“ما إن تخلصت من محنة حب ابن خالتي حتى ابتليت بمحنة أشد وأدهى من الأولى، كان جماله وقوته ورجولته السبب في أن أسقط في شراكه” هكذا تحدثت مارية بفصاحة اللسان عن سبب علاقتها بوائل، دون أن ترفض الإشارة إلى برنامج علاقتها التي اعتبرتها بريئة وليس هدفها السرير “نخرج ونلتقي يوميا في الثانوية...أحس أنني مستقرة عاطفيا”. كثيرة علاقات الشباب الجنسية في المدرسة والجامعة وداخل الحي ووسط العائلة. تختلف الأهداف ورؤى الشباب حول القضية، منهم من اختار التعفف كما سماه أحد الطلبة ومنهم من استهزئ بمن يأبى اختيار خليلة ونعته “بالمعقد والمؤمن والمسلم” وآخرون لم يجدوا عيبا في أن يشككوا في رجولته، وكثيرون جعلوا “المصاحبة” شيئا مقدسا لا يمكن الاستغناء عنه في كل الأحوال تماما كمن اعتبر التفوق الدراسي أسمى الأهداف في مخططهم فلم يعيروا اهتماما بربط علاقات عابرة كما يقولون. أنواع العلاقات بين الجنسين: من وجهة نظر الباحث بوحدة الاجتهاد والتطورات الحديثة بجامعة محمد الخامس والمحاضر في ميدان التربية الجنسية الأستاذ أبو القاسم العميري، فإن العلاقة بين الجنسين في الأصل لا يمكن أن تكون إلا علاقتين: شرعية وهي الزواج، وغير شرعية كالتي تحصل في العالم كله وتختلف بحسب العرف والدين. أما محمد الرسمي الطالب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال فقد أشار أن تقسيم العلاقات يعود بالأصل إلى طبيعة كل شاب، ذلك أن الأخير يحدد هدفه من وراء ربطه علاقة، فإما أن يكون البحث عن اللذة والتسلية أو يكون مقدمة للزواج أو علاقة زمالة؛ لأن كثيرا من الشباب يرتاح في دراسته إن تعامل مع الجنس الآخر. كما تحدث عن كون مثل هذه العلاقات تبقى غير شرعية من المنظور الديني. وهو الأمر الذي رفضه بشدة نبيل المتوكل المعروف والمتميز بلباسه عن غيره مع جماعة من أصدقاءه، سروال فضفاض طويل وسلاسل على العنق وأخرى في اليدين حيث استفهم من مصطلح علاقات غير شرعية:” علاقات غير شرعية ماذا تعني؟ هل علاقات الشباب حرام؟ فالمراهق بطبيعته الفيزيولوجية يميل للجنس الآخر ” دون أن يجد حرجا في أن يصف الذين يمتنعون عن المصاحبة بالمعقدين تماما كما عبر عن ذلك ياسين الحاصل على البكالوريا السنة الماضية والذي يزاول مهنة التجارة مع والده ” الذي لا يتمتع بشبابه إما لديه مراهقة متأخرة أو إخواني لا يساير تقدم العصر وتحرر المجتمع “. التأصيل وتبرير العلاقة : يبقى لكل شاب وشابة جوابه عندما يسأل عن جدوى أو قانونية وشرعية علاقته مع الجنس الآخر، فمنهم من يعتبرها قانونية إن علم أن مآلها سيكون الارتباط مدى الحياة كالطالب الرسمي ” ديننا دين سلس والزواج لا يتم دون علاقة تعارف طبعا، مع التأكيد على عدم تعدي وتجاوز بعض الخطوط الحمراء ” وآخرون لا يجدون مشكلا كيفما كان من أجل المصاحبة، فالمتوكل نفى أن تكون العلاقات الغرامية كما سماها وليدة التقدم ” بل منذ أول الخلق كان كل جنس يبحث عن الجنس الآخر، وخير دليل آدم