قطر: تطبيق اتفاق غزة يبدأ صباح يوم الأحد    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    الأمين العام لحزب الاستقلال يؤكد السعي إلى تصدر نتائج "انتخابات 2026"    "إف بي أي" يثمن ويشيد بتعاون المخابرات المغربية في قضية اعتقال "سليمان الأمريكي"    اغتيال قاضيين بالمحكمة العليا لإيران    "حماس" تعلق على "قوائم الرهائن"    يهم حكيمي.. سان جيرمان يزاحم ريال مدريد على صفقة كبرى    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    فريق المغرب التطواني يواصل سقوطه في البطولة الاحترافية    غياب المدرب و3 لاعبين عن الجيش الملكي قبل مواجهة صن داونز    بطولة الهواة تعود في شهر فبراير    طقس السبت.. الريف والأطلس على موعد مع الصقيع وتساقط الثلوج    الوزير بركة يعطي انطلاقة مشاريع تنموية كبرى بإقليم العرائش لتعزيز البنية التحتية والموارد المائية    أنفوغرافيك | جامعة محمد الخامس.. لوحدها تدخل تصنيف "كيو إس" لأفضل جامعات العالم في 2025    انقلاب شاحنة يكشف عن شحنة ضخمة من الحشيش    بطولة ألمانيا: البرتغالي بالينيا يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    المصارع المغربي علاوي بطل النسخة العربية الإفريقية من "محاربي الإمارات"    مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    بنك المغرب: حاجيات سيولة البنوك تبلغ نحو 136 مليار درهم خلال شهر دجنبر 2024    نهضة بركان يطرح تذاكر مواجهة ستيلينبوش الجنوب إفريقي    عاجل..العثور على أطنان من المخدرات إثر حادث انقلاب لشاحنة في الطريق السيار (فيديو)    ضبط شخصين يشتبه تورطهما في السياقة الخطيرة في ظروف تهدد سلامة الأشخاص والممتلكات    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    أفضل الوجهات السياحية في المغرب: دليل شامل لعام 2025    هل يفتح اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" أفقا للسلام الدائم؟    السياقة الاستعراضية توقف شخصين    نيناتي: أمتن لدعم الملك لتنمية ليبيريا    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    إتقان اللغة الأمازيغية.. من السلطان محمد الثالث إلى ولي العهد مولاي الحسن: إرث ثقافي مستمر    بلاغ لوزارة الخارجية المغربية يشيد ب "وقف القتال والهجمات على المدنيين" في غزة    إسرائيل تنشر قائمة بأسماء 95 معتقلا فلسطينيا ستفرج عنهم اعتبارا من الأحد    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بالأحمر    جنيف.. مطالبات بتسليط الضوء على ضحايا الاختفاء القسري في تندوف    شهادة تأمين "المسؤولية المدنية العشرية" أصبحت إجبارية للحصول على "رخصة السكن"    توقيف عنصر متطرف بتاوريرت يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم «داعش» الإرهابي    مجموعة مارتينيز أوتيرو الإسبانية تختار المغرب لفتح أول مصنع لها في الخارج    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    تخفيف ضريبي يرفع معاشات التقاعد    "أطاك" تنتقد لجوء الدولة إلى تكبيل الحق في ممارسة الإضراب    كوت ديفوار تجدد التأكيد على موقفها الثابت الداعم للوحدة الترابية ولمغربية الصحراء    الهند وباكستان في طليعة المستفيدين من التأشيرة الإلكترونية المغربية.. إصدار أزيد من 385 ألف تأشيرة منذ 2022    وفاة الممثل المصري فكري صادق بعد صراع مع المرض    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    ارتفاع أسعار النفط في ظل مخاوف بشأن المعروض    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'تاموسيدا'.. مدينة رومانية معزولة
تخلد لأحداث ما قبل التاريخ بالقنيطرة وتعيش اليوم التهميش والإهمال
نشر في الصحراء المغربية يوم 16 - 04 - 2013

يحمل موقع "تاموسيدا" الممتد على مساحة 24 هكتارا، والواقع بالضفة اليسرى لنهر سبو، شمال القنيطرة، تقاسيم خاصة في شكله الهندسي، وفي بقايا معالمه الأثرية، فهو يضمر تمازجا تاريخيا متنوعا باختلاف الحقب التي تعاقبت على جهة الغرب، لتنعكس تجلياتها في تلك البقايا الأثرية الثابتة على السطح، وفي اللقى الأثرية المنقولة.
