أفاد الدكتور محمد الغواطي، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط في حوار ل "الصحراء المغربية"، أن الدولة اضطلعت بصفتها المستثمر الأول والمشغل الأول في الأقاليم الجنوبية للمملكة بدور مهيكل في وضع البنيات التحتية لتحقيق الولوج الفعلي للمواطنين للاستفادة من الخدمات الأساسية، ومحاربة الفقر والهشاشة، مبرزا أن هذا الزخم تحقق من خلال التسريع بوضع إستراتيجية تنموية مكنت من توفير البنية التحتية للطرقات والمرافق والموانئ والسكن والمؤهلات المتعلقة بقطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة والاتصالات وخدمات القرب.
يشكل الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء مناسبة لاستحضار الإنجازات الاقتصادية والنهضة الاستثمارية التي عرفتها أقاليمنا الجنوبية، فما هي دلالات ذلك؟ أعتقد بأن هذا الحدث الوطني، هو محطة مشرقة في تاريخ بلادنا، حيث تمكن الشعب المغربي من تحرير جزء من أراضيه السليبة، واستكمال وحدة البلاد الترابية، ووضع حدا لنحو ثلاثة أرباع القرن من الاحتلال المرير لهذه الربوع العزيزة على أفئدة كل المغاربة، فالأقاليم الجنوبية للمملكة تمثل حوالي 59 بالمائة من التراب الوطني من حيث المساحة، وقد اضطلعت الدولة، بصفتها المستثمر الأول والمشغل الأول في الأقاليم الصحراوي للمملكة بدور مهيكل في وضع البنيات التحتية لتحقيق الولوج الفعلي للمواطنين للاستفادة من الخدمات الأساسية، ومحاربة الفقر والهشاشة، من خلال التسريع بوضع إستراتيجية تنموية مكنت من توفير البنية التحتية للطرقات والمرافق والموانئ والسكن والمؤهلات المتعلقة بقطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة والاتصالات وخدمات القرب، كما عملت الدولة منذ استرجاع هذه الأقاليم على تزويدها بالشبكة الطرقية من خلال بناء وتجديد أزيد من 3 آلاف كلم من الشبكة الطرقية باستثمارات تجاوزت 4 مليار درهم، بعدما كان طول هذه الشبكة قبل سنة 1975 لا يتعدى 70 كلم، وهو ما يعني بأن السياسات العمومية هي مكتسبات حقيقية، وبالإمكان في المدى القريب والمتوسط أن تتواصل مسيرة المنجزات لتحقيق إقلاع اقتصادي شريطة الزيادة في مفعول الإطار التحفيزي والنفقات العمومية على القطاع الخاص، والتركيز على الأنشطة التحويلية والمنتجات ذات القيمة المضافة العالية وعدم التركيز فقط على الأنشطة الأولية.
المغرب هو منصة إقليمية مهمة، فكيف يمكن تطوير التبادل التجاري بشكل أكبر مستقبلا سواء ما بين أوروبا أو أفريقيا وباقي بلدان العالم؟ يطمح المغرب الذي يقع في مفترق طرق الأسواق العالمية، إلى أن يصبح منصة إقليمية موجهة نحو إفريقيا، فبالإضافة لعلاقاته المتميزة مع شركائه الأفارقة، يتوفر المغرب على مزايا قل نظريها في المنطقة، بحيث ساهم الاستقرار السياسي والاقتصادي للمغرب في تحسين مناخ الأعمال وهو ما جعله نموذجا لدول جنوب الصحراء، بالنظر لتجربته الرائدة في المنطقة في جميع القطاعات الإنتاجية، سواء في الصيد البحري والزراعة، وإنجازه لمشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية لعل أهمها ميناء الداخلة بأقصى جنوب المغرب، والتي تتواجد في موقع جغرافي جيوستراتيجي، وتمنح وفرص أعمال مهمة، حيث تبلغ تكلفة إنجازه أكثر من مليار دولار، لدعم التنمية الاقتصادية والتعدين والطاقة والسياحة والتجارة والصناعات التحويلية ...، عبر تزويد المنطقة بأدوات لوجستيكية حديثة وقابلة للتطوير، ترقى لمستوى التطلعات التنموية للجهة، واستقطاب فرص الملاحة الداخلية مع دول غرب أفريقيا، وتثمين موارد أسماك السطح الصغرى وذلك بإنشاء بنيات تحتية مينائية ومناطق صناعية قريبة توفر ظروفا جيدة للتنافسية لكامل الفرع المهني للصيد، ولعل تدشين قنصلية أمريكية بالداخلة من شأنه أن يعزز فرص الاستثمار لاستقطاب الشركات من مختلف بلدان العالم، خاصة مع توافر جودة مناخ الأعمال بالمملكة المغربية، فالمغرب يخصص سنويا أكثر من سبع مليارات دولار متعلقة بالبنية التحتية، من طرق ومطارات وموانئ، دون أن ننسى إمكانية الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي يمنحها مشروع الطاقة بين المغرب ونيجيريا، والذي سيمر من جزء مهم منه عبر التراب الوطني، وأيضا الفرص الاستثمارية المهمة التي تمنحها الطاقات المتجددة سواء تلك المتعلقة بالرياح أو الشمسية، والتي ظهرت بعض بوادرها في إمكانية توقيع شراكة غير مسبوقة لإنتاج الطاقات الشمسية وتصديرها وخاصة مع ابريطانيا، أتاحت النهضة الاقتصادية التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية فرصا هائلة للاستثمار بها من قبل عديد الدول كالولايات المتحدةالأمريكية والصين وبولونيا وإسرائيل وغيرهم من الدول، فالمغرب يمثل بالنظر إلى موقعها الجغرافي جسرا نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكذا نحو أوروبا، وبوابة أفريقيا من ناحية الغرب، والمغرب ملتزم التزاما قويا، من أجل مواصلة الجهود الرامية إلى بناء اقتصاد عصري، وانفتاح متواصل، على المقاولات الأجنبية، وهو في حد ذاته اعتراف بمقاربة المغرب المتبصرة، والتي تأخذ بعين الاعتبار قضايا التنمية المستدامة وتضع في صلب انشغالاتها، صالح ورفاهية العنصر البشري باعتباره العامل الحقيقي للتغيير.
