لم تعد قولة الشاعر أبي تمام "السيف أصدق أنباء من الكتب"، تنطبق على واقعنا اليوم وإن كانت العوامل التي قيلت فيها في ذلك الزمان ماتزال مثيلاتها حاضرة حتى وقتنا الراهن لكن ما استجد في عالمنا اليوم هو الفن الذي بفضله تزول الحدود بين الدول ويشع السلام، وتدفن السيوف في أغمادها وتخرس خطابات السياسيين التي رمز إليها الشاعر ب "الكتب". أقوى الفنون التي تحمل رسائل السلام وتسافر بثقافة الشعوب وتتحدى الحدود، هي "الأزياء"، فهي قمة الإعلان عن السلم وأعلى درجات التعبير عن الاندماج، فمنذ القدم تبادل الزعماء السلاهيم والجلاليب والقبعات واستعملوا الألبسة المتبادلة للتأكيد على تقبل بعضهم البعض عن طيب خاطر، كما حملت الأزياء ثقافات مجتمعات ونقلتها إلى مجتمعات أخرى في الجهات الأربع من المعمور. المعرض البحريني للأزياء برسم موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته 36، شد انتباه الزوار المغاربة والأجانب، الذين يتوافدون على المدينة على حد سواء، وشكل نافذة للإطلالة على ثقافة شعب ضارب في جذور التاريخ، وضعته الجغرافيا في ملتقى الحضارات العربية والفارسية والهندية، ولهذا فالألوان والرسوم والزخارف المستعملة في صناعة الزي البحريني تعكس بقوة تلاقح تلك الحضارات والثقافات، وليس غريبا إذا انفردت الأزياء النسائية البحرينية بهذا الطابع الفني دون أزياء الرجال، فالمرأة بشكل عام مرآة المجتمع من حيث طريقة اللباس ومستوى العيش وثقافة الذوق، والمرأة البحرينية ضمن باقي النساء العربيات تعكس بلباسها مستوى عيشها وثقافتها ووضعها الاجتماعي. الأزياء البحرينية، التي تنبعث من صناعة تقليدية عمرها عشرات القرون، انصهرت فيها فنون الزي القادم من مختلف أطراف البلاد، والتي امتزجت بالقادم من الثقافات بحكم البحرين نقطة التقاء في شرق البلاد العربية، ومتوسطة الملاحة التجارية، حيث يلاحظ على الأزياء البحرينية الذوق والجمال اللذين أبدعتهما يد الصانع البحريني، في خياطة وتطريز الملابس بنقوش، مستوحات من البيئة ومن الواقع المعاش، وبالأخص تلك الرسوم المنقوشة على الملابس النسائية، التي تجسد إتقانا في غاية الدقة والإبداع. معرض الأزياء البحريني في موسم أصيلة تشكل من مقتنيات متحف البحرين الوطني، وهي أزياء تعكس ثراء التراث البحريني، كما تشكل محطة التقاء للأفكار والصناعات التي حملها التجار من دول شرق آسيا والشرق الأوسط بحكم موقع مملكة البحرين على خارطة التجارة البحرية التي تركت أثرا لا يخفى على تنوع الأقمشة والزخارف والألوان وطرق حياكة الألبسة خاصة بالنسبة للزي النسائي. الألبسة البحرينية البشت هو أشهر الأزياء العربية، وهو رداء رجالي يصنع من وبر الجمل او الصوف ويلبس في الاعياد والمناسبات. ويلبس فوق الثوب وغالبا ما يطرز بخيوط من القصب ويأتي بألوان متعددة. هناك أنواع فاخرة من البشوت تمتاز بدقة الصنع وجمال التطريز وتتطلب معرفة واسعة بفنون وأصول هذه الحرفة منها البشت الممشط لاحتوائه على بعض الخطوط الشبيهة بالمشط والموشاة بخيوط الذهب والفضة كما يلبس معه الثوب الشد المطرز بخيوط القصب. والبشت الممشط بني، يلبس مع زبون، أما السيف فهو لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ، واسم هذا السيف کسيف جُبَارة وحديدته تسمى کجُوهَر وهو سيف اثري مشهور وله تاريخ وعمره أكثر من مائة عام وصانعه ابن باني وهو صائغ بحريني مشهور في ذلك الوقت. أما الخنجر فهو ايضا خنجر سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خيفة وحديدته تسمى بياض وهي مرصعة باللؤلؤ البحريني الاصيل ورأسه من العاج الأصلي أما حزام الخنجر فيسمى کسبته. الدقلة والزبون لباس الأغنياء والمقتدرين، وهو عبارة عن رداء طويل مفتوح من الأمام ويغلق عند فتحة الرقبة بأزرار، يخاط عادة من الاقمشة الصوفية مثل لمريني والشال أو الصوف الكشميري ويشبه في كثير من تفاصيله لباس (الجبة) الإسلامي وأحيانا يلبس عليه البشت. البخنق هو رداء تستعمله الفتيات الصغيرات كغطاء للرأس قبل وصولهن سن الزواج، وينسدل البخنق ليغطي النصف الأعلى من البدن، ويكثر ارتداؤه في الاعياد والمناسبات السارة ويخاط البخنق من قماش خفيف يغلب عليه اللون الاسود ومطرز بنقوش وزخارف من الخيوط الذهبية. الدراعة تخاط الدراعة من جميع الأقمشة ويمتاز هذا الزي بأن أكمامه ضيقة وتكاد تلتصق بالذراع، وتزين فتحة الأكمام بشريط من الزري العريض. وتأتي الدراعة على نوعين هناك دراعة (ام رسغ) تتميز بشريط الزري العريض الملتف حول الرسغ والنوع الآخر (ام كتف). ثوب النشل يأتي في مقدمة الأزياء النسائية الشعبية فنا واتقانا وأصالة، حيث تحرص المرأة البحرينية علي ارتدائه في مختلف المناسبات كالأعياد وحفلات الزواج والموالد وعند عودة الرجال من رحلة الغوص. ثوب النغذة هو ثوب من التور ينقد بالخوص الذهبي او الفضي يدخل بين فتحات القماش ويشكل حسب النقوش المطلوبة، ويتميز باللمعان الواضح، وكلما كثر التنقيد بالقماش كلما ثقل وغلا ثمنه. ثوب المفحح هو أحد أنواع الثوب النشل، يتميز بتعدد ألوانه الزاهية، والتطريز الذهبي المميز بين كل لون وآخر، يعتبر من أكثر الألبسة الشعبية تميزا.