لم يعد بعض الأبناء يجدون حرجا في اختيار شركاء لحياتهم دون إخطار ذويهم وعندما يفرجون عن السر يشكل ذلك صدمة تخلق فجوة في العلاقة الأسرية. ما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟ وكيف تتقبل الأسر تلك العلاقة الزوجية؟ ابني جاءني يحمل رضيعته بين يديه تسمرت في مكانها وهي تشاهد ابنها يحمل طفلة رضيعة بين ذراعيه، وقبل أن تشرع في طرح أسئلة استفسارية قذف في وجهها الجواب قائلا: «إنها طفلتي أي حفيدتك رأت النور منذ أقل من أربعة أسابيع وهذه زوجتي». تلك خلاصة قصة الحاجة زهرة مع ابنها وزواجه السري الذي لم تنجح السنوات العشر من عمر الزواج وإنجاب ثلاثة أطفال في تلطيف الأجواء بين الطرفين, تشرح أسبابه قائلة: «لم أتخيل أن ابني الذي أفرطت في تدليله سيقوم بطعني من الخلف باختيار شريكة لحياته وإنجابه دون أخذ رأيي، وثقتي الكبيرة فيه لم تترك ذرة شك في نفسي حول سبب غيابه بدون أعذار، وقد حاولت شقيقته الكبرى لفت نظري، إلا أنني كنت أنهرها بشدة وأذكرها بأنه «راجل يخرج وقت ما بغا ويدخل وقت ما بغا» وهي نظرية غير صائبة وقفت على حقيقتها حين جاءني يحمل بين ذراعيه ابنته وهي المفاجأة التي جعلتني أرقد في المستشفى، لكن أعذر ابني المسكين فقد كان ولا يزال تحت تأثير «سحور» تلك المرأة، وإلا كيف يرضى ابني الوسيم، الذي يشغل منصبا محترما أن يتزوج من امرأة لا تملك الجمال ولا الشباب فهي تكبره بحوالي 10 سنوات، لقد نجحت بطرق الشعوذة التي تسلكها في إلقاء شباكها على ولدي». تصف الحاجة زهرة علاقتها بزوجة ابنها بأنها باردة وخالية من أي عواطف ولا تتعدى الزيارات بينهما أيام الأعياد وبعض المناسبات الاجتماعية التي لا تتوانى فيها النسوة من العائلة عن استحضار قصة ابنها وقصة زواجه «الفضيحة» كما تصفه الحاجة زهرة. كنة من الدرجة الثانية بدورها عانت خديجة طويلا من قصة زواج ابنها الأصغر، الذي تم بطريقة سرية، لكنها في الأخير اضطرت إلى أن تستسلم لرغبته. تقول خديجة موضحة: « أفصح ابني عن رغبته في الزواج من فتاة تماثله سنا لا ينقصها الجمال ولا الثقافة لكنها كانت تحمل لقب مطلقة.. رفضت الموضوع جملة وتفصيلا، وكنت أرغي وأزبد وأثور كلما فاتحني في الموضوع وأصبحت عبارة « ها السخط ها الرضا» ملازمة للساني، اعتقدت أنه أذعن لقراري، لكن تصرفاته، فيما بعد، جعلت الريبة تتسرب إلى قلبي فقررت أن أرصد حركاته وأفتش في أوراقه الخاصة، حتى عثرت على عقد زواج يعود تاريخه إلى 7 أشهر، وعندما واجهته بالأمر لم ينكر وحملني مسؤولية قراره، وأكد لي أنه غير نادم بتاتا، وأنني سأصبح جدة بعد أشهر قليلة، وهو ما جعلني أقبل بقصة زواجه من تلك الفتاة على مضض». وحتى تحفظ ماء وجهها قامت خديجة بتنظيم حفل بسيط دعت إليه الجيران والأقارب، واعترفت أنها تمكنت بصعوبة بالغة من تجاوز تبعات زواج ابنها السري بعد مجيء حفيدها، لكنها تؤكد أن كنتها تحتل الدرجة الثانية مقارنة مع باقي زوجات الأبناء الأخريات. اكتشفت زواج ابنها بالصدفة فاطمة تمكنت من كشف زواج ابنها السري عن طريق أحد أصدقائه الذي لم يرقه أن يقع في شباك سيدة سيئة السمعة، لتشرع فاطمة في التخطيط لحرب طاحنة من أجل تخليص ابنها. تقول فاطمة: «عندما نقل إلي الخبر مادت الأرض تحت قدمي، لكنني تمكنت من تمالك نفسي، وقررت أن أنهي هذا الزواج بشكل سريع بكل الطرق، وبالفعل تمكنت من ذلك رغم أنه كلفني مبالغ مالية كبيرة». أخبرت عائلتها عبر ال SMS