وحواء”. والبعض يختار مبرر الفقر لتبرير إقدامه على ربط علاقة، فكثيرات دفعتهن الظروف المادية، شيماء تؤكد أن ظروفها الاجتماعية القاسية جعلتها تبحث عن “بوكوص ” تعيش معه ساعات حلوة تنسى فيها مشاكلها، ولا عيب أن ” تصاحب ” هكذا تقول بدليل أن التاريخ يؤكد أنه لا عيش دون حبيب، فامرأة العزيز لم تستطع أن تقاوم حبها بيوسف عليه السلام، وتخلص في الأخير ” ما نقدرش نعيش بلا ما نشوف حبيبي “. أما من الجانب الديني فقد اعتبر الأستاذ بن شنوف، مفتش التعليم الثانوي لمادة التربية الإسلامية أن الشاب الذي يميل للشابة والعكس كذلك، إذا كان لهم إيمان وثبات وخشية من الله تعالى ستكون عفة وعلاقة قائمة على الاحترام المتبادل مشيرا لنموذج يوسف عليه السلام الذي استحضر العفة فقال ” معاذ ربي “. لكن السؤال الذي يظل مطروحا بحدة، هل الحب من يؤدي للمصاحبة؟ أم المصاحبة أصبحت واقعا لا مفر منه حتى دون توفر شرط الحب؟ الصراع على الهمزة: الساعة السادسة مساء وقت خروج التلاميذ من إعدادية العباس بناني بسيدي بوجيدة بفاس، تبدو الحركة غير عادية في الشارع المحاذي، شباب كثر من مختلف الأعمار يصطفون أمام باب المؤسسة بأهداف مختلفة، هناك من ينتظر صديقته ومنهم من يبحث عن صيد أو طرف كما سماه أحدهم وآخرون ينتظرون بناتهم وأخواتهم بعد أن تأكدوا أن الذئاب تصطاد في المكان يوميا. أحمد الذي سبق أن تعرضت أخته ذي الرابعة عشرة ربيعا لمحاولة اغتصاب عندما مسكها “شمكار” بالقوة وأراد اقتيادها أمام الملأ لمنطقة عين بوفاوز خلف الإعدادية الخالية من المارة لولا تدخل ولاد حومتها كما يقول، بات يتناوب مع أمه وأخيه الصغير في لقاء أخته عند خروجها. يبدو الظلام حالكا فالإنارة منعدمة بالباب إلا من أشعة ضوء السيارات المارة و ” مول سلوان با احمد ” الذي يشعل بوطة بالفتيلة في طبلته التي يبيع عليها. يرن الجرس فيندفع التلاميذ وتتعال صرخات بعضهم وضحكات آخرين، تخرج كنزة التي تدرس في مستوى الثالثة إعدادي، تلتفت يمينا ويسارا بحثا عن صديقها فلا تجد له أثرا، يتقدم شاب إليها ويبدأ مغازلتها بالزلالة ديال الشمكارة ” الزين كيدايرة وقفي نهدر معك” لم تلتفت إليه مستمرة في تحريك رأسها بحثا عن صاحبها قبل أن تتأكد أن حميد لم يأتي اليوم للقائها فتسرع من خطواتها، لكن الشاب يستمر في ملاحقتها إلى أن أمسك يدها بقوة محاولا إيقافها قائلا بصوت عال سمعه الكل حولهم ” مال مك، أ..... تتكبري علينا ” وفجأة يظهر حميد كأنه سقط من السماء فلكمه بقوة ورد عليه الشمكار فانتهى الشجار في الكوميسارية، حميد ” تخسر من وجهو”. وقع هذا الحادث يوما قبل نزولنا لإنجاز الروبورتاج سرده علينا السوسي مول الحانوت المقابل للمؤسسة. دفعنا الأمر أن نسأل با محمد مول سلوان – الذي يصنع قوت يومه في طبلته منذ أزيد من 11 سنة – عن أحوال التلاميذ والشباب الذين يصطفون ” باش يدبرو على همزة ” فقال ” أش هان نقولك أولدي، هاد المدرسة ولات بحال شي غابة والدراري