تعد الزيارة الرسمية التي يقوم بها لبلادنا، بدعوة كريمة من صاحب الجلالة، الحسن وتارا، رئيس جمهورية كوت ديفوار، وحرمه دومينيك وتارا،اليوم الثلاثاء وغدا الأربعاء، لبنة أخرى في صرح العلاقات المغربية الإيفوارية التي تشهد تحولا مهما، يعبر عن روح العصر، ويترجم على أرض الواقع التوجه الذي ارتضاه صاحب الجلالة لعلاقة بلادنا مع البلدان الإفريقية، التي تحظى بالأولوية لدى جلالة الملك، وهو ما تعكسه الجولات التاريخية التي تقود صاحب الجلالة إلى عدد مهممن البلدان الإفريقية. وكانت كوت ديفوار وستظل من بين البلدان التي تربطها بالمملكة المغربية علاقات متميزة، أصبحت أكثر متانة، إذ كانت حاضرة في برنامج الجولتين التاريخيتين لصاحب الجلالة في العامين الماضيين، واللتين قادتا جلالة الملك إلى عدد من دول غرب ووسط القارة السمراء التي تعتز المملكة بالانتماء إليها. زار جلالته كوت ديفوار سنتي 2013 و2014، وقدم من خلالهما أكثر من دليل على أن المغرب نموذجي في التعاون جنوب جنوب،وتميزت الزيارتان بتوقيع اتفاقيات وإطلاق مشاريع تنموية تعبر بصدق عن تحول عميق في العلاقات التي أعطتها التوجهات الملكية زخما جديدا. ويعبر توقيع 26 اتفاقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال الزيارة الملكية الأخيرة بصدق عن التشبث بالجذور الإفريقية للمملكة، والاهتمام البالغ بالإنسان في القارة السمراء،التي تتحول بفضل العناية الملكية إلىوطن. ومن شأن الزيارة التي تنطلق اليوم والتي سيجري جلالة الملك خلالها، مباحثات رسمية مع ضيفه الكبير، ويترأسان مراسم توقيع اتفاقيات ثنائية بين البلدين. أن تخطو بالعلاقات النموذجية بين البلدين خطوات أخرى إلى الأمام، خاصة بعد أن رسم الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك في أبيدجان فيافتتاحالمنتدىالاقتصاديالمغربيالإيفواري خارطة طريق العلاقات الإفريقية الإفريقية، وهو الخطاب الذي أسال ومازال يسيل الكثير من المداد، لأنه خطاب واقعي ومجدد للوعي الإفريقي. لقد قطع الخطاب الملكي خلال الزيارة التاريخية لكوت ديفوار مع المديح والغزل ودغدغة العواطف،التي جرت بها العادة في أغلب اللقاءات العربية والإفريقية، قبل أن يتفرق الناس شيعا لينسوا ما قالوه وما سمعوه. وكان تحريرا آخر للقارة الإفريقية، ودعوة صريحة لتعي قارتنا بالدور الذي ينبغي أن تلعبه، وأن تصنع مستقبلها بيديها، وألا ترضى بلعب دور التابع أو الرهينة في بعض الحالات. كانت إفريقيا وهي تعيش على وقع الخطاب الملكي على موعد مع استنهاض من نوع آخر، استنهاض للعقول قبل الهمم، لأننا لسنا في زمن الحرب والقتال ومناهضة الاستعمار، بل في زمن صناعة المستقبل، الذي يحاكم حاضرنا عندما يصبح ماضيا. ولأن لكل زمن رجاله، فإن جلالة الملك محمد السادس يواصل التأكيد أنه على رأس رجالات إفريقيا في هذا الزمن، وسيظل في المستقبل لأن جلالته يتميز ببعد نظره، وفكره المتنور الذي يمتد إلى أبعد مدى في الألفية الثالثة التي نعيش بداياتها، وينضح الخطاب الملكي المجدد، بما فيه إذ رسم خارطة طريق لاقتصادها، داعيا إلى التفوق ليس على الذات فحسب، بل على الحدود الوهمية التي تسيج وتنظر إلى التواضع والمحدودية في الكثير من المجالات قدر إفريقيا المغلوبة على أمرها. وكما أكدنا غير ما مرة، في الفكر كما في الخطاب الملكي التاريخي تأسيس