من المفترض أن يلتقي الرئيس حسني مبارك رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يوم الاثنين في مقر إقامته المفضل في منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، لبحث كيفية تحريك عملية السلام، واستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. الرئيس مبارك رجل مريض، عائد لتوه من رحلة استشفاء في ألمانيا، أجرى خلالها عملية جراحية ما زالت هناك الكثير من التكهنات حول طبيعتها، ومع ذلك يصرّ الطرف الإسرائيلي على «ابتزاز» الرجل واستغلال «صداقته» بكل الطرق والوسائل، وحتى النقطة الأخيرة من عرقه ودمه. اللقاء سيتم في توقيت «ملغوم»، حيث تتصاعد التهديدات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، بغزو جديد للبنان، وحرب ساحقة ضد سورية لإعادتها إلى العصر الحجري، بسبب «تهريبها» صواريخ «سكود» إلى «حزب الله» اللبناني، وهي الصواريخ التي ستؤدي إلى تغيير موازين القوى العسكرية في المنطقة، حسب تصريحات السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، في المؤتمر الأمريكي اليهودي يوم الجمعة. نخشى أن يكون نتنياهو يريد استخدام اللقاء مع الرئيس المصري وفي مثل هذا التوقيت كغطاء للحرب المقبلة، من خلال الإيحاء بأن مصر تقف مع إسرائيل في الخندق نفسه، وتؤيد أي هجوم تشنه على سورية ولبنان، تماما مثلما فعلت السيدة تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة التي زارت منتجع شرم الشيخ والتقت الرئيس مبارك عشية العدوان على قطاع غزة. نتنياهو معزول، بل «منبوذ» بسبب سياسته الاستفزازية، وإصراره على تخريب عملية السلام، وتحدى العالم بأسره بالاستمرار في تهويد القدسالمحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومن المؤسف أنه يلجأ دائما إلى مصر، والرئيس مبارك بالذات، لكسر عزلته، ويجد البساط الأحمر مفروشا له في كل مرة تطأ قدمه أرض الكنانة. لا نفهم هذا الغرام بنتنياهو الذي لم يتوقف مطلقا، وحكومته، عن توجيه الصفعات لمصر وشعبها وللأمتين العربية والإسلامية من خلالهما، فقد كذب على الرئيس مبارك شخصيا عندما وعده بدعم السيد فاروق حسني وزير الثقافة الحالي أثناء خوضه انتخابات رئاسة اليونسكو، ولم يف بالوعد على الإطلاق، وسقط السيد حسني بسبب الحملات التي شنتها شخصيات يهودية بارزة في فرنسا والعالم، تعتبر مقربة جدا من إسرائيل. والأخطر من كل ذلك أن مؤامرة خنق مصر وتعطيش شعبها، وتدمير اقتصادها، وتحريض دول منابع النيل لتقليص حصتها المائية، تتم بدعم من حكومة نتنياهو التي أرسلت وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان في جولة إفريقية لتقديم صفقات أسلحة وخبرات هندسية في بناء السدود، ووفداً من رجال الأعمال وممثلي البنوك لتقديم عروض مالية وقروض مغرية لتمويل اي مشاريع لتحويل مياه النيل. الرئيس مبارك يفرش السجاد الأحمر لنتنياهو بينما يماطل في استقبال الرئيس السوري بشار الأسد الذي أعرب عن رغبته بعيادته، مثلما تقتضي الأصول والأعراف، بل والأخلاق العربية والإسلامية، ونعتقد أنه ليس من اللائق أن يعود نتنياهو زعيم أكبر دولة عربية وإسلامية، قبل أن يعوده، مثلا، العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حليف مصر الأوثق الذي من المفترض وحسب الأعراف أيضا، أن يكون أول