يعد واحدا من كبار رجال الفن التشكيلي والتصوير في العالم، فهو صاحب اللوحات النفسية، التي تحتفظ بها المتاحف الفرنسية المعروفة، وغيرها من متاحف العالم، خصوصا "لوكسمبرج"، و"سدني"، ولندن. ومن تلك اللوحات الشهيرة لوحة "غداة رمضان" الموجودة بمتحف باريس، والتي تدل على المقدرة الفنية الكبيرة في دقة التعبير عن الحالات النفسية المختلفة، كما يذكر النقاد. كان فنانا يتملكه شعور ديني، فامتزج فيه الفن بالدين، فكان مثالا واضحا للإنسان الملهم، غير أنه كان يستولي عليه شعور بالقلق والحيرة من الناحية الدينية. كان يفكر في لوحاته. كان يفكر في مصيره، بحث عن علاج لطبيعته الدينية القلقة في النصوص المقدسة، وفي العقائد، التي يدين بها الوسط المحيط به، فكر في المسيحية والكنيسة، أعاد قراءة الأناجيل من جديد محاولا جهده أن يراها تتسم بسمة الحق، فيؤمن بابن الله، لكنه رأى فيها ما يتنافى مع الصورة المثلى للإنسان الكامل، ليستقر به الحال بمدينة بوسعادةبالجزائر، حيث أعلن إسلامه سنة 1913، واختار اسم ناصر الدين. إنه ألفونس إتيان ديني، الذي ولد بباريس في 28 مارس 1861، من عائلة يرجع أصلها إلى مقاطعة "لوارييه". كان أبوه محاميا لدى محكمة "إلسان"، أما أمه لويز ماري أدل بوشيه، فكانت أيضا، بنت محام مشهور. بعد الدراسة الثانوية، التي توجت بحصوله على الباكالوريا من ثانوية هنري السادس بباريس، التحق بمدرسة الفنون الجميلة بباريس وبعد تخرجه، لقي عمله الأول "الأم كلوتيد" اهتماما كبيرا في أوساط النقاد في صالون باريس 1882، ويمثل هذا العمل صورة فلاحة مسنة بقبعتها البيضاء الخاصة بالنساء الريفيات، وفي عام 1883 حصل على لوحة الشرف من خلال لوحته "صخرة صاموا"، وفي سنة1884 عرض في صالون الفنانين الفرنسيين فحصل على ميدالية قصر الصناعات، وفي السنة نفسها، اقترحت عليه رحلة للجنوبالجزائري. كما حصل على الميدالية الذهبية في المعرض الدولي للفنون الجميلة، سنتي 1900 و1901، وساهم في إنشاء الاتحاد الفني لإفريقيا الشمالية.. زار جنوبالجزائر عام 1885، للمرة الثانية، مرورا بالأغواط، وورقلة، وسدراتة، وبوسعادة، حيث رسم هناك عدة لوحات، وفي عام 1889، تعرف على الشاب البوسعادي سليمان بن براهيم باعامر، الذي أصبح صديقه ومرشده، فكبرت بينهما الصداقة لفترة دامت أربعين عاما. في سنة 1905 قرر، الفنان ألفونس إتيان ديني، الاستقرار بمدينة بوسعادة، وكان يعيش في بيت متواضع حول، في ما بعد، إلى متحف سمي باسمه (متحف ناصر الدين ديني في حي الموامين ببوسعادة). وخلال إقامته هناك تأثر بالعادات والتقاليد المتبعة، إذ عرف الكثير عن الإسلام بحكم معايشته للبيئة الإسلامية، التي كانت سببا مباشرا في ثورته على المسيحية، ليتجه إلى الإسلام مستكشفا، ليصل بعد دراسة عميقة للقرآن، إلى اعتناق الإسلام باقتناع تام سنة 1913. ويختار اسم ناصر الدين، وفي هذا الصدد يقول "اعتناقي للإسلام ليس وليد الصدفة وإنما كان عن دراية واقتناع وبعد دراسة تاريخية ودينية معمقة لجميع الديانات لفترة طويلة". قوبل إسلامه بالنقد مع التهميش، أيضا، من خلال التقليل من قيمته، إذ وصفه الأوروبيون بخائن الغرب، خصوصا بعد توجهه إلى الدعوة، من خلال وضعه لعدة مؤلفات قيمة مثل "محمد رسول الله" بالاشتراك مع سليمان الجزائري، الذي ترجمه إلى العربية عبد الحليم محمود، و"أشعة خاصة بنور الإسلام" الذي ترجمه راشد رستم إلى العربية.. "والحج إلى بيت الله الحرام"، و"الشرق في نظر الغرب". في ماي 1929 وعن عمر يناهز 68 سنة، عزم ناصر الدين على إتمام دينه بالحج إلى مكةالمكرمة، رغم تخوفاته بألا يتمكن من التغلب على مشاق هذه الرحلة الطويلة، وبعد وقت قصير من رجوعه من الديار المقدسة في 24 ديسمبر 1929 توفي ناصر الدين ديني إثر نوبة قلبية، وأقيمت له صلاة الجنازة في مسجد باريس، التي دشن بها مسجدا سنة 1926، وتحقيقا لوصيته المشهورة، التي كتبها سنة 1913، نقل جثمانه بعدها إلى بوسعادة، حيث يرقد الآن، بجوار صديقه سليمان بن إبراهيم بمقبرة حي "الدشرة القبلية" بمدينة بوسعادة .