لما ينبغي أن يصبح طابعا مميزا للقارة، في عصر الاقتصاد العابر للقارات، اقتصاد قال جلالة الملك في الخطاب الذي نستحضره في كل الأوقات، إنه البعد الذي أضحى يحظى بالأولوية، مضيفا جلالته "فالتعاون الذي كان يقوم سابقا على روابط الثقة والوشائج التاريخية أصبح اليوم يرتكز، أكثر فأكثر،على النجاعة والمردودية والمصداقية". وسيظل الثلاثي "النجاعة" و"المردودية" و"المصداقية" حاضرا بكل ثقله في العلاقات التي تربط المملكة المغربية بالبلدان الإفريقية الصادقة والمنسجمة مع نفسها، وفي مقدمتها جمهورية كوت ديفوار، التي تأبى إلا أن تذهب بعيدا في علاقاتها مع المغرب منذ أن أصبح الحسن واتارا رئيسا لها، لما لمسه من صدق في المشاعر نحو القارة، وتفعيل للأقوال لدى جلالة الملك، والسمو بالعلاقات التي تجسد بشكل واضح أنه في العلاقات التي تربط المملكة المغربية ببلدان إفريقيا جنوب الصحراء هناك فعلا ربح للطرفين وتكريس لثقافة "رابح رابح". المغرب والكوت ديفوار.. التزام متجدد لشراكة متنوعة أكثر عمقا أبيدجان: سمير لطفي - لم يفتأ المغرب والكوت ديفوار، اللذين تجمع بينهما علاقات عريقة وتعاون نموذجي يعد نموذجا في منطقة الجنوب، على مر السنوات، من التعبير عن التزامهما المتجدد لإقامة شراكة متنوعة أكثر عمقا. ولعل هذا العزم الدائم لإرساء أسس تعاون مثمر يستجيب لتطلعات وطموحات الشعبين المغربي والإيفواري يجد زخما جديدا خلال الزيارة التي يقوم بها إلى المغرب الرئيس الإيفواري الحسن واتارا. فبين الرباط وأبيدجان توجد روابط متينة ترتكز على الاحترام المتبادل والتضامن الفعال والنموذجي والانتماء للقارة الإفريقية ورؤية مشتركة لطموحات التنمية والانبعاث والسلم والاستقرار. وتأتي زيارة الرئيس واتارا للمغرب في سياق الزيارات المتبادلة بين قائدي البلدين، وتعبر عن رغبة الكوت ديفوار والمغرب إعطاء دينامية جديدة للشراكة الاقتصادية والاجتماعية الثنائية والسياسية بهدف الرفع منها إلى مصاف تحالف تقليدي استراتيجي. وهي شراكة تليدة تمثل كما سبق وأن عبر عن ذلك جلالة المغفور له الحسن الثاني النموذج الواضح "للأخوة الإفريقية الفعالة والمتينة". ولعل تلك هي الرؤية التي ظل البلدان يتقاسمانها منذ فترة حكم الزعيم الإيفواري الراحل فيليكس هوفيت بوانيي. ولا غرو فكلا القائدين مشهود لهما بالتبصر والحكمة وطموحهما المتين من أجل إفريقيا مزدهرة ترفل في السلم والاستقرار. وبالفعل أتاحت حيوية وعمق العلاقات التاريخية بين البلدين، على الدوام، تجاوز الصعاب، على الخصوص، خلال اندلاع الأزمة الإيفوارية في شتنبر 2003، قبل أن تعرف العلاقات بعدا جديدا مع وصول الحسن واتارا إلى السلطة في نونبر 2012، وعودة الاستقرار إلى هذا البلد الكبير في غرب إفريقيا. وباستثناء الشق السياسي والقضايا ذات الاهتمام المشترك، عبر المغرب والكوت ديفوار على الدوام عن رغبتهما في الدفع قدما بعلاقاتهما الاقتصادية، على الخصوص، في مواجهة الخلل الصارخ في فرص الاستثمار والنمو والضعف الحاصل في المبادلات التجارية الثنائية. ووعيا بهذا المشكل وفي إطار الرغبة الدائمة في العمل على تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية، قررت الرباط وأبيدجان، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقيات شراكة وتعاون، إعادة إطلاق اللجنة المشتركة التي