تأكيدا لما نشرته "المغربية" في عدد أمس الخميس، أعلنت الشركة الوطنية للاستثمار أن حصتها في رأسمال كوزيمار أضحت تحت عتبة 10 في المائة، مضيفة أنها تعتزم تفويت باقي حصصها في بورصة الدارالبيضاء. وباتت كوزيمار من خلال هذه العملية تحت إشراف تحالف من المساهمين يضم كلا من العملاق الآسيوي "ويلمار" وكونسورسيوم من المستثمرين المؤسساتيين المغاربة. وبتخلي الشركة الوطنية للاستثمار عن بعض الأصول تؤكد مواصلتها لسياستها القائمة على تركيزها على الاستثمارات البعيدة المدى عوض الأغلبية في التجمعات المتعددة المهن في عهد أومنيوم شمال إفريقيا "أونا". علاوة على نجاحها التقني، فإن إعادة هيكلة الشركة الوطنية للاستثمارات تبرز الثقافة الجديدة لتدبير مساهمات الهولدينغ، الذي يطلق عليه اسم الهولدينغ الملكي، كما يريد ذلك مالكوها: التفويت لفائدة القطاع الخاص المقاولات الناضجة من أجل ضمان شراكة متوازنة بين الرواد الدوليين والمؤسسات المغربية، مع ضمان الحفاظ على الدور الأساسي للفاعلين الوطنيين في إطار حكامة المقاولات ذات المنتوجات الاستراتيجية، إلى جانب المساهمة في ظهور أبطال وطنيين في قطاع الاستثمارات على المدى البعيد، والمساهمة، أيضا، في تفعيل دينامية بورصة الدارالبيضاء من خلال التفويت التدريجي للحصص في السوق المالي. وتشهد الشركة الوطنية للاستثمار متابعة عن قرب من قبل المراقبين، على اعتبار أن العائلة الملكية تمتلك أغلبية حصصها، وتعتمد استراتيجية تواصلية رصينة، وتبقى واحدة من بين الفاعلين المعدودين على رؤوس الأصابع، الذين يقولون ما يفعلون، ويطبقون ما يقولونه، وفي هذا السياق يفترض قراءة البلاغ، الذي أعلن عن التقليص الجديد لحصصها في رأسمال كوزيمار. إن هذه الشركة القابضة تستمر بشكل دقيق في عملية واسعة لإعادة الهيكلة التي انطلقت في مارس من سنة 2010. وهكذا، تواصل الشركة الوطنية للاستثمار تحولها، بتفويتها لبعض المقاولات الكبرى التي كانت تملك أغلبية حصصها، لتمر بذلك من موقع الفاعل الصناعي الرائد والمسير للمقاولة، إلى مستثمر على المدى الطويل يملك أقلية من الأسهم، كما أنها تنخرط إذا لزم الأمر ذلك، في إقامة شراكات بين الفاعلين الدوليين والمستثمرين المؤسساتيين المغاربة، وهكذا يبرز بجلاء كبير أن الشركة الوطنية للاستثمار تتحول وتغير في الآن ذاته تركيبة الرأسمال المغربي، بجعله منفتحا على المجال الدولي، وديناميا، ومتفاعلا مع قطاعات مختلفة. وارتكزت العملية الجديدة للشركة الوطنية للاستثمار، المعلن عنها يوم 22 يناير الجاري، على تفويت حصة كبيرة من أسهم كوزيمار (أزيد من مليون سهم) لفائدة مجموعة من المستثمرين المؤسساتيين من بينهم أكسا للتأمينات، والشركة المركزية لإعادة التأمين، وصندوق الإيداع والتدبير، والصندوق المغربي للتقاعد، ووفا للتدبير، إلى جانب أحد المدبرين الماليين من جنوب إفريقيا، ولم تعد الشركة الوطنية للاستثمار من خلال هذا التفويت تملك سوى 9.16 في المائة من رأسمال كوزيمار، وهذه الحصة سيتم بيعها بدورها قريبا ببورصة الدارالبيضاء لفائدة مدخرين ذاتيين. إشعاع كوزيمار التي أضحت رائدا جهويا في القطاع المدمج للسكر، مرده إلى الاستثمار الصناعي للشركة الوطنية للاستثمار التي قامت بتصحيح وضعية الشركة ثم دعمتها بأربع مقاولات تعمل في السكر، كانت مهددة عشر سنوات من قبل. وعكس الاستثمارات المضاربة والبحث عن الربح السريع، يمكن القول ان الشركة الوطنية للاستثمار أعطت لكوزيمار آلية صناعية عصرية مكنتها من تطوير قطاع السكر يضمن موردا منتظما لشبكة واسعة من المنتجين الصغار. وكانت الشركة الوطنية للاستثمار أعلنت يوم 15 أبريل 2013 عن اتفاق لبيع 27,5 في المائة من حصتها في رأسمال كوزيمار إلى ويلمار، أول مجموعة آسيوية متخصصة في الصناعة الغذائية، ما أدى إلى الخشية من أن تتحول هذه الجوهرة الصناعية المغربية بصفة نهائية تحت الرقابة الأجنبية. رغم أنه في البلاغ الصحفي أعلنت الشركة بوضوح عن عزمها "تشكيل مجموعة مستثمرين مؤسساتيين لدعم "ويلمار" من أجل تكوين نواة أغلبية جديدة لكوزيمار". وتخضع كوزيمار حاليا لرقابة كتلة من المساهمين يملكون 54,0 في المائة من الرأسمال الشركة. وقد بلورت هذه الكتلة ميثاقا للمساهمين بغية وضع إجراءات للحكامة المتوازنة والمتبادلة بين ويلمار أنترناسيونال والمستثمرين المؤسساتيين المغاربة. وتعد علامة كوزيمار واحدة من رواد الصناعة المغربية ومن خلال هذه العملية ستدشن لمرحلة جديدة في تاريخها الذي يزيد عن 80 سنة، وستتطلع إلى آفاق جديدة على المستوى الجهوي والإفريقي والدولي، تحت قيادة ويلمار العملاق الآسيوي الذي يتقدم لاحتلال الريادة العالمية، وبمشاركة فاعلة لشبكة من المساهمين المغاربة الذين سينضاف إليهم حاملو الأسهم الصغار ببورصة الدارالبيضاء. هذه النتيجة المتوخاة هي معاكسة لعمليات التفويت التي غالبا تواكبها في معظم الأحيان مآس اجتماعية تشكل عناوين الجرائد، حيث أن التشكيلة الجديدة للمساهمين تمثل بكل المعايير فرصة للنجاح الأكيد وللتطور الكبير الذي ستشهده كوزيمار.