنة. حنان، وافدة جديدة، تؤكد أنه كان عليها أن تعيش على المنحة الدراسية التي لم تكن تكفيها حتى «الشراء المراجع الدراسية، ناهيك عن الملابس وغير ذلك». بشرى،21 ربيعا، غير مستعدة لتضييع جزء من حياتها مع شاب يبني قصورا من الرمال. سيكون مصيره-على حد قولها- تلقي اللكمات أمام البرلمان، في حين أن هناك عشرات الرجال ينتظرونها على ناصية الطريق بإمكانهم توفير كلما تحتاج إليه. صافي عيينا بالفقر والحب مابقاش...ولات حاجة سميتها الفلوس»، تقول بشرى بنبرة تخالطها كراهية ناقمة على ماض فات. مريم، حنان، وكثيرات غيرهن من بنات حواء اضطرتهن الظروف المادية لولوج ميدان الدعارة فتوحدن في السلوك والتفكير، وصار الهدف «الأسمى الحصول على المال. بل ومنهن من أصبحت تساعد أسرتها ماديا كما توضح حنان التي تفتخر بأنها لا تتوانى عن شراء كل ما تحتاجه أختها التي تصغرها بسنتين. غير أن الحاجة المادية ليست وحدها سببا ليصبحن داعرات، فهناك من يعتبرنها وسيلة لإشباع لذة جنسية والتمتع ب»عشرانياتهن»، «الليلة كدوز واعرة، النشاط، الماكلة، والفلوس من الفوق» تقول سارة (اسم مستعار) طالبة في كلية العلوم بعد إصدارها لقهقة مدوية، لتضيف: «عندنا غير هذه المرحلة شوية تلقاي راسك ولليتي لداركم تسناي الزواج» لا شك أن سلمى تقصد بالمرحلة، مرحلة الشباب بلذتها ومغامراتها... وهي ذريعة تتخذها الكثيرات لتبرير الليالي الحمراء التي يقضينها رفقة شرائح مختلفة من الذكور يغدقون عليهن أموالا مقابل لحظات هوى ساخنة. زهرة شابة من الريف، تنحدر من عائلة متدينة، كانت ترتدي الحجاب وتصلي الفجر، قدمت إلى الحي الجامعي فوجدت جوا مغايرا للذي ترعرعت فيه ، شابات يدعين التحرر الجنسي، الاستقلال المادي، التشبه بالنمط الغربي .شاء القدر أن تكون رفيقتيها بالغرفة من بنات ليل الرباط. ورويدا رويدا، انصاعت زهرة لرفيقاتها بعد إغراءات متتالية. زهرة اليوم لا تربطها صلة بزهرة التي قدمت من الريف: ماكياج مثير، تسريحة جديدة، وملابس لم يعهدها جسدها من قبل؟ زهرة تعلن اليوم: «ما صعيب غير البدو». الطعم الذي دخلت به زهرة مجال الدعارة كثيرات غيرها استلذذنه. وبالمقابل، كثيرات قاومنه، مثل سمية التي تحكي بمرارة عن رفيقتيها البيضاويتين اللتين تدخلان كل يوم على السابعة صباحا تتمايلان على بعضهما، فتخاطب إحداهما سمية بصوت عال، وهي ترمي عليها أوراقا مالية قد تتجاوز 2000 درهم «شوفي لالياتك آي كيجيبو، وأنت حاضية غير الحرف والنعاس». نادية، الطالبة بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، لطالما اشتكت إلحاح رفيقتها بالغرفة على الخروج معها لإحدى العلب الليلية. وما جو العلبة الليلية برقصه وسكره ومجونه إلا بداية لقصة قد تكون نهايتها بين أحضان رجل كل يوم. ليل المومسات الثامنة مساء، وقت بدء الاستعدادات، تتحول غرف هؤلاء الشابات إلى صالونات للتجميل. تتناوب الأيادي على مصفف الشعر، وأحمر الشفاه، ومساحيق التجميل، ملابس تكوى وأخرى تنزع لأنها لا تناسب إحداهن... كل هذا في جو تصاحبه عادة موسيقى شعبية أو خليجية صاخبة. قهقهات كأنها لراقصات شارع محمد علي في الأفلام المصرية، وحديث لا يخلو من عبارات نابية يظل المال والرجل فيه سيدا الموقف. تنتهي الاستعدادات، وتكون النتيجة شابات يلفتن الأنظار بماكياج مبالغ فيه، وجسم كاس عار