الزائرين. من المؤسف أن النظام المصري يتعرض لإهانات متواصلة من قبل إسرائيل، ويبتلع هذه الإهانات لأن هناك مجموعة في قمة الحكم لا تقيم أي اعتبار لكرامة مصر أو مكانتها، وكل ما يهمها هو مصالحها الضيقة التي يجب أن تتقدم على مصالح ثمانين مليون مصري، تعيش الغالبية منهم تحت خط الفقر، وتواجه في المستقبل القريب خطر الموت عطشا. إن زيارة نتنياهو لشرم الشيخ تؤكد، مرة أخرى، أن النظام الحاكم في مصر دخل في تحالف استراتيجي مع إسرائيل، مهما فعلت ضد العرب، بل ومصر نفسها. الأيام الأخيرة شهدت مجموعة من الأحداث والتصرفات التي تؤكد ما نقوله آنفا، نوجزها في النقاط التالية: أولا: إقدام قوات الأمن المصرية على استخدام «غاز سام» لقتل أربعة شبان فلسطينيين في نفق على الحدود مع مصر، وتدمير النفق فوق رؤوسهم، في خطوة وحشية لا تستخدم حتى مع الحيوانات. وهذا التصرف غير مستبعد إذا وضعنا في اعتبارنا قتل رجال الشرطة المصريين، وبصفة يومية، أفارقة متسللين إلى إسرائيل عبر الحدود في سيناء من أجل حماية الدولة العبرية وأمنها، حتى لو جاءت هذه الخدمة على حساب علاقات مصر مع دول افريقية. ثانيا: بعث الرئيس المصري رسالة تهنئة إلى نظيره الإسرائيلي بمناسبة قيام دولته على ارض فلسطين وعلى حساب تشريد شعبها، وهي الدولة التي قتلت آلاف المصريين، ودمرت مدن القناة أثناء حرب الاستنزاف، واحتلت سيناء، واعتدت على لبنان وغزة، وما زالت تحتل أراضي عربية. ثالثا: إقدام إسرائيل على إجبار السيد أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر، على الاعتذار وتوضيح تصريحات أدلى بها في لبنان، أثناء زيارته الأخيرة، ووصف فيها إسرائيل ب«العدو»، والتهديد بخطوة انتقامية إذا لم يفعل، وقد فعل الرجل ما هو مطلوب منه وأكثر وبسرعة قياسية. رابعا: إصدار أحكام جائرة على ما سميت بخلية «حزب الله» من قبل محكمة أمن الدولة طوارئ، تراوحت بين السجن المؤبد والحبس لعدة أشهر، ووفق أدلة مفبركة، بل ومضحكة، وتحت ذريعة انتهاك سيادة مصر. نشعر بمرارة ممزوجة بالألم لهذا الوضع المؤسف الذي تنحدر إليه مصر العزيزة علينا، مثلما هي عزيزة على مئات الملايين من المسلمين في شتى أنحاء المعمورة. فماذا يمكن أن يخسر الرئيس مبارك لو امتنع ولو مرة واحدة عن إرسال برقية تهنئة إلى الرئيس الإسرائيلي في يوم اغتصاب فلسطين، وماذا ستستفيد مصر من تفجير نفق فوق رؤوس العاملين فيه الذين يريدون إيصال الطعام والمواد الضرورية إلى أهلهم المحاصرين في قفص غزة؟ ثم لماذا يسارع السيد أبو الغيط لكي يوضح ويبرر عبارة وردت على لسانه، وتأكيد صداقة بلاده لدولة مارقة منبوذة تهدد بالعدوان على بلدين عربيين وقتل الملايين من أبنائهما، تحت ذريعة كاذبة عنوانها تهريب صواريخ إلى حزب الله؟ إن هذا الحزب الحاكم الذي يضم رؤوس مافيا الفساد ونوابا يطالبون بإطلاق الرصاص على المتظاهرين المطالبين بالتغيير من أبناء الشعب المصري، لن يتورع مطلقا عن استخدام الغاز السام لقتل أبناء غزة المحاصرين. كنا نتمنى لو أن رئيس مصر هو الذي انتصر لسورية ولبنان في وجه عمليات الإرهاب الإسرائيلية الأمريكية، وليس نائب الرئيس الإيراني الذي هدد بقطع رجل كل من يعتدي عليهما. ولكن، ونقولها بحسرة، ما نتمناه شيء وما يحدث في مصر ومن حكامها، على وجه الخصوص، شيء آخر مختلف تماما.