سايبين ديما هنايا باش يدبرو على سنان الحليب، دابا البنات ولاو صغار بزاف في الإعدادية ماشي بحال زمان كانو تيديرو التلاميذ الإضراب باش ما يقراوش، الله يستر وصافي” سألناه أيضا عن حادث الأمس فقال ” كل نهار كاين الدباز، هاد الشي ولا عادي ولفناه، دابا حتى البنات شحال من مرة دابزو على الدراري، راني قلتلك بلي السيبة ولات ” وتوجد إعدادية العباس بناني في منطقة شعبية يكثر فيها بطالة الشباب وتزداد معها معدل الجريمة بالمنطقة. كما تختلف مواصفات الهمزة عند الذكور من شخص لآخر ” تكون زوينة وعامرة ولكن ماشي مورق”، “تكون فسرة ولسانها حلو تعرف تعيش الحب” هكذا تحدث بعض الذين استجوبناهم في الإعدادية، لكن أيوب يعتبر الهمزة الواعرة هي المنحدرة من أسرة غنية تقدر دبر على صاحبها. أما الإناث فكثيرات ممن سألناهم يعتبرن الهمزة هو ” الراجل والبكوص “. وفي ساحة 20 يناير الجامعية حيث يوجد الحي الجامعي ذكور وإناث، الساعة تشير للثامنة ليلا. تتوجه لمياء نحو باب الحي بخطى مسرعة للقاء حبيبها الذي تسمر ينتظرها، تلتقي به فيتصافحان بقوة كأنهما عاجزان عن التحية بطريقة العشاق احتراما للأعراف الطلابية وخوفا من الفصائل المؤطرة التي تقوم بخرجات ليلية تنتهي بالمحاكمات أحيانا. لمياء الطالبة بكلية العلوم دار المهراز واحدة ممن قصدن الحي الجامعي لإتمام دراستها، وواحدة ممن اخترنا ربط علاقة غرامية قبل الحصول على شهادة الإجازة. منذ السنة الماضية وهي على علاقة مع رضوان الذي يشاركها نفس المستوى في مسلك العلوم الفيزيائية تقول “اخترت أن أربط علاقة بعد تفكير طويل لأني لم أسبق أن ارتبطت في علاقة قبل، لكن كما تعلم فظروف العيش في الحي الجامعي الغامل، دعتني أن اتصاحب مع رضوان باش نفوج شويا ” لكنها نفت أن تكون في علاقتها أمور غير اللقاء أمام الملأ ” علاقتي مع صديقي ليست كالباقي، لا تهمني الحركات الشهوانية الجنسية التي تنتاب الكل، هناك حصانة تحميني من وساوس الشيطان والحمد لله “. وقد تحسر الطالب يحيى بكلية العلوم لواقع شباب اليوم مؤكدا أننا نعيش في واقع مزيف نتيجة سيطرة لوبي الميوعة على الإعلام وتشجيع السلطات لنموذج الشاب الذي تيهبط سروالو وتيدير الحلقة في أنفه وأذنه كالأبله المعتوه وغزو أفلام ماريسا ومهند بيوتنا، فالعفة لا وجود لها مع الأسف. الندم على الشرف: “أنا فتاة في العشرينات من عمري، كنت بمقاييس الجمال من الفاتنات اللاتي يتسببن في إدارة رؤوس الشباب أينما حلوا، تعرضت للمضايقات من الشباب منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري فربطت علاقات غرامية كثيرة كان آخرها مع أحمد زميلي في الثانوية، فكان أن أسقطني يوما أن اغتصبني رغم منعي ورجائي له، فاضطررت لزيارة مصحة نفسية ... ” تحكي السعدية وعيناها تدمعان من شدة التأثر، أصبحت تكره الشباب وترفض العلاقات بين الجنسين وتتمنى أن تستفيق الشابات من غفلتهم ويحفظن شرفهم لأنه الشيء الغالي والثمين في حياتهم.