بعد رحيل الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز إثر صراع طويل مع مرض السرطان٬ تستعد فنزويلا لدخول فصل جديد من تاريخها يظل مفتوحا على كل الاحتمالات إلى غاية إجراء انتخابات رئاسية جديدة سيكون لنتائجها الكلمة الفصل في تحديد معالم مستقبل البلاد داخليا وإقليميا ودوليا. هي تحديات كبيرة إذن تنتظر فنزويلا التي تودع يوم غد الجمعة واحدا من أبرز الوجوه السياسية التي طبعت تاريخ أمريكا اللاتينية المعاصر. رحل تشافيز وخلف وراءه إرثا سياسيا واجتماعيا وثقافيا راكمه على امتداد 14 سنة من الحكم٬ تبنى خلالها النظام الاشتراكي المستوحى من الثورة البوليفارية٬ وهو ما يجعل مهمة خلفه صعبة إن هو اختار أن يحيد على هذا النهج٬ أما وإن اختار أن يسير على درب الراحل فسيكون الطريق معبدا أمامه من أجل جعل "حلم اشتراكية القرن 21" واقعا يعيشه الفنزويليون. ثلاثون يوما تفصل فنزويلا عن مرحلة ما بعد تشافيز وفقا للمادة 233 من الدستور الفنزويلي التي تنص على تنظيم انتخابات جديدة في حال وفاة الرئيس٬ ولهذه الغاية تتجه الأنظار صوب وريثه السياسي٬ نيكولاس مادورو الذي اختاره تشافيز بنفسه ليحمل مشعل الثورة البوليفارية ودعا الفنزويليين إلى انتخابه رئيسا للبلاد في حال حدوث أي مكروه يحول بينه وبين الحكم "ستنتخبون مادورو إذا أردتم اتباع رغبتي"٬ هكذا خاطب تشافيز الفنزويليين في ما يشبه وصية حملها آخر خطاب له قبل التوجه في رحلة علاجية أخيرة إلى كوبا في الثامن من دجنبر الماضي. وفي هذا الصدد يرى المراقبون أن مادورو٬ الذي يتولى الآن بحكم الدستور إدارة المرحلة الانتقالية إلى غاية انتخاب رئيس جديد للبلاد٬ سيدفع في اتجاه تعزيز صورته أمام الفنزويليين كمرشح رئاسي يحمل تزكية القائد تشافيز ويمثل رغبة أرادها أن تتحقق. واعتبارا لأن وصية الزعيم الراحل ليس من السهل أن تمنحي من ذاكرة الفنزويليين بسرعة٬ فإن امكانية تحقيق هذه الرغبة٬ كما يرى المتتبعون٬ تبدو ممكنة جدا٬ لاسيما بعد أن أبدت المؤسسة العسكرية ولاءها لمادورو. وفي المقابل٬ تستعد المعارضة هذه المرة لتأكيد حضورها كقوة سياسية بديلة قادرة على قيادة فنزويلا لكن بطريقة مغايرة للنظام الحالي وذلك بتقديم المرشح الشاب (40 سنة) إنريكي كابريليس رادونسكي٬ الذي استطاع٬ رغم انهزامه٬ أن يحصل على نسبة 9ر44 بالمائة من الأصوات خلال الانتخابات الرئاسية الماضية٬ وهي أعلى نسبة تحصل عليها المعارضة أمام تشافيز. كابريليس المحامي ورجل الأعمال وحاكم ولاية ميراندا٬ إحدى أهم الولايات الفنزويلية٬ استطاع في الانتخابات الجهوية الأخيرة أن يهزم منافسا من العيار الثقيل٬ ألياس خاوا النائب السابق لرئيس الجمهورية ووزير الخارجية الحالي. لذلك يرى المتتبعون للشأن الفنزويلي أنه أمام كابريليس٬ الذي يعتبر الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا "ملهمه السياسي"٬ فرصة كبيرة للوصول إلى قصر ميرافلوريس الرئاسي بعد رحيل تشافيز الشخصية الكاريزمية التي تحطمت أمامها في مناسبات سابقة أحلام المعارضة في الامساك بزمام السلطة على رأس بلاد تمتلك أكبر الاحتياطيات العالمية من النفط. وبخصوص علاقات فنزويلا مع محيطها الإقليمي بعد رحيل تشافيز٬ فقد عبر قادة المنطقة عن استعداهم لمواصلة التعاون مع فنزويلا لتحقيق المشاريع التنموية والاقتصادية التي طالما دافع عنها الرئيس الراحل في إطار التكامل والاندماج بين مختلف دول أمريكا اللاتينية٬ القارة التي اتشحت بالسواد حزنا على رحيل زعيم سياسي كان من أشد المدافعين عن حلم الوحدة والسلام بين شعوب المنطقة٬ مسخرا في ذلك كل الإمكانات البترولية التي تتوفر عليها بلاده. غير أن رحيل تشافيز الذي "سيترك فراغا في قلب وتاريخ ونضالات أمريكا اللاتينية "٬ كما قالت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف٬ سيعيد بعثرة أوراق اليسار بأمريكا اللاتينية ويضطره إلى إعادة طرح أسئلة شائكة تتعلق بمن سيحمل بعد تشافيز شعلة الثورة البوليفارية. وفي أفق العلاقات الفنزويلية الأمريكية٬ يبدو أن زمن انقشاع الغيوم التي تلبد سماءها لم يحن بعد٬ إذ أنه في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن وفاة تشافيز الرافض طيلة فترة حكمه "للسياسة الإمبريالية الأمريكية"٬ قامت كراكاس بطرد مسؤولين عسكريين يعملان بالسفارة الأمريكية بتهمة "التآمر لزعزعة استقرار البلاد". واتهم مادورو "أعداء فنزويلا التاريخيين" بالتسبب في إصابة تشافيز بمرض السرطان? وقال إنه سيتم تشكيل لجنة علمية وأنه لا يشك في أنها ستكشف عن كون "تشافيز تعرض لهجوم بهذا المرض .. فالأعداء التاريخيون لهذه الأمة بحثوا عن طرق لإيذاء صحة قائدنا". وأضاف أن "تتبع مسارات عناصر أخرى أظهر أن هناك مخططا مسموما يسعى إلى إثارة الفوضى وإحداث اضطرابات وحرب إشاعات وأضرار اقتصادية بفنزويلا". وردا على موقف كراكاس٬ هددت واشنطن باللجوء إلى المعاملة بالمثل في حق الديبلوماسيين الفنزويليين وذلك طبقا لمعاهدة جنيف للعلاقات الديبلوماسية. غير أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما جدد تأكيد بلاده لدعمها لشعب فنزويلا واهتمامها بإقامة علاقات بناءة مع الحكومة الفنزويلية٬ مشددا على أنه مع بداية فصل جديد في تاريخ فنزويلا٬ فإن الولاياتالمتحدة تظل ملتزمة بالسياسات التي تعزز المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ويبقى أمام الفنزويليين ثلاثون يوما ليلملموا جراحهم بعد فقدان تشافيز ويستعدوا لتسليم مفاتيح ميرافلوريس إما لنيكولاس مادورو٬ وبالتالي يحققون رغبة الرئيس الراحل٬ أو لكابريليس رادونسكي لعله يجلب معه رياح التغيير نحو فنزويلا للتقدم على الشاكلة البرازيلية.