بالتزامن مع تنظيم الدورة ال63 من المهرجان السينمائي «كان»، برز في الأفق ما عُرِف بظاهرة البيانات المناهِضة أو المسانِدة للأفلام والشخصيات في المهرجان في دورته الحالية. ولعل أبرز هذه البيانات ما تناقلته وكالات الأنباء الدولية على لسان العديد من المخرجين والممثلين والمنتجين العالميين، من بينهم المخرج الجزائري رشيد بوشارب، الذي أصر، يومَ الخميس الماضي، على توجيه رسالة -نُشِرت على موقع «إيلاف»- إلى الدورة الثالثة والستين من المهرجان جاء فيها: «منذ ثلاثة أسابيع، أُثيرَ جدل حول فيلمي «الخارجون عن القانون»، قبل أن يُعرَض في المهرجان، والغريب أن المشاركين في هذا الجدل لم يشاهدوا الفيلم أصلا»!.. ليستطرد قائلا: «وأمام هذه الشكوك، وحرصا مني على تهدئة الأجواء، وجدتُ أنه من الواجب توضيح أمرين»: الأمر الأول هو أن «الخارجون عن القانون» فيلم خيالي، يروي قصة ثلاثة إخوة جزائريين وأمهم، على امتداد 35 عاما، من منتصف سنوات الأربعينيات، حتى استقلالِ الجزائر في 1962».. ثم أضاف: «يجب أن يكون ممكنا أن تتطرق السينما إلى كل المواضيع، وهو ما أفعله كمخرج، دون أن أفرض على أحد مقاسمتي أحاسيسي. وبعد العرض، سيكون اهناك نقاش العام، ونظرا إلى ارتباطي الوثيق بحرية التعبير، فإنني أعتبر أنه من الطبيعي أن يعارض البعض فيلمي، لكنني أتمنى أن يتم التعبير عن تلك المعارضة في إطار هادئ»... وانتهى بوشارب إلى التعبير عن تشرفه بعرض فيلمه في «أرقى مهرجان سينمائي في العالم»، كما تمنى أن يتم العرض في إطار من الاحترام المتبادل. وتأتي هذه الرسالة في سياق موجة من الاستياء التي رافقت قرار اللجنة المنظِّمة لمهرجان «كان» إدراج الفيلم ضمن المنافسة الرسمية للمهرجان، منذ الإعلان عليه خلال الندوة الصحافية، في ال15 من ماي الجاري، وتكرست بالهجمة التي دعمتها الطبقة السياسية والثقافية المتطرفة في فرنسا، إلى درجة أنه حتى بلدية «كان» أعلنت عن استقبالها لبيانات تهديد بعرقلة العرض يوم 21 ماي الجاري. وفي سياق البيانات المتعلقة بالدورة ال63 من مهرجان «كان»، صدر بيان حُرِّر ضد المخرج الروسي ميخالكوف، الذي يشارك بفيلمه الجديد «الشمس الخادعة 2» في المسابقة الرسمية ل«كان»، وهو البيان الذي حرره بعض المخرجين والسينمائيين الروس وأرسلوه إلى إدارة مهرجان كان، في سياق المعركة التي يخوضها هؤلاء السينمائيون ضده في موسكو باعتباره –حسب تعبيرهم– أصبح من المتواطئين مع السلطة الحاكمة في الكرملين، وأنه يلعب الدور نفسه الذي كان يلعبه المخرج الستاليني بوندارتشوك، أيام سلطات الحزب الشيوعي. إذ اتهم الأخير بأنه كان عائقا أمام كل تطوير سينمائي، ولاسيما في عهد بريجنيف، مع الإشارة إلى أن البيان الذي أرسل إلى «كان» يهاجم ما أسماه تسلط ميخالكوف، مقدمين الأسباب التي دفعتهم إلى الاستقالة من اتحاد السينمائيين الذي يرأسه المخرج. وفي الإطار ذاته، أبدى المعتقل الشهير كارلوس، من محبسه