ينتظر العديد من المتتبعين للشأن الصحي في المغرب ما سيؤول إليه أمر مصادقة البرلمان على تغيير القانون رقم 10-94 المنظم لممارسة الطب في المغرب، الذي صادقت عليه الحكومة الأسبوع الماضي ويعتبر رأي البرلمان حاسما في مسار طويل من الجدل والمفاوضات حول نصوص هذا الإطار القانوني. وتراهن وزارة الصحة، حسب تصريحات متفرقة للوزير الحسين الوردي، على أن يساهم المشروع "في الرفع من جودة الخدمة المقدمة في المصحات، وخدمة مصلحة المواطنين وحقهم في الصحة، وضمان المساواة في توفير الخدمات الصحية في القطاع الخاص، مع رفض الاحتكار الذي يؤدي إلى الرفع من أسعار الخدمات المقدمة في المصحات الخاصة". وتعتبر المادة 85 من مشروع القانون الأكثر إثارة لحفيظة مجموعة من الأطباء، يرون أن مضمونها يتناقض مع ما هو منصوص عليه في المادة 2 من مشروع القانون نفسه. وتشير المادة الثانية من مشروع القانون إلى أن "مهنة الطب لا يجوز بأي حال من الأحوال وبأي صفة من الصفات أن تمارس باعتبارها نشاطا تجاريا، يزاولها الطبيب مجردا من كل تأثير، وازعه فيها علمه ومعرفته وضميره وأخلاقه المهنية، ويجب عليه مزاولتها في جميع الحالات في احترام تام للأخلاق، بعيدا عن أي تمييز، كيفما كانت طبيعته، خاصة ما ارتبط بالسن أو الجنس أو الأصل أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية أو معتقدات المرضى الذين يعالجهم أو الجماعة المسؤول عنها". أما المادة 58 من المشروع، فتنص على أنه "يمكن حيازة المصحة من قبل شخص ذاتي، شريطة أن يكون طبيبة أو طبيبا، ومن قبل مجموعة من الأطباء، أو شركة تجارية، أو شخص معنوي خاضع للقانون الخاص، لا يهدف إلى الحصول على الربح. ويمنع على أي مؤسسة مسيرة للتأمين الصحي الإجباري إحداث أو إدارة مصحة أو مؤسسة مماثلة لها". 1- إذا كانت المصحة في ملكية طبيبة أو طبيب أو مجموعة منهم، يجب أن يكونوا كلهم مقيدين بجدول هيأة الطبيبات والأطباء الممارسين بالقطاع الخاص، ويمكنهم أن يؤسسوا في ما بينهم إما جمعيات أو شركات مدنية مهنية تجري عليها أحكام ظهير 12غشت 1913، بمثابة قانون الالتزامات والعقود وإما شركات تخضع للقانون التجاري. وإذا كانت المصحة يمتلكها طبيب واحد فقط، جاز له تأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة بمساهم واحد. وفي هذه الحالة، يمكنه الجمع بين وظيفتي المسير والمدير الطبي. 2- إذا كانت المصحة في ملكية شركة مكونة من غير الأطباء أو تجمع بين أطباء وغيرهم، تناط مسؤولية الإدارة الطبية بطبيب مقيد في جدول هيأة أطباء القطاع الخاص. 