يستغل باتسونا الذي يعد الواجهة السياسية لمنظمة «إيتا» الانفصالية بعض المنظمات واجهة له يوظفها من أجل إعطاء دروس في حقوق الإنسان بينها، منظمة الأممالمتحدة التي تتهم الدولة الإسبانية بخرق حقوق الإنسان في الباسك وتجريم الأفكار السياسية والقمع بطريقة ممنهجة والتعذيب واغتيال انفصاليي الباسك. هناك اقتناع شامل بكون العمل الخارجي لتنظيم إيتا له تأثير هامشي ويتعلق ببعض القطاعات المحددة والذي يتعثر أمام المستجدات الطارئة في الآونة الأخيرة. دعم دولي لماذا يعتقد بعض قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي تزعمه نيلسون مانديلا بأن الدولة الاسبانية تريد القضاء على إقليم الباسك؟ كيف نفسر كون ممثلي حزب «ماس» الحاكم في بوليفيا يعقد ندوة صحافية مع مسؤولي منظمة التحرير الباسكية، وكذا شبكة النشطاء والدعاية الدولية لحزب باتسونا التي تحفز شخصيات للعمل لصالحها؟ بماذا نفسر كون بعض البرلمانيين الأوروبيين مثل ميكيل لوتريت ودير لينك الأماني، حزب الوزير السابق والقائد الاجتماعي الديمقراطي أوسكار لافونتين، تعمل كلها على الترويج لفكرة كون اسبانيا تقوم بعمليات تعذيب ممنهجة وملاحقة للأفكار الانفصالية؟ وكيف نفهم كون قضاة أرجنتينيين وبلجيكيين يرفضون تسليم نشطاء لتنظيم إيتا إلى إسبانيا بسبب عدم احترامها لبنود اتفاقية الوقاية من العنف التي وضعها المجلس الأوروبي؟ لكن تبقى هذه بعض الحالات المعزولة بحكم أن حكومة لويس رودريغيث ثباتيرو تقر بأن الدعم الدولي لمنظمة إيتا تراجع بشكل جذري، رغم أن ذلك لا يمنع من استمرار كون اسبانيا قطبا يجذب اهتمام الخبراء الدوليين في مجال حلحلة النزاعات المعروفة بصناعة الوساطات، خصوصا أن اسبانيا تبقى بلدا مفضلا بالنسبة إلى منسقي الأممالمتحدة الذين يراقبون احترام حقوق الإنسان. فأجهزة الأمن والحكومة وقضاة ونواب عامون إسبان يجدون أنفسهم جميعا مجبرين على إعطاء تفسيرات لا تفرض على فرنسا التي تعتقل أكبر عدد من نشطاء إيتا الباسكية. ويشير المنسق الأممي تيو فان بوفن، في تقاريره حول حقوق الإنسان، إلى الهشاشة التي تعرفها اسبانيا في مجال حقوق الإنسان والتي يخصص لها حوالي عشر مساحة تقاريره التي يكتبها أي ما بين 185 و225 فقرة، بينما يخصص 42 في المائة لروسيا و4 في المائة لفرنسا و3 في المائة للمغرب، وإذا كانت هذه المساحات المذكورة مخصصة للتعذيب الذي يتعرض له السجناء، فإن اسبانيا تبرز باعتبارها البلاد التي تسلط عليها الكثير من الأضواء في هذا المجال. هل هناك ما يجعلنا نشك بأن نشطاء إيتا يتعرضون فعلا لعمليات تعذيب ممنهجة؟ الكيل بمكيالين إن معاملة قوات الأمن الإسلاميين المعتقلين على هامش قانون مكافحة الإرهاب لا تثير أية احتجاجات، وهو ما يسري على المعاملة التي يلقاها المهاجرون السريون على يد الشرطة المحلية الاسبانية، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على المنحرفين، حيث إن العديد من الخبراء الإسبان اعتقدوا أنه في هذه الحالات بالذات تمارس غالبية الخروقات. ورغم الخلاصات المختلفة عن سابقه، فإن المنسق الخاص للأمم المتحدة مارتين شينين سافر إلى إسبانيا من أجل الاهتمام بوضعية نشطاء إيتا داخل السجون، إن إيتا هو التنظيم الذي يلقى اكبر دعم سياسي واجتماعي بشكل ظاهر وطعون وعددا كبيرا من المحامين الذين يناضلون من اجل القضية، فمنظمات عائلات سجناء إيتا ونسيج مناهضة التعذيب تغرق مكتب الأممالمتحدة بالشكايات وعرائض التنديد وكذلك عدة ملتقيات دولية مخصصة لمجال حقوق الإنسان، وهي الاحتجاجات التي يحولها نشطاء حزب باتسونا إلى ملتقيات ومؤتمرات صحافية يعرضون خلالها اشكال التعذيب الممارس على نشطاء إيتا وأحيانا تأتي هذه التقارير من بعض المؤسسات مثل البرلمان الباسكي ومنظمة العفو الدولية. لكن عندما يقوم تنظيم بعمليات اغتيال ممنهجة داخل نظام ديمقراطي، فإنه