في باريس، معارضتَه عرضَ فيلم سينمائي فرنسي، رأى فيها إساءة إلى سمعته وشخصه. وقبل هذا المستجَدّ، كان كارلوس، المسجون في فرنسا منذ عام 1994، بتهمة الإرهاب، قد رفع قضية عاجلة أراد منها وقف عرض الفيلم الذي قال إنه يسيء إليه، إلا أن القضاء الفرنسي المستعجَل قابَل الطلبَ بالرفض، وواصل كارلوس مجهوداته، بعدما لجأ إلى القضاء من جديد، بعدما رفض دعوى للمحكمة العليا في باريس، على أمل منع الفيلم من العرض . وذكرت مصادر صحافية أن «كارلوس اعترض على تضمُّن الفيلم بعضَ الجرائم التي اعترف كارلوس بالقيام بها، دون أن تصدر ضدَّه فيها أحكام بالإدانة، معتبرا أنه ما لم يُدِنه القضاء في هذه الجرائم، فلا يحق لأحد اتهامه بارتكابها بما فيها عملية أوبك. وأضافت المصادر الصحافية أن كارلوس اعترض على اتهام الفيلم الرئيسَ العراقي الراحل صدام حسين بتمويل عملية (أوبك)، مؤكدا أن صدام بريء من هذه التهمة، وأنه حصل على تمويل العملية من زعيم آخر. وفي رده، اعترض ريتشارد مالكا، محامى مخرج الفيلم على طلب كارلوس، معتبرا أن كارلوس «يريد حقوقا أكثر من حقوق ضحاياه، متهما في نفس الوقت كارلوس بانتهاك الحرية الفنية عندما يطالب بفرض رقابة على الفيلم الذي برع في تمثيله الممثل إدجار راميريز». وفي رأي المتتبعين لفعاليات الدورة الحالية للمهرجان السينمائي العالمي، تعد الرسالة التي بعث بها المخرج السينمائي الشهير عباس كيروستامي، الذي ترأس السنة الماضية لجنةَ تحكيم مهرجان مراكش، حدثا بارزا في الساحة السينمائية العالمية، وهي الرسالة التي نشرها عباس قبيل انطلاق الدورة ال63 من مهرجان «كان» السينمائي، في بعض الصحف الإيرانية، وهي رسالة مفتوحة للتضامن مع المخرج جعفر بناهي، المعتقَل حالياً في إيران. فقد ذكَّر كيروستامي -في هذا السياق- بالظروف والسياقات السياسية والفنية التي تحيط باشتغاله في إيران، وأشار إلى «أنه يحقق أعماله بموازنة ضئيلة، وإلى أن توجهه نحو الخارج لإنتاج أفلامه لم يكن إلا ضرورة جاءت رغماً عنه». كما قال إنه فقد الأمل في رؤية أفلامه معروضة في بلده». وتفاعلا مع هذه الرسالة، قرر أعضاء لجنة تحكيم مهرجان «كان»، في نسخته الحالية، الإبقاءَ على مقعد شاغر، بشكل رمزي، خاص بالمخرج الإيراني جعفر بناهي، الذي دعي إلى المشاركة في لجنة التحكيم. وامتدت ظاهرة المقاطعة والاعتراض لوكالات الأنباء العالمية، إذ اعترضت العديد منها على فكرة احتكار التغطية التلفزيونية للمهرجان من طرف «كنال+»، كما قاطع الدورة الثالثة والستين من مهرجان كان» وزير الثقافة الإيطالي (ساندرو بوندي)، الذي احتج على برمجة فيلم وثائقي إيطالي ينتقد تعامل رئيس الوزراء (سيلفيو برلسكوني) بخصوص كارثة الزلزال التي أودت بحياة كثيرين في العام الماضي، مع الإشارة إلى غياب العديد من النجوم والشخصيات السينمائية والإعلامية والثقافية، بسبب أزمة الملاحة التي سببها الرماد البركاني المتصاعد من إيسلندا.