حين كان سكان قريتي "أنمزي" و"تيميشا"، بمنطقة تونفيت التابعة لعمالة ميدلت، يتحينون نيل نصيبهم من المساعدات التي تجلبها الجمعيات المدنية لغيرهما من القرى المجاورة، لم يجدوا ما يلفتون به اهتمام هذه الجمعيات ولا السلطات المحلية وذلك بسبب حدة العوز الذي يكابدونه، فكانت زيارة "المغربية" للقريتين، بإيعاز من بعض أبنائها، بمثابة بزوغ فجر أمل جديد، إن لم يخلصهم من معاناتهم الاجتماعية المريرة، فهو على الأقل سيلفت انتباه المعنيين وبعض وسائل الإعلام إلى واقع هؤلاء العصي على التحمل. وبين مراع محاصرة بالثلوج تسيجها أشجار الصفصاف المانعة لتدفق سيول الوديان بغزارة، تتقيد الأحلام البسيطة لسكان "أنمزي" و"تيميشا" بصمت المعنيين بالشأن المحلي. فلم يكن هناك ما يثير رجة بين الناس حتى تخرج القريتان من سكونهما، ومن فقرهما المدقع، غير أن الروبوطاج الذي نشرته "المغربية" حول "أنمزي" و"تيمشيا"، في العدد الصادر يوم 3 يناير الماضي، ورصدت فيه مشاهد من حياة بئيسة لهؤلاء، دفع طاقم القناة الأولى للانتقال إلى هناك، حيث كثافة الثلوج في مقدمة الطريق الوعرة كافية لليقين أن حياة هؤلاء شاقة ومضنية. قاد الفضول طاقم القناة إلى منطقة تونفيت، بتساؤلات حول صحة ما جاء في جريدة "المغربية"، ولأن فصولا من معاناة اجتماعية ونفسية أوردتها في الربورطاج، كانت أشبه ب"المبالغة في التعبير" في نظر الطاقم، حسب رواية بعض السكان في اتصال مع "المغربية"، فضلوا الاطلاع عن كثب على حقيقة ما يجري خلف مرتفعات السلسلتين الجبليتين، (العياشي 3757 مترا، والمعسكر3277 مترا)، حيث منطقة تونفيت، التي تنتمي إليها القريتان على علو 2276 مترا. وعبر طريق غير مشجعة على السير، ومن خلال انعطافات خفيفة تستدعي الحذر، كانت هناك منعرجات تقود من تونفيت إلى قرية "أنمزي" بحوالي 60 كيلومترا، ثم إلى قرية "تامالوت" بحوالي 3 كيلومترات، تشتد وعورة في اتجاه طريق متفرعة نحو "تيمشيا"، وصلت "المغربية" إلى القريتين، كما وصل إليها طاقم القناة الأولى، غير أن الشك من قبل الطاقم في أن تكون القريتان تفتقران إلى المسالك المعبدة والكهرباء والمراكز الصحية والاجتماعية، إلى جانب انغلاق جماعة "أنمزي"،، تحول إلى يقين واضح، بمجرد رجوعه من قرية "أنفكو"، التي تبعد بعض كيلومترات عن القريتين، والمكوث ب"أنمزي" مساء، حيث الظلام حالك والبرد شديد، والثلوج كثيفة، وأناس معوزون، فاضطر الطاقم إلى الاستعانة بضوء الشمع، بعدما عزم على العشاء بالقرية، ليتبين أن سكان "أنمزي" فعلا يعيشون مأساة مثلما عبرت عنها "المغربية" بتجرد ومعاينة للواقع لمدة ثلاثة أيام، في حين، أن وصول الطاقم ل"تيميشا" لم يكن ممكنا لغياب المسالك والممرات، وهي القرية الأشد معاناة مقارنة مع غيرها، وزيارة طاقم القناة ل"أنمزي" المفتقدة للإنارة العمومية والمرافق أبسط دليل على ما يتوارى من قصص إنسانية صعبة بين التلال والمرتفعات. إن "تيميشا" قرية فقيرة للغاية، لا إنارة عمومية ولا كهرباء في البيوتات الصغيرة، وسكانها يعتمدون "فتيلة" الزيت والشمع وقنينات الغاز، للإضاءة، فيستهلكوها بتحفظ لضعف الإمكانيات المادية. أما قرية "أنمزي" فتحتضن مقر الجماعة، كما تحتضن مركزا صحيا ومركزا اجتماعيا وثقافيا، لكنها مجرد بنايات قابعة في قلب القرية دون جدوى، وسكان هاتين القريتين يعتبرون إنشاء دورات المياه ومجاري الصرف الصحي من الانتظارات المؤجلة بالنسبة لهم، لأن الحصول على لقمة عيش يومي وحطب تدفئة من الأولويات، التي تجعلهم يتحسرون عليها، كلما مرت قوافل المساعدات بجوارهم، دون أن يكون لهم فيها نصيب.