يجب العمل بفعالية من أجل فضح ممارسات خصمه وتقوية استراتيجيته الدعائية التي يحاول عبرها الظهور بمظهر منظمة للتحرير الوطني الباسكي، حتى لا تقدم باعتبارها منظمة سياسية إرهابية، وهو ما فهمته إيتا في بداية عام 2000 بعدما لاحظت خلال فترة الهدنة المعلنة عام 1998 أنها بالكاد استطاعت الحصول على دعم دولي، فمقارنتها مع تنظيم إيرا لم تكن موفقة، بحكم أن هذه المنظمة حصلت على دعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن في عيون المجتمع الدولي فإن «إيرا» كانت تختلف عن «إيتا». تطوير الفعالية ومن أجل كل ذلك بدأت إيتا تعمل بجد من أجل تدويل الصراع مع إسبانيا، إذ لوحظ أن حضورها من خلال نشطاء في المجتمع المدني ارتفع بشكل ملحوظ في الملتقيات الدولية، وكشفت التجربة والمتابعة خلال الأربع سنوات الماضية أن تنظيم إيتا- باتسونا له قدرة على تطوير فعاليته في مجال تدويل الصراع رغم بعض المحدودية التي ظهرت منذ البداية، وهو ما جعل بعض الوسطاء مثل مركز الحوار الإنساني والذي مثله هينري دونات ومحاميين من جنوب إفريقيا الذين وقع اختيارهم على براين كورين ورولف ميير من أجل القيام بدور الوساطة الأساسي في المفاوضات الأخيرة لإيتا مع الحكومة الإسبانية. وخلال هذه المدة أيضا تمكنوا من انتزاع دعم بعض النواب الايطاليين بعد إقناعهم بأطروحة تقرير المصير، خصوصا في صفوف حزب الخضر وحزب إعادة التأسيس الشيوعي وتشكيل فريق الأصدقاء في صفوف بعض النواب الأوروبيين الوطنييين أو اليساريين المناصرين لأطروحات تقرير المصير في إقليم الباسك والشروع في المفاوضات السياسية مع إيتا، وضمنها نجد شبكة جيرنيكا المشكلة أساسا من غالبية من النواب الفلامنيين والإيرلنديين والإيطاليين وتلقى دعم مستشاري مرشحي الوحدة الشعبية، ورغم بعض التشويش الذي أحدثه توقيف الهدنة بيد أن هذه اللوبيات ما زالت تعمل على نشر هذه الإيديولوجية. فتح أبواب العلاقات الدولية تلقت إسبانيا أول تحذير من تجديد إيتا لعلاقاتها الدولية عبر ربطها اتصالات مع الناشط الإرلندي الشمالي أليك ريد الذي يعد أكبر المشجعين على المفاوضات في السنوات الأخيرة، وبعدها بدأ تنظيم إيتا يمارس عدة أنشطة في ربط الاتصالات في جنوب افريقيا، بل إنه في عام 2002 تركت الأممالمتحدة مقرها في جنيف لنشطاء إيتا من أجل عقد ندوة صحافية التي حضرها زعيم التنظيم السابق جيسو تيرنيرا وحضر إلى جانبه في الندوة الصحافية أرلندو أوتيغي وخوسيبا ألباريث، وعلى إثر ذلك تقدمت الحكومة الإسبانية باحتجاج لدى الأمين العام الأممي الأسبق كوفي عنان الذي شرحت فيه أن باتسونا تمكن من التسرب إلى لجنة حماية وتشجيع نشر حقوق الإنسان. واكتشف أنه سنة قبل هذا الحادث تمكن أحد فروع باتسونا من توقيع اتفاقية مع الرابطة الدولية لحقوق الإنسان وتحرير الشعوب التي تعد هيئة استشارية لدى الأممالمتحدة، وبفضل هذا الاتفاق تمكن هؤلاء النشطاء من الوجود باعتبارهم أعضاءا في لجنة حماية حقوق الإنسان، مثلما نهجوا سياسة التضامن مع الشعوب الأخرى المضطهدة بطريق تبدو مثيرة وكان مجال تحركاتها المفضل في بوليفيا وفنزويلا والأوروغواي وكوبا والأرجنتين والمكسيك، بل إنها في الفترة الأخيرة وسعت اتصالاتها مع منظمات فلسطينية وصحراوية وعراقية وكردستانية، إذ إن موضة الكوفية لقيت نجاحا كبيرا في صفوف الشباب الباسكي الذين صار بعضهم يتحدث عن «الانتفاضة الباسكية» ومقاطعة المنتوجات الإسرائيلية. وإلى جانب محاولتها الوجود في الملتقيات الدولية التي تناقش القضايا الساخنة والبحث عن أشكال للتعاون من أجل محو تصنيفها ضمن المنظمات الإرهابية، فقد ضمنت وجود أذرع سياسية لها في الملتقى الاجتماعي العالمي، وأمام كل هذا تجد إسبانيا نفسها مجبرة على احترام أكثر لحقوق الإنسان ومواجهة العمل الخارجي لسفراء إيتا في مختلف مناطق العالم. بتصرف عن إييل باييس