3- إذا كانت المصحة في ملكية شخص معنوي خاضع للقانون الخاص ولا يهدف إلى الحصول على الربح فإن مسؤولية الإدارة الطبية تناط بطبيبة أو طبيب مقيد بجدول هيأة الطبيبات والأطباء المزاولين بالقطاع الخاص". علي لطفي: فتح رأسمال المصحات لا يخالف القوانين يرى علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، أن قانون ممارسة مهنة الطب بصيغته الحالية لا يتعارض مع أي قانون مغربي بخصوص فتح الرأسمال الخاص في وجه غير الممارسين لمهنة الطب، وهو ما يفيد أحقية غير الأطباء للاستثمار في قطاع الصحة بالقطاع الخاص، سواء من قبل المستثمرين أو الشركات أو المؤسسات البنكية. واستدل لطفي بوجود مستشفى الشيخ زايد، واقتراب الإعلان عن تأسيس مستشفى الشيخ خليفة بالدارالبيضاء، واعتبره "أمرا إيجابيا، سينهي اقتصار بناء المؤسسات والمصحات الخاصة على المدن الكبيرة، وبالتالي الرفع من فرص ولوج المواطنين إلى خدمات صحية أكثر جودة". ونفى لطفي أن يكون لفتح رأسمال المصحات أي ضرر على المواطن الذي يتوفر على تأمين صحي، إذا اعتمدت تعرفة مرجعية مقبولة اجتماعيا، وتلائم القدرات الشرائية للمواطنين، موضحا أن هذا النوع من العرض الصحي سيكون موجها للطبقة الوسطى والأغنياء. مقابل ذلك، شدد لطفي على "ضرورة تدخل الدولة لحماية حق المرضى المعوزين والفقراء، في ظل الوضعية المتردية للمستشفيات، وغياب تغطية اجتماعية مجالية حقيقية، من خلال الاستمرار في تحمل عبء تكلفة العلاج، باعتبار أن ذلك يشكل حقا من حقوقهم الأساسية". وأوصى برفع ميزانية وزارة الصحة الموجهة للقطاع العام لتأهيله وتحسين مردوديته، في إطار تكافؤ الفرص بين المواطنين في الولوج إلى العلاجات. ويرى لطفي أن تشجيع الاستثمار في القطاع الصحي الخاص، وفق دفتر تحملات واضح، يأخد بعين الاعتبار خصوصية القطاع، التي تمنع المتاجرة والمنافسة المالية، والربح السريع وبطرق غير مشروعة، سيسمح بخلق فرص شغل كبيرة للأطباء والممرضين والتقنيين. سعد أكومي: كان من الأجدى تطبيق شراكة بين القطاعين الخاص والعام من جهته، عبر سعد أكومي، رئيس المجمع النقابي الوطني للأطباء الاختصاصيين في القطاع الخاص، عن رفضه لفرضية أن فتح الرأسمال غير الطبي في النظام الصحي سيمكن المعوزين من الولوج إلى العلاجات. واعتبر أكومي هذا الكلام "خاطئا، ويرمي إلى استمالة المواطن البسيط إلى الموافقة على القانون"، مبينا أن "المواطن المعوز لن تتاح له إمكانات الولوج إلى الخدمات الصحية في القطاع الخاص، خصوصا في المدن الصغرى والنائية". وذكر أكومي أنه كان من الضروري على وزارة الصحة تطبيق اتفاقية الشراكة الموقعة بين القطاع الخاص والقطاع العام، منذ 6 سنوات، إذ تعهد القطاع الخاص بتقديم خدمات صحية، بأتعاب لا تتجاوز 40 درهما، وأنه "كان من الضروري توفير خريطة صحية في المغرب، وتأسيس مجلس أعلى للصحة وللأخلاقيات وللمراقبة الجهوية، وتدارس إمكانات تجاوز مشاكل القطاع العام مع القطاع الخاص. واعتبر أكومي أن "القانون الجديد سيحول الطبيب، رئيس الفرقة الصحية في المؤسسات الصحية الخاصة الجديدة، إلى إطار يخضع لضغوطات متنوعة من قبل المستثمر الذي سيكون هاجسه الأول والوحيد هو الربح. وقال إن الوزارة لا تتوفر على إمكانات، وتعاني نقصا كبيرا في تدبير المستشفيات العمومية، وأن لجوءها إلى هذه الوسيلة ما هو إلا طريقة لوجود ضغوطات من قبل رؤوس الأموال الكبيرة، ولتجاوز العجز عن تدبير القطاع".