ظلت أعمالها جامدة منذ 2004. وبالفعل، فالزيارتان اللتان قام بهما جلالة الملك محمد السادس إلى الكوت ديفوار في 2013 و2014، حملتا آمالا واعدة بالنسبة للطرفين، على الخصوص، مع إطلاق العاهل الكريم للعديد من مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتوقيع على 26 اتفاقية شراكة تهم العديد من القطاعات الإنتاجية. ومن أجل الانخراط في هذه الدينامية التي تجسد هذه الإرادة المشتركة، قررت العديد من الشركات المغربية الكبرى العاملة في مجالات الصناعة والبنوك والتأمينات وغيرها فتح فروع لها في الكوت ديفوار. ومن أمثلة ذلك، التجاري وفابنك، الذي دخل منذ 2010 في رأسمال الشركة الإيفوارية للبنوك ومجموعة سهام للتأمينات التي اقتنت مجموعة كولينا للتأمينات أو البنك الشعبي، الذي اقتنى 50 في المائة من رأسمال البنك الأطلسي للكوت ديفوار. وفي قطاع البناء والأشغال العمومية يسجل قدوم مجموعة اليانس ثم مجموعة الضحى التي أنشأت مصنعا للإسمنت، وحصلت على صفقة من الحكومة الإيفوارية لبناء 2600 سكن اجتماعي في أبيدجان. وفي الكوت ديفوار، أيضا، استقرت منذ أمد طويل المجموعة المغربية "الإفريقية للخدمات"، العاملة في قطاع الهندسة المدنية والأشغال العمومية وشركة "إنفوليس"، التي حصلت على صفقة من ستة ملايين أورو للتدبير المعلوماتي للرصيد العقاري للدولة الإيفوارية. ومن بين المجموعات المغربية الكبرى التي استقرت في هذا البلد، هناك، أيضا، شركة إفريقيا للمحروقات التابعة لمجموعة أكوا، التي أعلنت، أخيرا، دخولها السوق الإيفواري، من خلال اقتناء 80 في المائة من رأسمال الموزع كلينزي، الذي يتوفر على نحو 15 محطة توزيع الوقود. ولعل مختلف تلك الأمثلة تقدم الدليل الساطع على متانة وقوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، التي شهدت دفعة مهمة خلال السنوات الأخيرة، مع دخول الاقتصاد الإيفواري مرحلة من النمو هي الأهم في منطقة غرب إفريقيا. وتساهم في تطوير هذه الشراكة المثمرة بين البلدين جدية وتفاني الجالية المغربية في الكوت ديفوار التي يقدر عدد أفرادها ب 3000 شخص يعملون في قطاعات التوزيع والملابس والتغذية والصناعة التقليدية والأشغال العمومية. ولا غرو فعلاقات الشراكة الاقتصادية هذه تسير وتتطور على مسار التعاون الواسع بين البلدين الذي يشمل عدة قطاعات ومجالات إنتاجية وخدماتية من قبيل التكوين والتعليم ومحاربة تهريب رؤوس الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب ومحاربة الازدواج الضريبي والتهرب الضريبي وتدبير الخدمات المينائية. ويتعلق الأمر أساسا بتعاون يحفل بعدة إمكانيات وطاقات هائلة تعد بمستقبل واعد ب أبيدجان- الرباط.. نموذج مشرق للتعاون وشراكة استثنائية * أبيدجان: حسن أوراش - إذا كان المغرب، قد راهن، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على جعل القارة الإفريقية تحظى بالأولوية في سياسته الخارجية، فإن هناك دولا إفريقية بعينها، تعكس بوضوح هذا الخيار الاستراتيجي، حيث أضحت نموذجا للتعاون الوثيق، الذي يترجم بشكل ملموس هذه السياسة، من خلال خطوات وتدابير ملموسة وعملية. * * وتعد كوت ديفوار، أحد هذه البلدان الشقيقة، التي تربطها بالمملكة صلات وروابط شراكة مثمرة للطرفين، في إطار تعاون جنوب/جنوب، يشكل نموذجا واعدا وإطارا حقيقيا للتنمية ورافدا