تحل غدا السبت 5 دجنبر الذكرى 57 لاغتيال الزعيم النقابي التونسي المغاربي فرحات حشاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، والتي مثلت انعطافا أساسيا في تاريخ الحركة النقابية المغربية وحركة النضال من أجل الاستقلال، إذ شهدت الدارالبيضاء يومي 7و8 دجنبر أحداثا دامية اندلعت تضامنا مع الشعب التونسي، تعبيرا من الشعب المغربي عن الروح النضالية وقيم التضامن ومشاعر الوفاء التي جُبل عليها أبناؤه في مواجهة الاحتلال الأجنبي وحرصهم على الذود عن وحدة الأوطان، وكان لدعوة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال لشن إضراب تضامني الصدى الكبير في أوساط المواطنين المغاربة. لقد ترصد الارهاب الاستعماري لهذا الوطني صباح يوم 5 دجنبر 1952 وأخمد أنفاسه متوهما أنه بجريمته النكراء سيتمكن من توجيه ضربة قاصمة لروح الوطنية والأفكار التحررية بالمنطقة المغاربية التي اهتزت شعوبها لهذا الفعل الشنيع فعمت المظاهرات والانتفاضات ومظاهر الاستنكار حواضر وبوادي ربوع تراب المغرب العربي، واندفعت الجماهير غير مبالية بقوة المستعمر ووسائل ترهيبه وآليات قمعه ملتحمة على درب النضال مسجلة أروع صور التضامن والتكافل والوفاء للوشائج القوية التي تجمع بين الأشقاء والنابعة من قيم الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك. وقد حاصرت قوات الاستعمار العمال المتجمعين بمقر المركزية النقابية وعرضتهم لشتى أنواع التنكيل والتعذيب واعتقلت المئات منهم وزجت بهم في غياهب السجون وسخرت عصاباتها المدججة بمختلف أنواع الأسلحة لمواجهة المتظاهرين العزل والبطش بهم ومهاجمة مواكب جنائز الشهداء وجثامينهم الطاهرة في تحد سافر وخرق لأبسط مقومات التمدن والمجردة من كل المثل الإنسانية والأخلاقية. لقد انقضى على هذه الأحداث البطولية سبعة وخمسون سنة وكلما استحضرناها عادت إلى ذاكرتنا صور التضامن القوي والتلاحم الوثيق بين الأشقاء بالمغرب العربي وتآزرهم واتحادهم في مواجهة الشدائد إدراكا منهم لأهمية الكفاح المشترك كأداة لحماية مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية، وإيمانا من الشعوب المغاربية التواقة إلى التحرر والانعتاق بوحدة المصير واقتناعها الراسخ بأن قوتها تكمن في تكتل مكوناتها والتنسيق بين أقطارها، وقد دفعت الجماهير ثمن انتفاضاتها واحتجاجاتها، فكانت الحصيلة كارثية بسقوط عشرات الضحايات الأبرياء تحت رصاص البوليس الاستعماري، غير أن هذه الأحداث لم تكن إلا حافزا لتجذير الحس الوطني ودعم البعد النضالي في صفوف الجماهير الشعبية وترسيخ العمل النقابي وتنظيمه وتوسيع دائرة ممارسته كآلية لنشر الوعي السياسي والتحريض على مقاومة المستعمر، وقد تكلل هذا المسار التحرري بتولي عدد من الأقطاب المتمرسين بالحركة النقابية قيادة الكفاح المسلح ضد الاستعمار عند اندلاع ثورة الملك والشعب.