أظهر تقرير، الذي جرت مناقشته، أول أمس الثلاثاء، في إطار لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب حول المهمة الاستطلاعية المؤقتة للسجن المركزي عكاشة بالدارالبيضاء، أن من أبرز المشاكل التي تعانيها هذه المؤسسة السجنية هي الاكتظاظ إذ أن طاقته الاستيعابية (5800 سجين) لا تكفي حتى لعدد نصف السجناء الموجودين به عند إنجاز المهمة (7572 سجينا). وأوضح التقرير، الذي أنجزته لجنة برلمانية تضم 12 نائبة ونائبا وفقا لمقتضيات المادة 40 من النظام الداخلي لمجلس النواب واستجابة لطلب فرق الأغلبية، أن الأرقام المحصل عليها من هذه المؤسسة السجنية أظهرت أن كل شخص لا يتوفر حتى على 1,2 متر مربع، في حين أن المقاييس الدولية تتطلب تسعة أمتار أو أكثر، فيما كشف البحث أنه في عدد من الحالات يتقاسم 56 سجينا مساحة لا تتعدى 3 على 5 أمتار. وسجل المصدر ذاته أنه في ظل هذا الوضع "يصعب الحديث عن أي إمكانية لتطبيق القانون، من حيث استفادة السجناء من الخدمات والحقوق ولو في حدها الأدنى وبالشكل المنصوص عليه في التشريعات الوطنية والدولية". ومن خلال المعلومات المستقاة ميدانيا، لاحظت اللجنة البرلمانية التي أسند لها القيام بهذه المهمة الاستطلاعية، أن هذا الاكتظاظ يرجع في جزء كبير منه إلى "الاعتقال الاحتياطي (80 في المائة من السجناء هم في حالة اعتقال احتياطي) وتأخير البت في الملفات (سنة إلى خمس سنوات في حالات عديدة)، وعدم إعمال الإفراج الشرطي، فضلا عن غياب معايير موضوعية في مسطرة العفو". وفي ما يخص البنية التحتية للسجن، أثارت اللجنة الانتباه إلى ما يعتريها من ضعف نتيجة تقادم عدد من أجنحته، في ظل غياب مرافق أساسية وتعدد الاستعمالات المنوطة بالغرف رغم ضيقها واكتظاظها (نوم، أكل، تدخين، جلوس، قضاء الحاجات وغيرها)، مسجلة أن وضعا كهذا "يبقى مقلقا جدا ومحفزا على الاحتقان لغياب شروط صيانة الكرامة الإنسانية". وعلى مستوى التطبيب والتغذية، وبالنظر إلى المواد ذات الصلة من قانون 98/23 المنظم للسجون، سجلت اللجنة قلقها من "غياب توفير الظروف الصحية الملائمة"، و"افتقار الوجبات المقدمة للسجناء إلى المعايير الدنيا للجودة"، ملاحظة أنه رغم "الاعتمادات المهمة" التي تخصص للتغذية، فإن السجناء يعتمدون في تغذيتهم بالأساس على ما يتوصلون به من عائلاتهم. وبالمعاينة لاحظت اللجنة غياب تفعيل دور قاضي تنفيذ العقوبات ودور المراقبة القضائية، وأيضا غياب التنشئة الدينية والأخلاقية، مسجلة، في هذا السياق، أن " الفراغ والاقتصار على الأكل والنوم وغياب التأطير والإرشاد والحرمان من الخلوة الشرعية عوامل تؤجج الانحراف والعنف وتنامي الممارسات الشاذة". كما دقت اللجنة جرس الإنذار بخصوص مشكل عدم تصنيف السجناء الذي ينجم عنه الجمع بين أصحاب الجرائم الخطيرة والبسيطة، بسبب سوء تدبير الإدارة وعدم الالتزام بالمقتضيات القانونية المتعلقة بتصنيف السجناء، بما "يجعل السجن فضاء مفتوحا لتعليم تقنيات الإجرام وآلة لإعادة إنتاجه وخلق أعداء للمجتمع وإنتاج مجرمين في حالة العود". كما أشارت اللجنة إلى مجموعة من الاختلالات المتعلقة بالتكوين وإعادة الإدماج، في ظل "غياب استراتيجية واضحة وأهداف محددة وآجال مضبوطة لمسارات التكوين وإنجاز البرامج"، إلى جانب "غياب إحصائيات دقيقة حول عدد المسجلين وعدد الناجحين والمغادرين والمتوقفين عن التكوين"، وأيضا "غياب التفتيش وتقييم البرامج ووحدات التكوين". ولم يفت اللجنة الإشارة إلى قلة الموارد البشرية الموظفة لتدبير السجن (517 موظفا)، وهو عدد غير كاف لتقديم الخدمات مقارنة مع المعدل الدولي المحدد في موظف لكل ثلاثة سجناء، إلى جانب النقص الملحوظ في تأهيل وتكوين هؤلاء الموظفين، خاصة في مجال التربية على حقوق الإنسان والقواعد الدولية في التعامل مع السجناء، فضلا عن الحاجة إلى تحسين ظروفهم المادية والمعنوية. وخلصت اللجنة، في ختام تقريرها، إلى جملة من التوصيات من بينها ضرورة تفعيل آليات الرقابة وفق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتطبيق مبدإ المساءلة والزجر في حالات الخروقات والتجاوزات، واتخاذ التدابير اللازمة لفتح تحقيق حول مظاهر الفساد في المؤسسات السجنية بصفة عامة ومؤسسة عكاشة بصفة خاصة انطلاقا مما تضمنه التقرير.