فالسمة الرئيسية لموقع "تاموسيدا"، حسب ما كشفت عنه الحفريات القديمة، تَمتعه بحماية طبيعية ضد فيضانات نهر سبو، ما شجع على استيطان الإنسان بالموقع منذ فترة ما قبل التاريخ.
كما أنشئ بالموقع خلال العهد الروماني، "معسكر روماني"، وحمامات ومعابد ومبان خاصة، إلى جانب ميناء نهري، ومركز روماني للتموين، فكان ل"تاموسيدا" دورا عسكريا بارزا، حسب ما ذكره رشيد أغربي، محافظ موقعي "بناصا" وتاموسيدا"، أثناء مرافقته ل"المغربية"إلى الموقع، ما جعلها مدينة مأهولة بالجنود استطاعت أن تشكل حامية عسكرية رومانية قوية.
حالما يصل الزائر إلى موقع "تاموسيدا" المتواري عن الأنظار بفعل انعزاله، تنكشف تلك النصب الحجرية التي شيدت بفعل إنساني على نحو مميز وخاص، يعكس تلك الحضارات السابقة التي مازالت تجلياتها حاضرة، وإن أهملت معالمها لأسباب عديدة.
ربما يستدعي فهم الخصائص الأثرية لموقع "تاموسيدا"، إطلاق العنان للعقل، حتى يشكل تصورات ذهنية يخلقها الاستماع لشروحات باحث ودارس مختص، كما هو الأمر بالنسبة إلى رشيد أغربي، الذي يفصل في عرض معطيات تقود الزائر المتمعن في المعالم والمحسن للإصغاء، إلى التفاعل مع حضارات مجسدة الآن في بقايا أثرية، لتذوب تلك المعلومات الواردة عنه لمصلحة حاجة معرفية، لحضارات مضت في أزمنة قديمة.
إن الأعمال والصنائع ذات الصلة بالجذور والموروث تبقى حية، ربما تندرج في هذا الفهم، طبيعة المعالم التي يحتفظ بها موقع "تاموسيدا"، ليكون حضوره مستمرا، رغم اندثار أجزاء كثيرة من معطياته المعمارية، لتحذف معها تفاصيل وقائع وأحداث، حاول المؤرخون والباحثون الأثريون استرجاعها بالحفريات والقراءات المتعددة في الفرضيات التي تتداولها الروايات وترصدها بعض الشواهد الأثرية.
فموقع "تاموسيدا" حسب ما استشفته "المغربية" أثناء تجولها برفقة رشيد أغربي، هو مزيج بين إبداع معماري وبعد وظائفي، ورغم أن بعض المعالم أقبرت تحت سطح الأرض وبعضها تلاشى، وأخرى تجزأت، فإن الباقيات منها تؤثث لمدينة كانت تمتلك كل المقومات العمرانية بميزات خاصة، بل إن الغايات التي تأسست من أجلها كانت متنوعة، لتتباين معها طبيعة المباني، مثل "حمامات النهر" (الخاصة بالرجال والنساء) التي كانت وظائفها تجري اعتمادا على سيولة مياه "نهر سبو"، والمعسكر والمعابد ومخازن الحبوب والأفران، والبنايات ذات الطابع الاقتصادي، والأخرى ذات الطابع الاجتماعي، ثم ورشات الحرفيين وغيرها.
فهناك إيقاع حضاري تعكسه مدينة "تاموسيدا" التي يمكن نعتها ب"المدينة العسكرية الرومانية"، حسب ما استخلصته "المغربية" من إفادات أغربي المعمقة، وهذا الإيقاع يكمن في ذلك التكوين غير الحركي، لمعالم تستمد صمودها من مواد البناء الصلبة والمتينة، والمتناغمة مع عوامل الزمن والتعرية.
بعد أن يلغي الزائر نفسيا وذهنيا تلك الحدود الزمنية الفاصلة بين فترة "ما قبل التاريخ" و"التاريخ الراهن"، يجد نفسه أمام إيحاءات كثيرة من الدقة والإتقان الذي يؤمن له اتصالا مباشرا دون تكلف أوعناء مع معان إنسانية أبدعت في "آليات الحياة آنذاك"، وتأتي أهمية موقع "تاموسيدا"، من كونه إلى جانب المعاني المعمارية العميقة، مازال رغم الإهمال، يحتفظ بمعالم توثق لحقبات مهمة من "تاريخ الإنسانية"، قبل أن تندثر بشكل نهائي، إذا لم يتدخل المعنيون لإنصافها من الضياع التدريجي.