ما هو التفسير في اعتقادك للنهضة الاقتصادية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمملكة؟ أعتقد بأن السر يعود بالأساس لمناخ الأعمال الجيد والفرص التي تتيحها النصوص القانونية المؤطرة للاستثمار الأجنبية بالمغرب، فهي حافز ودافع أساسي لاستقرار رؤوس الأموال الأجنبية، وأيضا للمجهود الاستثماري الكبير والذي تقوم به الدولة، لتوفير البنية التحتية المناسبة، وهكذا نجد بأن مشروع الطاقة الريحية بطرفاية، والذي يعد أكبر مشروع للطاقة النظيفة على مستوى القارة الإفريقية، هو أحد أهم المشاريع التي انخرطت المملكة في انجازها في إطار الدينامية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث تطلب استثمارا بقيمة 5 ملايير درهم، جعل هذه المحطة قادرة على توليد طاقة بقوة 301 ميغاوات، وذلك بفضل توفرها على 131 مولدا للطاقة الريحية، وعلى صعيد البنية المينائية، عملت الدولة على تعزيز التجهيزات التحتية لموانئ العيون، وطرفاية وبوجدور، بالعديد من المنشآت الجديدة الهادفة إلى إعطاء دفعة قوية للنشاط الاقتصادي بالمنطقة واستثمار مؤهلاتها، وإنشاء ميناء جديد ببوجدور، والداخلة وهي من المنشآت الهادفة إلى إعطاء دفعة قوية للنشاط الاقتصادي بالمنطقة واستثمار مؤهلاتها، ولا ننسى بأن المشاريع التنموية التي وضعتها الدولة، قدرت بملايير الدراهم، وتتكون أساسا من برامج سكنية متنوعة مكنت من تدارك العجز العمراني والقضاء على السكن غير اللائق، حيث تم إعلان مدن العيون وبوجدور والداخلة مدنا بدون صفيح، فضلا عن الاستجابة للطلب المتزايد على السكن بهذه الربوع من المملكة، كما أطلقت الدولة مشاريع استثمارية هامة في قطاع الماء الصالح للشرب بالأقاليم الجنوبية، حيث تم إنشاء البنيات التحتية المتعلقة بقطاع الماء، وخاصة محطات تحلية مياه البحر باستثمارات كبرى، حيث مكنت هذه المشاريع من تزويد ساكنة الوسط الحضري بهذه المادة الحيوية بنسبة 100 في المائة، وعلى مستوى التزود بالكهرباء، تم ربط الأقاليم الجنوبية بالشبكة الوطنية للكهرباء بواسطة خط ذو توتر جد عال طوله مئات الكيلومترات، بعد أن كان توفير هذه المادة يؤمن انطلاقا من محطات تشتغل ب"الفيول" و"الغازوال"، فضلا عن إنجاز مشاريع للطاقات المتجددة، كمشروع الطاقة الريحية بطرفاية، ولا غرو أن هذه المنجزات التنموية التي تحققت بالأقاليم الجنوبية على مستوى البنيات التحتية ستتعزز أكثر بفضل النموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو النموذج الإصلاحي لفائدة الساكنة المحلية الذي وقف على الاختلالات واقترح البدائل الواقعية القابلة للتطبيق التي تروم تحسين واقع الأقاليم الجنوبية وأوضاع ساكنتها، وخاصة مع الفرص التي تفتحها الجهوية الموسعة للإعلان عن الفرص الاستثمارية، الكبرى وتحقيق شراكة مع الجماعات الترابية الممثلة للسكان، وتنزيل توصيات النموذج التنموي في شقه الاقتصادي.