عاشت لمياء حياة عادية رفقة أسرتها الصغيرة حتى نالت شهادة الباكالوريا، فاختارت الدراسة بإحدى الدول الأوربية، وعندما أقلعت الطائرة شعرت أنها تخلصت من عبء السلطة الأبوية ورمت عبء التقاليد وراء ظهرها. بمرور السنوات بدأت علاقة لمياء بأسرتها تضعف شيئا فشيئا، وحتى إقامتها بين ظهرانيها خلال العطلة الصيفية لم تكن تتجاوز أسبوعين، متحججة بضرورة العودة لإيجاد عمل يساعدها في مصاريف الدراسة، وخلال السنة الدراسية الأخيرة قررت أن تتوج العلاقة التي جمعتها بأحد الأجانب على مقاعد الدراسة بالزواج، رغم علمها المسبق بأن عائلتها المحافظة سترفض بشكل قاطع هذه الزيجة، لكنها لم تكترث بهم، وبعد مرور أشهر على تلك المراسيم قررت أن تخبرهم عن زواجها عبر رسالة ال sms بعثت بها إلى هاتف شقيقها الأكبر. تزوجت سرا فقاطعتها عائلتها لعدة سنوات ولا تختلف قصة فدوى عن قصة لمياء إلا في تفاصيل صغيرة، فقد فرضت ظروف الشعبة التي اختارتها مغادرة مسقط رأسها بمدينة وجدة صوب مدينة الدارالبيضاء، وهو ما جعلها تشعر بنوع من الاستقلالية، وخلال مقامها الدراسي تعرفت على شاب لمست فيه مواصفات فارس أحلامها. وبعد انتهاء الدراسة لم ترجع فدوى إلى مدينتها بعد أن ظفرت بوظيفة بمدينة البيضاء، فقررت أن تتوج علاقتها بالزواج، لكن العقبة الوحيدة كانت عائلتها التي كانت ترفض الزواج من خارج العائلة، فقررت أن تضرب بقرارهم عرض الحائط، خاصة بعدما وجدت الطرف الآخر متمسكا بها كزوجة. وبعد أن أنهت مراسيم عقد القران، قامت بإخبار عائلتها الذين ثارت ثائرتهم وقاطعوها لعدة سنوات، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها ويتقبلون زواجها بعد أن وقفوا على استقرار زواج ابنتهم وسعادتها بين أسرتها الصغيرة التي توسعت بطفلين صغيرين. لا تتوانى عن تحقيري وتعترف نادية أنها تدفع ثمن رضوخها لرغبة زوجها بالزواج دون إخطار عائلته وتقول نادمة:«ارتكبت غلطة كبرى عندما قبلت الزواج دون حضور عائلة زوجي، لكنني قبلت على مضض بعد أن أخبرني أن عائلته ترفض أن أكون فردا منهم بشكل قاطع حتى يضعهم أمام الأمر الواقع وهو ما حصل لكنني خضت حروبا نفسية قاسية مع حماتي التي لم تكن تتوانى عن تحقيري، كلما سنحت لها الفرصة، بأنني لم ألج عائلتها ب«الشان والمرشان»». الظاهرة موجودة لكنها مازالت محدودة زواج الأولاد بشكل سري وبدون علم الأسرة ظاهرة تندرج في إطار التحولات القيمية التي باتت تعرفها العائلة المغربية والتي تتجه نحو الانتقال من أسر ممتدة إلى أسر نووية، وإلى بروز نوع من التدبير الفرداني للقرارات المرتبطة بالزواج. لهذا نلاحظ أن مجموعة من الأبناء أصبحوا لا يجدون حرجا في الزواج من أخريات بدون إعلام ذويهم، ولكن مع ذلك يمكن القول بأن الظاهرة مازالت محدودة. والظاهرة يمكن أن نفسرها كتعبير عن خلل ما في العلاقة التواصلية بين الآباء والأبناء لأنها لا تحضر إلا في لحظات تعارض المصالح والاختيارات مثلا كأن تكون الأم غير راضية عن زواج ابنها من سيدة تكبره سنا أو سبق لها الزواج، وهذا ما يؤكد محدودية هذه الظاهرة. وفي غالب الأحيان يكون مصير هذه الزيجات الفشل لأن الزوجين يعلنان منذ البدء دخولهما حربا مفتوحة ضد العائلة والدخول معهم في مشادات كلامية وفي حروب نفسية متواصلة، لأن في مثل هذه الحالات تعامل غالبا كزوجة من الدرجة الثانية لأنها لم يعقد قرانها على أساس «الصواب» الاجتماعي بل خلسة وبغير رضا الوالدين.