فالنزوع نحو التعبير عن القدرة الإنسانية في تكييف المعطيات الطبيعية والمقومات الجغرافية هو ما تمثله البقايا الأثرية لموقع "تاموسيدا" التي أطمر معظمها بعد أن كستها الأعشاب والطفيليات، ولم تترك منها غير أجزاء منتصبة يتبين طبيعتها وخصائصها المؤرخون للتاريخ والباحثون في علم الآثار، والدارسون والمهتمون به.
إن استنباط المعاني من هذه الشواهد الجامدة لموقع "تاموسيدا"، يستدعي المعاينة عن كثب، فلو أن الزائر العادي أراد الاستقصاء في شؤون ماضي هذه المدينة "الماقبل تاريخية"، لتعذر عليه ذلك، وهنا جاء دور رشيد أغربي الذي رافق "المغربية" قصد وضعها في وقائع الماضي بكل تجلياته وانعكاساته.
يرجع الفضل في التعرف على موقع "تاموسيدا" وتوطينه، حسب ما ذكره أغربي، إلى شارل تيسو منذ سنة 1874، الذي طابق بين خرائب "سيدي علي بن احمد" وموقع "تاموسيدا" الذي أشارت إليه النصوص القديمة، معتمدا في ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لمواقع أخرى على ما ورد في النصوص التاريخية من مسافات، فالموقع يوجد ما بين بناصا وسلا على مسافة تقارب 32 ميلا.
ورد اسم "تاموسيدا" في عدة نصوص قديمة منها "المسلك الأنطونيني" الذي وطنها على الطريق التي تربط أدميركوريوس وتينكي ولدى بطليموس، كما جرت الإشارة إليه لدى المؤلف الرافيني المجهول بصيغ تختلف حسب المخطوطات.
إحياء الماضي
إن استحضار الماضي وإحياءه، هو من بين الأهداف التي يسعى إليها المؤرخ، لهذا فإن "الشواهد الأثرية" كما هو الأمر بالنسبة لبقايا "تاموسيدا"، كان لابد أن تحيى من جديد وتنطق بوقائع الماضي، وهكذا شهد الموقع وفق ما أفاد به أغربي، بعض الحفريات المحدودة منذ سنة 1914، إلا أن الحفريات المنتظمة بالموقع لم تجر إلا ما بين سنة 1932 و1935 أعقبتها مواسم للحفر ما يين 1952 و1955 ثم ما بين 1959 و1962.
وأستأنفت الحفريات الأثرية بالموقع خلال سنة 1999 واستمرت إلى غاية 2006، في إطار برنامج للتعاون بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط وجامعة سيينا بإيطاليا.
ومكنت هذه الحفريات من التعرف على مستويات أثرية تؤرخ للقرن السادس قبل الميلاد ومن الكشف على بنايات جديدة، إذ استخدمت خلال هذه الحفريات المغربية – الإيطالية تقنيات حديثة في مجال التحريات الأثرية والرفوعات الهندسية.
ولأن لكل واقعة أو حدث آثار إلى الآن، لتبقى صورة من الصور إذا جرى البحث عنها، فإن الحفريات القديمة التي كانت بالموقع، أبانت عن بقايا منازل ترجع للفترة المورية وعدة أواني فخارية ترجع في غالبها للنصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد. و من خلال المعطيات الأثرية حول الحفريات الحديثة، يتضح أن الموقع عرف خلال الفترة الممتدة من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد، سكنا محليا يتميز في تقنيات بنائه باستعمال الآجور المجفف والتراب.
في منتصف القرن الأول ق.م كان سكان "تاموسيدا" على علاقات تجارية مع مدن من الساحل الأطلسي والمدن الموجودة بمجال مضيق جبل طارق على الضفة الأندلسية كقادس، وكذا مع إيطاليا حسب ما تؤكده مختلف أنواع الفخار والأمفورات.
واستمر التجمع السكني الموري في الوجود إلى حدود الغزو الروماني، إلا أن المعلومات حول هذه الفترة تبقى محدودة جدا ومتفرقة مما يحتم إجراء حفريات جديدة بالمستويات المورية وتعميق البحث والدراسة حول هذه الفترة، حسب ما أكده أغربي الذي كان يجول مع "المغربية"، لتوضيح طبيعة الشواهد الأثرية والوقائع الماضية، ثم القراءة فيها وطرح التساؤلات عنها، مادامت لم تنته الحفريات لتعرض أمام العيان مقتطفات مهمة من أزمنة قديمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.