القفطان المغربي ينافس الأزياء العالمية دأب المغاربة خلال احتفالاتهم الدينية والمناسبات الخاصة التي يحيونها على ارتداء أزياء تقليدية اشتهر بها المغرب دون غيره من بلدان العالم العربي. وكلما حل موعد تلك الاحتفالات يقبل الرجال والنساء على محلات الخياطة التقليدية المنتشرة في أزقة المدن القديمة، حيث يقضي الصنّاع ساعات في تطريز وحياكة الأثواب وتفصيلها. وفي مشغله الصغير وسط المدينة القديمة في العاصمة الرباط، وعلى ضوء مصباح يتناول المعلم محمد (58 سنة) صانع القفطان التقليدي، لفائف من الخيط من مختلف الألوان ويضعها في «جرار الخيط» على آلته. وبرغم التعب الذي يشعر به بسبب عمله بالخياطة طوال اليوم، إلا أنه في السابق كان يمضي في حياكة القطعة الواحدة أسابيع عدة. وحين يختار العمل يدوياً، يلتقف إبرته التي يدس فيها بحذر الخيط المناسب ليصنع منه قطعة فنية تتباهى النسوة في ارتدائها أيام الأفراح والأعياد. وعلى واجهات المحلات الزجاجية يتراص القفطان المغربي والجلاليب بمختلف الأشكال والأنواع، فمع اقتراب حلول عيد الفطر تتوافد النسوة على محلات بيع هذه الأزياء. وفي شهر رمضان كما يوم العيد لا تستقيم الزيارات المتبادلة بين الأهالي والعائلات إلا وقد ارتدى الجميع جلباباً جديداً أو قفطاناً مغربياً أصيلاً. ومع القفطان أو العباءة ينتعل الرجال «بُلغة جلدية مغربية»، وتنتعل النسوة «شربيلا» مغربياً، اللذين يعدان أيضاً جزءاً لا يتجزأ من اللباس التقليدي المغربي. «نقوم نحن بخياطة أشكال مختلفة من المنتج التقليدي من جلابيب وقفطان للصغار والكبار، ونستقدم بعضها من مدينة فاس المغربية المشهورة بجودة ومهارة الصانعين فيها، ونعرضها هنا للبيع»، بهذه الكلمات بدأ كمال (27 سنة)، وهو تاجر ملابس في الرباط، حديثه. ويضيف كمال «خلال شهر رمضان ومع اقتراب موسم الأعياد تنتعش تجارة الملابس التقليدية، وتكسب زبائن جدداً تفرض عليهم العادة المغربية وعرف الثقافة المحلية وتقاليدها أن يتزينوا خلال شهر رمضان وعند حلول العيد بارتداء الجلاليب، التي يقضي الصناع شهر رمضان كاملاً في حياكتها وتجهيزها». وتتنافس النساء في حياكة أفضل وأشهر أنواع تلك الأزياء وتطريزها بخيوط فاخرة منها المذهبة والفضية، وأخرى بألوان شتى، كما تتنوع الأثواب التي تختارها النسوة لصناعة القفطان المغربي بحسب قدراتهن المادية وأذواقهن. وبرغم أن الجلباب والقفطان المغربي هو زي تقليدي مغربي صرف، بل إن المغاربة يعدونه بطاقة هوية يعرفون بها أنفسهم أمام الثقافات والشعوب العربية والإسلامية الأخرى. وفي كل جهة من جهات البلاد تكتسب هذه الملابس طابعاً مميزاً بالنظر إلى أنواع الأقمشة المستعملة والأساليب المختلفة المعتمدة في تطريزها. وفي بعض المناطق ترسم النساء على الملابس التقليدية رموزاً تدل على تراث المنطقة وموروثها الذي يميزها عن باقي مدن البلاد، خاصة في المناطق التي تنتشر بها القبائل الأمازيغية بشكل واسع. ويعتبر القفطان لباساً يميز المرأة المغربية منذ القدم، فهي لا تحتاج إلى انتظار قدوم مناسبة دينية أو احتفال عائلي لارتدائها. وبرغم تسلل أنماط الحداثة المعاصرة إلى طرق وأشكال اللباس، إلا أنه لا يزال وسيلة تحافظ المغربيات من خلالها على صلة وصل مع التراث الحضاري. وقد فرضت أنماط الخياطة الحالية وصيحات الموضة الحديثة على هذا الزي التقليدي أن ينضبط لقواعدها العالمية، فتخلى عن الكثير من أصالته وطابعه المحلي الصرف، ليطوره الصناعيون والعارضون المغاربة، ويضيفوا إليه أشكالاً جديدة وتصميمات مختلفة، ألبسته طابع الأزياء العصرية. وجعلت منه صناعة تضاهي صناعة الأزياء العالمية، بل وخصصت له دور عرض ومهرجانات يقصدها المصممون من مختلف أنحاء العالم، ومن بينها مثلاً «مهرجان القفطان» الذي يقام في مدينة مراكش المغربية.