يظهر منه أكثر مما يختفي، وكعوب عالية كأنها لعارضات أزياء. تختلف طرق اللقاء «بهمزة الليلة». فهناك من تخرج إلى سيارة تنتظرها أمام باب الحي الجامعي وتكون على موعد مسبق مع صاحبها، تركب إلى جانبه لتنطلق برفقته إلى حيث سيمضيان الليلة. وهناك من تخرج إلى سيارة أجرة تنقلها إلى إحدى العلب الليلية أو مقاهي الشيشة، حيث يتم اللقاء بعد قضاء ليلة من الرقص بمن ستروقه. كما تلجأ بعض الطالبات إلى الوسيطات عبر شبكات الدعارة واللواتي يتكلفن عناء البحث وتنظيم اللقاء بين هؤلاء الطالبات ومن يرغبون في قضاء الليالي الحمراء. بعض الطالبات يكتفين بالوقوف على قارعة الطريق سواء بالعرفان أو أكدال لينتظرن دعوة من راكب إحدى السيارات التي تجوب الشارع بحثا عن «صيد»، أو يدعونه هن إلى ذلك. «هاهو رقم هاتفي إلا بغيتي شي حاجة أنا موجودة» يستحضر أشرف شاب بالمدرسة الخاصة العليا للتجارة، ما قالته له إحدى الطالبات بالعرفان ذات ليلة وهو يتجول بسيارته. «الليلة هي مع «البانغوان» تفصح سعاد (اسم مستعار) التي لم تذهب إلى قاعة الدرس منذ عشرة أيام، وهي تقصد هنا بعض السياح الخليجيين. تحكي سعاد القادمة من مدينة الجديدة عن كبتهم وغرائزهم الحيوانية، وعن غناهم، وكذلك عن أرضية الفيلا التي يسهرون فيها والتي تكون مفروشة بالدولار الذي تلتقطه العاهرات بأجسادهن المبتلة بالعرق، وهن يتمددن على الأرض رقصا على إيقاعات خليجية. «تقدري طلعي منهم حتى 5000 درهم فليلة وحدة»، تقول سعاد بجشع في عينيها يذكر بجشع شخصية «السيد غراندي» في إحدى روايات بالزاك. كل حاجة بثمنها تظل أحياء السويسي، وهرهورة والرياض... الوجهات المفضلة لهؤلاء، حيث توجد فيلات وشقق خاصة للدعارة يتم تأجيرها عبر وسطاء. وتختلف طرق المعاشرة من شابة لأخرى وحسب الاتفاق بين من تكتفي بالرقص، وبين من تستجيب لكل الطلبات. و»كل حاجة بثمنها» بصيغة المشتغلين بالميدان. باب الحي الجامعي يغلق على الساعة الثانية عشرة ليلا حفاظا على أمن الطالبات. غير أن من بنات الليل من يغادرن الحي بعد إغلاق الباب أو يدخلنه بعد منتصف الليل. كيف ذلك؟ «20 درهما كافية لإيقاظ الحارس من نومه لفتح الباب للقادمة أو المغادرة»، هذا ما يتداول بين العديد من الطالبات. ناهيك عن أن وجوههن أصبحت مألوفة لدرجة أن الباب قد يفتح لهن «تدويرة». يخرجن بعد منتصف الليل ليعدن على الساعة السابعة صباحا بوجه صباحي لا يمت بصلة لبريقه في الليلة الماضية، عينان منتفختان يجافيهما النوم، وجه شاحب، وحقيبة يد بها مبلغ مالي لعلها حصلت عليه قبل ساعة، مبلغ يتراوح بين 200 و5000 درهم، ناهيك عن الهواتف النقالة من الجيل الثالث وملابس لماركات عالمية، والعديد من المستلزمات الأخرى... تنام الشابة لتستيقظ على الثامنة ليلا، تحضيرات جديدة، أموال جديدة... سيناريو يتكرر كما تتكرر شكاوى واحتقارات مجموعة أخرى من الطالبات القاطنات بالحي واللواتي تشوه شرذمة سمعتهن. «حوتة وحدة تخنز الشواري» تقول مريم الطالبة بكلية الطب، مؤكدة أن «الأحياء الجامعية بالمغرب تحولت إلى سوق للرقيق الأبيض، والأخطر من ذلك أنه لم يعد هناك تمييز بين بنت السوق وبنت دارهم». لتظل غرف الحي الجامعي وحدها شاهدة على من أتتها لقضاء الليالي البيضاء طلبا في العلم، ومن لجأت إليها لتجد وكرا تنام فيه نهارا بعد قضاء ليلة حمراء.