انطلقت، صباح أول أمس السبت، بمراكش، أشغال الدورة الثانيةل"مؤتمر السياسة الدولية"، التي تنعقد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، ويشارك فيها حوالي 120 شخصية مرموقة من عالم السياسة، وأصحاب القرار، ومسؤولو منظمات دولية، ورؤساء مقاولات كبرى، وخبراء وباحثون. وتميزت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر برسالة وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين، تلاها محمد معتصم، مستشار صاحب الجلالة. ودعا جلالة الملك في هذه الرسالة إلى "كونية جديدة، عادلة وتشاركية وأكثر إنسانية، تعيد التوازن للعالم، وتتيح مصالحته مع ذاته، بإعطاء معنى لتوجهاته، وإذكاء روح الثقة فيه". ولهذه الغاية، قال جلالة الملك "يتعين العمل على جعل هذا التحدي مسؤولية جماعية، وقضية كل الدول، ومختلف الفاعلين، كيفما كان وزنهم، للدفع قدما بمشروع متجدد وغير مسبوق، "مشروع مجتمع كوني"، يمكننا من مد الجسور مع روح عصر الأنوار، كما جسده إيمانويل كانط، ومع عصر ابن خلدون، أول منظر للتاريخ العالمي للحضارات". وأوضح صاحب الجلالة أنه "بذلك نضع القاطرة على السكة الصحيحة، نحو تحقيق هدف أسمى، ألا وهو جعل "الكونية" أكثر إنسانية وعالمية. وقال "نود بهذه المناسبة، أن ندعوكم إلى تعميق التفكير والنقاش، في إغناء هذا النهج العالمي، وتعزيزه بأبعاد إنسانية وروحية، وكذا الأخذ بعين الاعتبار التحديات المعقدة والمتداخلة التي تواجه البشرية". وأكد جلالته أن المغرب كان في طليعة الدول القلائل التي استعدت لمواجهة الأزمة المالية العالمية وعملت قدر استطاعتها، على معالجة القضايا المصيرية التي طرحتها. وأضاف صاحب الجلالة أنه رغم كون المغرب اعتمد مبكراً نظام الاقتصاد الليبرالي المنفتح، فإنه يحرص دوما على عدم الانسياق وراء تجاوزات الليبرالية في شكلها المتوحش، الذي لا ينبغي أن يكون مدعاة لإنكار الدور التاريخي لليبرالية في تحرير وتقدم الإنسانية. وفي كلمة لها بالمناسبة، أكدت رحمة بورقية، رئيسة جامعة الحسن الثاني، أن المغرب يتشرف باحتضان أشغال هذا الملتقى، الذي يتوخى تعبئة "الذكاء الجماعي" حول العديد من القضايا المهمة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأضافت أن هذه الندوة تلتقي في فلسفتها مع سياسة الانفتاح، التي يريدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الحضارات والثقافات والشعوب. من جهته، حذر الرئيس المؤسس ل"مؤتمر السياسة الدولية"، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تيري دو مونتبريال، من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية، التي تشكل في نظره بداية لمسلسل أزمات أكثر خطورة، مشيرا إلى أنه "لايمكن لأي أحد التكهن بعدد السنوات التي تلزمنا لإعادة وضع النظام الاقتصادي على المسار الصحيح". ودعا، في هذا الصدد، كافة الدول إلى تنسيق جهودها وخلق علاقات تعاون مثمر بينها من أجل مواجهة الإكراهات، وتحقيق الازدهار لكل شعوب العالم. وشدد من جهة أخرى، على ضرورة توحيد الجهود حتى تتمكن العولمة من مواصلة التقدم بشكل متناغم، مسجلا أنه "إذا لم نعمل على تحسين الحكامة الدولية، فإن عالم الغد سيكون مأساويا" . من جانبه أوضح كوفي عنان، الأمين العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة، في رسالة صوتية للمؤتمر، أن الأحداث التي يجتازها العالم حاليا تبرز "مدى تداخل أنظمتنا، ما يحتم على كافة الدول القيام بمبادرات مشتركة من أجل رفع التحديات التي تطرحها العولمة". وأضاف أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية تتطلب بالضرورة تحقيق إصلاحات عميقة على جميع المستويات، معتبرا أن "المؤسسات الدولية القائمة حاليا ليست مؤهلة بالقدر الكافي لحل كل الإشكاليات". حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كل من وزير الدولة، محمد اليازغي، ووزير الداخلية، شكيب بنموسى، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، ووزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، ووزير تحديث القطاعات العامة، محمد عبو، ورئيس مجلس المستشارين، محمد الشيخ بيد الله. ويشكل المؤتمر مناسبة لتبادل الأفكار حول الحكامة العالمية في كافة أوجهها، خاصة منها الجيو- سياسية والاقتصادية والبيئية. ويناقش المشاركون في هذا المؤتمر، المنظم على مدى يومين بمبادرة من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، سبعة مواضيع تهم قضايا "الحكامة السياسية"، و"القانون الدولي"، و"الحكامة الاقتصادية والمالية"، و"حركات الهجرة"، و"الطاقة والمناخ"، و"الصحة والبيئة"، ثم "الماء والزراعة والتغذية".