على الرغم من أن المحلات التجارية بالأقاليم الجنوبية للمملكة تغص بمختلف أنواع الملابس العصرية، إلا أن المواطن المغربي بالصحراء ما زال مرتبطا بلباسه الأصيل الذي ورثه أبا عن جد، وظل متمسكا بهذا النمط التقليدي في اللباس الذي يشكل بالنسبة إليه رمزا للشهامة والافتخار لا يفارقه أينما حل وحيثما ارتحل. "" ومن أشهر هذه الأزياء التي تجسد ارتباط ساكنة المناطق الجنوبية بهويتها وخصوصيتها السوسيو- ثقافية، "الدراعة" أو "الضراعة"، وهي عبارة عن ثوب فضفاض وناعم له فتحتان واسعتان على الجانبين ومخاط من أسفل طرفيه، وله جيب كبير على مستوى الصدر، وعادة ما يكون بأحد اللونين الأبيض أو الأزرق، كما يلبس تحتها سروالا فضفاضا وقميصا يخاط من نفس ثوب "الدراعة". ويفسر البعض وجود فتحتين على جانبي "الدراعة" بارتباط الإنسان الصحراوي بمعاني الحرية ورفضه لقيود اللباس العصري بحكم المؤثرات البيئية والتاريخية، إذ بإمكانه التحرك داخلها والقيام بأعماله اليومية بحرية واطمئنان، بينما يرى آخرون أن ظهور "الدراعة" بهذا الشكل يعود لاعتبارات صحية مرتبطة أساسا بفكرة مقاومة حرارة الشمس وتأثيراتها الجانبية. وتعرف محال بيع هذا النوع من الزي الرجالي رواجا ملحوظا، خاصة في الأعياد الدينية وخلال موسم الصيف الذي تكثر فيه الأعراس والمناسبات العائلية، ويعرف عودة أفراد الجالية المغربية الصحراوية المقيمة بالخارج، وتوافد السياح المغاربة على المنطقة. وتختلف أنواع "الدراعة" باختلاف جودة الثوب ونوع الخياطة والزركشة المستعملة في صناعتها، وتعتبر تلك المخاطة من ثوب "بزان" من الأنواع الأكثر شيوعا وتداولا، إلى جانب تلك المعروفة بدراعة "بلمان" نسبة إلى إسم الثوب المصبوغ باللون الأسود، وهو نوع قليل التداول في المناطق الجنوبية، ويمتلكه في الغالب الأشخاص الميسورون، بينما يطلق على نوع آخر إسم دراعة "باخة" نسبة إلى نوع الثوب الذي تخاط منه، بالإضافة إلى نوع آخر يسمى "الشكة" وهي دراعة رقيقة ترتدى عندما يكون الجو حارا. كما تختلف "الدراعة" باختلاف زمان استعمالها ومكانه، فدراعتا "بلمان" و"باخة"، مثلا، تخاطان باليد ومرتبطتان أساسا بلحظات زمنية معينة، إذ لا يرتديها سوى أعيان القبيلة وشيوخها خاصة في المناسبات الكبرى كالأعراس والأعياد، بينما نجد الإنسان الصحراوي عند ممارسته للأعمال اليومية يرتدي الدراعة العادية ولا سيما أثناء الرعي والقيام بأنشطة الكسب. ويقول محمد بريكي (63 سنة)، أحد الصناع التقليديين، إنه يتعاطى لحرفة خياطة الزي التقليدي بكلميم (باب الصحراء) منذ أزيد من 31 سنة، وإن مختلف الأثواب التي تصنع منها "الدراعة" غالبا ما يتم جلبها من الصين وألمانيا وتشيكيا وسلوفاكيا وفرنسا عبر موريتانيا، وتختلف أثمنتها باختلاف جودتها التى تتراوح بين 25 و120 درهما للمتر الواحد . ولا يزال هذا الصانع يحتفظ بأول آلة لخياطة "الدراعة" استعملت بمدينة كلميم سنة 1982، حيث تمكن عشرات الصناع من تعلم فنون الخياطة باستعمالها وبمساعدة حرفيين يتقنون هذا الفن، والذين يتجاوز عددهم حاليا 200 خياط موزعين على مناطق متفرقة من المدينة وخاصة في شارع موريتانيا وشارع الواد وساحة الشهداء.... ولم تعد خياطة "الدراعة" - يضيف محمد - تقتصر على نوع أو نوعين بل توجد عشرات الأشكال من الخياطة والطرز، وتخضع لإبداع الصانع ورغبة الزبون، وتتطلب نوعا من الدقة والمهارة العاليتين، كما أنها تحتاج إلى آلات خاصة تستورد من الخارج. وليست "الدراعة" وحدها ما يرمز للباس الصحراوي بل توجد مجموعة أخرى من الأزياء التقليدية التي تصنع بالأقاليم الجنوبية، ولاسيما بمدينة كلميم ومن بينها "الدراعية" و"الفوقية" و"الجبادور"، بالإضافة إلى "الملحفة" وهي اللباس الذي تتميز به المرأة الصحراوية عن غيرها.