تحل غدا السبت وبعد غد الأحد (سابع وثامن دجنبر الجاري)، الذكرى 61 لانتفاضة الدارالبيضاء، التي اندلعت تضامنا مع الشعب التونسي الشقيق، بعد أن امتدت أيدي الاستعمار الفرنسي لاغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد، يوم 5 دجنبر 1952 وهي الانتفاضة التي جسدت عمق البعد المغاربي، الذي خاضه العرش والشعب من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية والوحدة، والوفاء للمثل والمبادئ والمقومات التي تشكل الوجدان المغاربي. وفي خضم هذه الأحداث، حاصرت القوات الاستعمارية العمال المتجمعين بمقر المركزية النقابية بالدارالبيضاء للتنديد باغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد، وعرضتهم لشتى أنواع التنكيل والتعذيب، واعتقلت المئات منهم وزجت بهم في غياهب السجون، وسخرت عصاباتها المدججة بمختلف أنواع الأسلحة لمواجهة المتظاهرين العزل، والبطش بهم، ومهاجمة مواكب جنائز الشهداء وجثامينهم الطاهرة في تحد سافر وخرق لأبسط مقومات التمدن والمجردة من كل المثل الإنسانية والأخلاقية. مرت على هذه الأحداث البطولية 61 سنة، وكلما تم استحضارها عادت إلى الذاكرة صور ومظاهر التضامن القوي والتلاحم الوثيق بين الأشقاء بالمغرب العربي، وتآزرهم واتحادهم في مواجهة الشدائد ومقارعة النوائب، إدراكا منهم لأهمية الكفاح المشترك كأداة لحماية مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية، وإيمانا من الشعوب المغاربية التواقة إلى التحرر والانعتاق بوحدة المصير، واقتناعها الراسخ بأن قوتها تكمن في تكتل مكوناتها والتنسيق بين أقطارها. وقالت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ توصلت "المغربية" بنسخة منه، إن القوى الوطنية والفعاليات النقابية لم تستكن أمام حجم الفاجعة أو تتقهقر بفعل هول المصاب، بل إن اغتيال المناضل فرحات حشاد كان بمثابة النقطة، التي أفاضت كأس الاستياء في الأوساط الشعبية الناقمة جراء الفظاعات التي يرتكبها المحتل الأجنبي في حق السكان من اغتصاب للأراضي، وهتك للأعراض، وتشريد للأسر واعتقال للمناهضين لسياسته ومصادرة للحريات. وأشارت إلى أن الجماهير دفعت ثمن انتفاضاتها واحتجاجاتها، فكانت الحصيلة كارثية بسقوط عشرات الضحايا الأبرياء برصاص "البوليس الاستعماري"، غير أن هذه الأحداث لم تكن إلا حافزا لتجذير الحس الوطني ودعم البعد النضالي في صفوف الجماهير الشعبية، وترسيخ العمل النقابي وتنظيمه، وتوسيع دائرة ممارسته كآلية لنشر الوعي السياسي والتحريض على مقاومة المستعمر، وتكلل هذا المسار التحرري بتولي عدد من الأقطاب المتمرسين بالحركة النقابية قيادة الكفاح المسلح ضد المستعمر عند اندلاع ثورة الملك والشعب. وتجمع مختلف المصادر أن الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد نذر حياته للنضال في سبيل إرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتثبيت الحقوق النقابية والسياسية، وضمان ممارستها بالمنطقة المغاربية، وتأسيس اتحادات وتكتلات نقابية شهيرة، وانفتاحه على العالم الخارجي ومد جسور التواصل مع التنظيمات النقابية الكبرى إلى الحد الذي أصبح معه مصدر إزعاج للسلطات الفرنسية التي قررت الحد من طموحات هذه الشخصية الفذة القوية بنضالها وديناميتها وإيمانها وإشعاعها ووزنها ومكانتها على الساحة النقابية محليا وجهويا وقاريا وعالميا. وأبرزت المندوبية السامية أن الإرهاب الاستعماري ترصد لهذا الوطني الشهم، صباح يوم 5 دجنبر 1952، في محاولة منه لإخماد أنفاسه متوهما خطأ، أنه بجريمته النكراء تلك سيتمكن من وضع حد لروح الوطنية والأفكار التحررية بالمنطقة المغاربية التي اهتزت شعوبها لهذا الفعل الشنيع، فعمت المظاهرات والانتفاضات ومظاهر الاستنكار ربوع التراب المغاربي، واندفعت الجماهير غير مبالية بقوة المستعمر ووسائل ترهيبه وآليات قمعه ملتحمة على درب النضال ومسجلة أروع صور التضامن والتكافل والوفاء للأواصر الوطيدة والوشائج القوية التي تجمع بين الأشقاء والنابعة من قيم الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك والمصير الواحد. وتعد هذه الذكرى مناسبة لاستحضار الآمال، التي ظلت الشعوب المغاربية تتطلع إليها، منذ عدة عقود بتحقيق الوحدة والتكامل، والتي بقيت مجرد مشروع يتأجل باستمرار جراء نزاعات هامشية مفتعلة أو أطماع لفرض الهيمنة والتوسع. وأشارت المندوبية إلى أن المغرب، الذي ظل دائما قلعة شامخة للجهاد وعرينا محصنا للمقاومة والنضال ليجدد استعداده على التعاضد والتضامن مع الأشقاء في أفق بناء الوحدة المغاربية، والسعي لتدارك السنوات الضائعة والنزاعات المجانية، التي ظلت تقف حجر عثرة في وجه إقلاع اقتصادي حقيقي بمنطقة المغرب العربي، مبرزة أهمية صيانة الذاكرة التاريخية المشتركة وتوسيع إشعاعها واستلهام قيمها وعبرها بما يشحذ الهمم ويقوي العزائم ويوطد العلاقات والمصالح بين بلدانها الشقيقة.