ارتفعت نسبة المصابين بالأمراض العقلية بشكل ملحوظ بالعاصمة الاقتصادية، وأصبحوا يؤثثون فضاءاتها، هؤلاء تجدهم في كل مكان، بالأحياء الهامشية كما بالأحياء الراقيةمرضى عقليون في الشارع ليس لهؤلاء مأوى يحميهم من مخاطر الطريق، ومن برودة أو حرارة الجو، صيفهم كشتائهم، يجوبون الدروب والأزقة، غير آبهين بما يجري حولهم، سابحين بخيالهم وبأذهانهم الشاردة في عوالم لا يستطيع أن يدخلها أو يقترب منها الأسوياء، باستثناء الأطباء النفسيين وذوي الاختصاص، الذين يحاولون التخفيف من آلامهم ومن معاناتهم، عبر الأدوية والمسكنات. هؤلاء المرضى العقليين، أو الحمقى، كما يصفوهم الناس، غالبا ما يهددون بالاعتداء على المارة، وهي ظاهرة استشرت في الآونة الأخيرة بشكل لافت بشوارع الدارالبيضاء، وكأن المستشفيات تخلت عن الدور المنوط بها، للعناية بهذه الشريحة من المواطنين. المصابون بالأمراض العقلية والنفسية نصادفهم في كل مكان، بالأزقة، بين الدروب، وحتى بالشوارع الكبرى والرئيسية. هذه الظاهرة تعتبر غير جديدة وتناولتها العديد من وسائل الإعلام، كما أننا ألفنا وجودها، لكن ما يثير الانتباه هو ارتفاع نسبتها في الآونة الأخيرة، في ظل غياب مستشفيات تحمي هذه الشريحة المريضة من نفسها، ومن نظرات المجتمع، التي لا ترحم حتى الأسوياء، وتخفف من معاناة الأسر الفقيرة التي لا تقوى على تحمل مصاريف أبنائها المرضى، ولا تصرفاتهم وعنفهم، وعصبيتهم الزائدة، فتعمد إلى تكبيلهم أو عزلهم في غرفة لوحدهم أو ترمي بهم في الشارع، مما ساهم في ارتفاع عددهم وانتشارهم في الطرقات، غير واعين بالأشياء المحيطة بهم، ولا بالأفعال التي يقومون بها، ولا بالأخطار التي تهددهم وهم وسط الطريق وبين السيارات والشاحنات. معاناة الأسر مع مرضاها يواجه أهالي الأشخاص المصابين بالأمراض العقلية والنفسية صعوبات كثيرة لمساعدة أبنائهم، خاصة الأسر الفقيرة التي أضحت عاجزة عن تأمين الأدوية المسكنة، التي تخفف من آلامهم، نظرا لارتفاع ثمنها بالصيدليات، والمستشفيات العمومية الخاصة بالأمراض العقلية والنفسية القليلة مقارنة بعدد المصابين، لا تزود مرضاها بالأدوية مجانا، إلا في حالات نادرة جدا، ما دفع الأسر للاعتماد على نفسها لتقديم الرعاية لأبنائها المرضى عقليا. وتتحمل عبء التعامل معهم، مما جعلهم يواجهون خيار رعايتهم ومراقبة تصرفاتهم داخل المنازل، عن طريق تكبيلهم ووضعهم في غرف معزولة أو الزج بهم في الشارع، هذا ما أكده العربي ل" المغربية"، إذ قال إن ابنه أصيب منذ ثلاث سنوات بمرض عقلي جراء تناوله للمخدرات، وأنه يعاني ماديا ومعنويا من أجل معالجته، مضيفا أنه عرضه على العديد من الأطباء، الذين لهم باع طويل في الطب النفسي والعقلي، من أجل علاجه، الشيء الذي كبده مصاريف كثيرة لم يعد يقوى على تحمله. كما أن العلاج، حسب هذا الأب، يقتصر على بعض الأقراص والحقن المسكنة، التي حين ينتهي مفعولها يتحول المريض إلى ثور هائج لا يستطيع أن يوقفه احد، ويصبح عنيفا، فكم مرة أخذه إلى المستشفى حيث يمكث لبضعة أيام، لكن عندما يقترب وقت خروجه ينتاب الرعب جميع أفراد العائلة، التي عانت كثيرا من بطشه وعنفه، حيث يقوم بضرب كل من صادفه أمامه، كما انه يكسر جميع أغراض وأواني المنزل. وشدد المتحدث على أنه يتمنى أن "تكون عندنا مستشفيات على شاكلة الدول الأوروبية، التي تعنى بالمصابين بالأمراض العقلية والنفسية، التي توفر لهم الأدوية والظروف المناسبة للعلاج، وتخفف عن أسرهم الآلام والمعاناة اليومية التي يعيشونها مع أبنائهم"، مؤكدا في الإطار نفسه أنه " بالرغم من المشاكل المادية والتصرفات غير الإرادية التي يحدثها ابنه المريض، فإنه لا يستطيع أن يزج به في الشارع، لكنه يفكر في من سيتولى أمره، إن هو فارق الحياة في ظل غياب مستشفيات خاصة تتولى أمر المصابين بالأمراض العقلية والنفسية". ميول للانتحار أما أمينة، أم خليل (22 سنة)، فقالت ل"المغربية" إنها " تشفق من حال ابنها الذي لا تعرف لحد الآن كيف أصيب بهذا المرض، لأنه كان إنسانا سويا ومنضبطا، إلى أن فارق والده الحياة ولم يقو على تحمل الصدمة، فتدهورت صحته النفسية شيئا فشيئا، خاصة أنه كان يرفض أن يزور الطبيب النفسي. وأبرز ذلك بأنه ليس مجنونا، إلى أن تدهورت حالته النفسية والعقلية وأصبح فاقدا للوعي وعنيفا جدا" مشيرة إلى أنها تضطر لأخذه للمستشفى كل يومين لحقنه بمسكن مؤقت، بالإضافة إلى تناوله لبعض الأدوية المهدئة، التي ينتهي مفعولها بمجرد توقفه عن تناولها، لا سيما أنه أصبح لديه ميول للانتحار، مما يستدعي مراقبته باستمرار، فهي تداوم على زيارة الطبيب، ومن أجل علاجه لا تتردد في اصطحابه كذلك لزيارة بعض الأضرحة، التي تشتهر بقدرتها على علاج الأمراض النفسية والعقلية. وتضطر أحيانا إلى البقاء معه هناك لمدة طويلة، خوفا عليه أن يصاب بمكروه، مضيفة أن "منظر السلاسل التي توضع في يدي ورجلي ابنها كي لا يؤذي نفسه، أو أي شخص آخر في الضريح، يؤلمها "، مشددة على أن "المستشفيات لا تحتفظ بالمرضى لفترة طويلة، حتى تساهم في مساعدة أسرهم، الذين يعانون كل لحظة وحين من التصرفات الغريبة وغير المسؤولة التي يحدثها أبناؤهم، كما أن الاحتفاظ بمريض في البيت يعتبر خطرا محدقا يهدد حياة المريض نفسه، وباقي أفراد الأسرة التي تكون على أهبة واستعداد لمواجهته".