بعيدا في المرتفعات بجبال الأطلس الكبير الشرقي، حيث تتوزع قرى بقيادة تونفيت، التابعة لإقليم ميدلت وفي طريق تقود إلى قرية "أنمزي" بحوالي 60 كيلومترا، ثم إلى قرية "تامالوت" بحوالي 3 كيلومترات، هناك طريق متفرعة أخرى تؤدي إلى "تيميشا"، التي تبعد عن "أنمزي" بحوالي 5 كيلومترات. "تيميشا" القرية التي تعيش في ظلام دامس، تزداد حلكة الحياة معه في غياب المسالك والممرات المعبدة، وكذا انعدام المرافق الاجتماعية والصحية، وحصار السكان في مرات عديدة وسط الثلوج بمنأى عن الإغاثة. تدعمها أحيانا تدخلات القرى المجاورة، هي كل ما يتأتى لحوالي 25 منزلا ب"تيميشا"، للخلاص من تطويق الثلوج لحياتهم المحصورة في أنشطة بسيطة، لا تتعدى الحطب اليومي من أشجار الأرز والبلوط الأخضر (الكروش). الجو بارد للغاية أثناء زيارة "المغربية" لقرية "تيميشا"، لا مجال للاحتماء منه إلا بالهرولة داخل بيت تتوسطه مدفئة. وقبل الإسراع إلى التدفئة، كان لابد من تفقد أرجاء قرية "تيميشا"، التي يخيم عليها هدوء غريب، جعل الزيارة هدفا لفضول غير مجرد من التعاطف، لسبر مشاهد من ظروف قاسية على السكان. بيوت مزروعة على تلة مرتفعة، وبين كل بيت مساحة باعدت بينها، على نحو جعل مشهد القرية متفرعا على الجهات المحيطة بها، وفي ذلك التوزيع الاعتباطي للمنازل الصغيرة والمحدودة العدد، تبدو "تيميشا" قرية مفقودة وسط المرتفعات، التي تحجب الرؤية عنها كلما تقدم السير منها، إلى مسافة ليست طويلة. وعندما ينجح الزائر في مواصلة التجول بين بيوت "تيميشا" لشدة البرد، يوقن أنه بقدر ما تتصلب الثلوج المنتشرة في كل الجوانب، بقدر ما تتضخم معاناة السكان مع الفقر، فلا أمل في قرية ليس بها كهرباء أو مسلك معبد، سكانها مازالوا يعولون على "فتيلة" الزيت والشمع وقنينات الغاز لخلق الإنارة المقيدة بموعد المساء. كانت وجوه السكان المتحدثة ل"المغربية" تنم عن حكايات إنسانية، لم تسمح لغتهم الأمازيغية أن تفصح بتفاصيل كثيرة عما يكابدونه، غير أن نظراتهم الحزينة وإيماءاتهم الحائرة، وهمهمات الضيق، كشفت إلى حد كبير الواقع المرير ل"تيميشا"، من تجليات مآس متوارثة في هذه القرية التي سميت ب"تيميشا"، استنادا إلى الحجر الأبيض المنتشر بالمنطقة، وقد اعتمده سكان القرية قديما في إيقاد النار بعد الاستعانة بخشب مستخرج من الأرض ومشبع بمادة قابلة للاشتعال. و"تيميشا" اليوم، بسكانها العاجزين عن رد الفقر، مثلما هم بعيدون عن الخدمات الاجتماعية والصحية التي تحظى بها بعض القرى المجاورة، يتحينون أن تصلهم "أنوار" المساعدات والمعونات، وترفع عنهم الشعور بالإهمال، وراء مرتفعات لا تدل عليها حتى لوحات التشوير المنغرسة في الطريق من تونفيت.