للإقلاع الاقتصادي. * ويزخر هذا البلد، الذي يمثل ثلث الناتج الداخلي الخام للاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا، ويوفر أكثر من ثلث كتلته النقدية وأزيد من ثلثي صادرات المنطقة، بمؤهلات وإمكانيات يفتح استثماراها آفاقا حقيقية للارتقاء، بتعاون اقتصادي ثنائي يوازي العلاقات السياسية النموذجية والمتميزة. * وماتزال كوت ديفوار، التي سيقوم رئيسها، الحسن وتارا، اليوم الثلاثاء وغدا الأربعاء، بزيارة رسمية للمغرب، بدعوة كريمة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تستحضر بارتياح وفخر، اللحظات القوية التي ميزت الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك لأبيدجان قبل سنة. * * وإذا كانت الزيارة الملكية، شهدت التوقيع على 26 اتفاقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص وللاستثمار، فقد تميزت بالخطاب المؤسس لجلالة الملك في افتتاح المنتدى الاقتصادي الإيفواري المغربي، الذي شكل مناسبة جديدة لتعزيز وتقوية الشراكة القائمة بين البلدين واستعراض الآفاق الحقيقية للاستثمار المشترك والنهوض بالعلاقات الثنائية الرفيعة المستوى، التي تشمل قطاعات عديدة ومختلفة. * ولعله من نافلة القول، التأكيد على أن عقد هذا المنتدى في كوت ديفوار لم يكن وليد الصدفة، بقدر ما يترجم بوضوح جودة ومتانة العلاقات القائمة بين البلدين، وتعبيرا ساطعا عن أهمية الروابط السياسية والاقتصادية التي تجمع المملكة بدول إفريقيا الوسطى والغربية. * * وفي السياق ذاته، أكد جلالة الملك في خطابه "أن هذا الاختيار يشكل اعترافا بأهمية ومكانة الاقتصاد الإيفواري، ودليلا على ثقتنا في آفاقه المستقبلية". * * كما جدد جلالة الملك التأكيد بهذه المناسبة على أن المغرب، على غرار كوت ديفوار، يلتزم التزاما كاملا بانتمائه الطبيعي لإفريقيا، الذي ظل يلازمه على امتداد تاريخه، مبرزا جلالته أن البعد الاقتصادي أصبح "يحظى بالأولوية، ويشكل إحدى الدعامات التي تقوم عليها العلاقات الدبلوماسية. فالتعاون الذي كان يقوم سابقا على روابط الثقة والوشائج التاريخية أصبح اليوم يرتكز، أكثر فأكثر، على النجاعة والمردودية والمصداقية". * والأكيد أن الخطاب الملكي، بأبيدجان، شكل رسالة ثقة، من أجل إفريقيا متضامنة متحررة من أعبائها متوجهة إلى المستقبل. وحرصا منهم على التجاوب الفعال، مع هذا الانخراط الملكي، أبدى رجال الأعمال والمقاولون المغاربة اهتماما كبيرا بالاستثمار في كوت ديفوار، والمساهمة بالتالي في تعزيز وتقوية أواصر تعاون جنوب/جنوب متوجه نحو المستقبل. * * وشكل هذا اللقاء مناسبة لاستعراض التجربة والخبرة المغربية، الكبيرة والمتنوعة، والفرص الاستثمارية وآفاق الشراكة بين المقاولات والشركات المغربية ونظيرتها الإيفوارية، وكذا المؤهلات التي تزخر بها السوق الإيفوارية، والتي تشكل قاطرة حقيقية على مستوى منطقة غرب إفريقيا. * * وسعيا نحو تقوية وتعزيز التعاون الثنائي، فقد شهد حفل اختتام المنتدى الاقتصادي الإيفواري المغربي، توقيع 26 اتفاقية شراكة. * * وبعد مرور سنة على ذلك، تعد زيارة الرئيس الحسن وتارا، للمملكة، تأكيدا واضحا وجليا على الإرادة القوية والراسخة لقائدي البلدين في إرساء أواصر تعاون وثيق يمتد ليشمل مختلف القطاعات، وينفتح على مستقبل واعد للبلدين والشعبين الشقيقين. (و م ع)