ما من شك أن نجاح مخطط المغرب الأخضر ¡ كورش فلاحي كبير يستشرف مستقبل التنمية الزراعية في البلاد لأزيد من ثلاثة عقود ¡ سيظل رهين وفرة الموارد المائية في ظروف هيدرومناخية هشة وغير مستقرة ¡ وبالتالي فإن تدبير الطلب على ما يتوفر من هذه الموارد يمثل التحدي الأكبر أمام فرص إنجاح المخطط . فعلى صعيد منطقة حوض أم الربيع باعتبارها إحدى اكبر أحواض المملكة بتغطيتها لما يناهز 48 ألف كلم مربع وتهم نحو 17 بالمائة من ساكنة المملكة ¡ تعتمد غالبيتها على الأنشطة الزراعية¡ فضلا عن الإكراهات البنيوية المرتبطة بخصوصيات مناخها وتربتها ¡ فإن مسألة الحكامة الجيدة في التدبير والتخطيط الاستشرافي للموارد المائية تطرح بإلحاح شديد على كل جهة أو جهات مفوضة للسهر على تدبير القطاع المائي. وينبغي التشديد هنا على أن التدبير المحكم والرشيد ¡ لا يعني سوى ضمان التزود بهذه المادة الحيوية بشكل منتظم ومستمر بالكمية والجودة المطلوبتين ¡ ذلك أن أي خلل أو خصاص أو إفراط في الاستعمال ¡ ستكون نتائجه غير محمودة ¡ بل يمكن أن تترتب عنها انتكاسة من شأنها أن تدير عجلة القطاع الفلاحي برمته الى الخلف بدل الدفع بها الى الأمام. وبقدر ما حمل مخطط المغرب الأخضر من آمال وتطلعات على الصعيدين الوطني والجهوي ¡ تروم الاستجابة لانتظارات العالم الفلاحي وتحقيق التنمية القروية المتوازنة ¡ وخاصة على مستوى منطقة نفوذ وكالة الحوض المائي لأم الربيع ¡ في مجالات التنظيم والتأطير والمواكبة التقنية وابتكار أساليب زراعية جديدة في محاولة للقطع مع الأنماط التقليدية المكلفة وذات المردودية المحدودة ¡بقدر ما تتضح أهمية ومسؤولية هذه الوكالة ونظيراتها في مناطق أخرى من المملكة في ترجمتها الى نتائج ملموسة على أرض الواقع. وفي آخر مجلس اداري لهذه الوكالة انعقد قبل أيام بمدينة قلعة السراغنة ¡ تم التأكيد على إجبارية إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة للموارد المائية على ضوء قانون 10/95 الذي يؤسس لوضع سياسة لتدبير وتخطيط الموارد المائية تنبني على رؤية استشرافية تأخذ بعين الاعتبار كلا من تطور هذه الموارد وتزايد الطلب عليها. كما تم التأكيد على أن هذا المخطط ¡ بعد المصادقة عليه ¡ سيشكل وثيقة مرجعية لتخطيط الموارد المائية في حوض أم الربيع والأحواض الساحلية الأطلسية خلال السنوات العشرين المقبلة ¡ فضلا عن استهدافه احترام التوجهات المحددة في الاستراتيجية الوطنية لقطاع الماء وتوخي مواكبة البرامج القطاعية وبلوغ التكامل الضروري مع تلك البرامج ¡ وفي ذلك إحالة الى المشاريع المدرجة ضمن مخطط المغرب الأخضر والبرنامج الوطني للتطهير السائل. وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى أن منطقة السراغنة زمران¡ كإحدى مكونات جهة مراكش تانسيفت الحوز ¡ والتي تدخل ضمن نفوذ وكالة حوض أم الربيع الى جانب جهات أخرى ¡ تستأثر لوحدها جهويا بنحو 60 بالمائة من برنامج المغرب الأخضر أي باستثمار ضخم يقارب 10 مليارات من الدراهم. وقد اعتبر مهنيون محليون أن الأمر يتعلق ب " ثورة زراعية ثانية " ¡ تأتي بعد سياسة السدود التي رسمها المغفور له الملك الحسن الثاني ¡ وهي بالفعل كذلك " لأن منطقة السراغنة أرض معطاء متى جادت عليها السماء ووجدت السواعد والمعاول التي تحول شدتها وصلابتها الى جود ورخاء". ويختزل انطباع المهنيين المحليين في العمق ¡ ازدواجية في طبيعة هذه المنطقة الحافلة بالتناقضات والإكراهات المرتبطة أساسا بالتقلبات المناخية وندرة المياه والهشاشة ¡ فهي لا تستقر على حال ¡ تنتج مواسم جيدة وأخرى سيئة عندما تتضافر لها العوامل المساعدة على ذلك ¡ تعطي وتجود ¡ كما تبور وتصاب بالعقم المزمن. وهذا واقع معقد يسائل كل المهتمين بالشأن الزراعي والمائي على أكثر من جهة ¡ فالفلاحة الصغرى ¡ باعتبارها المتضرر الأكبر من هذه الأوضاع ¡ تعاني من معضلة التشتت والزراعات التقليدية المكلفة وغير المربحة ( مثل الحبوب ) فضلا عن غياب التأطير والمواكبة بقصد اعتماد زراعات بديلة ومربحة . وعندما ينضاف كل هذا الى إكراهات أخرى من قبيل الظروف الهيدرومناخية الصعبة وترشيد استعمالات الموارد المائية ¡تصبح المعادلة أصعب. من هنا يبدو أن مخطط المغرب الأخضر ¡ في شقه المتعلق بالمناطق شبه الجافة وذات الموارد المائية المحدودة مثل مناطق السراغنة وزمران والرحامنة ¡ جاء بمقترحات ومشاريع جديدة بنيت في تركيبتها على التأقلم مع هذه الخصوصيات ¡ ومن أبرزها سياسة التنظيمات المهنية والتجميع وتشجيع الفلاحين على ولوج الزراعات البديلة كالشمندر بدل الحبوب في المناطق السقوية ومنح جملة من الإعانات لإدخال التقنيات الحديثة في السقي وغيرها من الأساليب الحديثة مراعاة للإكراهات المطروحة. كما أن تحيين خطط العمل حسب توجهات الاستراتيجية الوطنية للماء والتنسيق والتشاور مع الفلاحين وكافة الفرقاء المعنيين في مجال تعبئة الموارد المائية وحسن تدبيرها ¡ كفيل بأن يصحح بعض الأوضاع السائدة حاليا والتي كثيرا ما اتسمت بعدم ترتيب الأولويات . وحسب آخر تقارير وكالة الحوض المائي أم الربيع ¡ فإن المعدل السنوي للموارد المائية المتوفرة في منطقة نفوذ الوكالة يقدر ب / 7 ر 3 مليار متر مكعب / ¡ وهو مخزون لا يقبل أي إسراف أو إتلاف ويفترض أن يساهم بحكامة جيدة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا الحوض الذي يشكل نحو 7 بالمائة من المساحة الإجمالية للمملكة ويشمل عدة مناطق من جهات مراكش تاسيفت الحوز وتادلة أزيلال ووصولا الى حدود الأحواض الساحلية للجديدة وآسفي في الجنوب الغربي لحوض أم الربيع.