بعد حصوله على تنويه خاص من مهرجان طنجة للفيلم الوطني، تشرع القاعات السينمائية المغربية في عرض أول فيلم سينمائي طويل للمخرج إبراهيم الشكيري، "الطريق إلى كابول"، ابتداء من 25 أبريل الجاري. عن هذا الفيلم المغربي الحابل بالمواقف الكوميدية الهادفة، والمطعم بالجرعات السياسية المتوازنة، ومشاهد الحركة المثيرة، التي ساهم في تقديمها كوكبة من خيرة الممثلين المغاربة، أمثال أمين الناجي، وربيع القاطي، ورفيق بوبكر، ويونس بواب، ومحمد بنبراهيم، وعبد الرحيم المنياري، ومحمد قيسي، وعزيز داداس، وسعيد باي، وفاطمة بوشان، يتحدث إبراهيم الشكيري، الذي أخرج أزيد من 20 فيلما تلفزيونيا ناجحا، كما يتحدث عن واقع الصناعة السينمائية المغربية والتحديات التي تواجهها، في هذا الحوار، الذي خص به "المغربية" بمناسبة العرض ما قبل الأول للفيلم. كيف جاءت فكرة الفيلم، وما هي الأسباب التي دفعتك إلى إخراجه؟ سيناريو الفيلم مأخوذ عن فكرة للراحل لحسن الشكيري، الممثل الكوميدي الساخر المعروف بالجنوب، جمعتني به علاقة دم وفن متميزة جدا، فهو عمي، الذي اكتشفت فيه الإنسان المرح، والفنان الذي يمتلك حسا إبداعيا عاليا، رغم أنه لم يكن دارسا للفن. ناقشنا الفكرة وطورناها قبل وفاته عن عمر يناهز 60 سنة، وبعدها بشهور اختمرت واكتمل السيناريو فكانت النتيجة "الطريق إلى كابول". ما دفعني إلى الإسراع بإخراج الفيلم، أولا تكريم كل الممثلين العصاميين والمغمورين في شخص الراحل لحسن الشكيري، الذي أهديه باكورة أعمالي السينمائية، ولئن نجح الفيلم وحقق إقبالا جماهيريا كبيرا فسيكون الفضل الأول والأخير لعمي، ولكل الممثلين والتقنيين الذين ساهموا في إخراج هذا العمل الفني. وثانيا لأنني أردت تناول موضوع الهجرة بطريقة تختلف تماما عما ألفناه في عدد من الأفلام السابقة، محاولا ملامسة العديد من القضايا المحلية الاجتماعية المحلية مثل (البطالة، والحلم بالهجرة، والشعوذة، والتفكك الأسري، والرشوة، والقرصنة، والنصب...) ، والعالمية مثل (الحرب على الإرهاب، والتطرف الديني، والسيطرة الأمريكية على العالم، وتجارة المخدرات...). وثالثا للبرهنة على أن القطاع الخاص يمكن أن ينتج أفلاما تجمع بين الصناعة السينمائية والثقافة والفن، وأعتقد أن تشجيع هذا القطاع لدخول عالم الإنتاج السينمائي سيمكننا من صناعة أفلام بمواضيع مختلفة، لأن دعم الدولة لا يشمل المشاريع، التي تتوافق وقناعات لجنة الدعم. لماذا اخترت الكوميديا وعاء لأول أفلامك الروائية رغم صعوبتها؟ اخترت الخط الكوميدي لسببين الأول لأن عمي كان كوميديا، والثاني لأن المواقف الكوميدية هي الأكثر تعبيرا عن الواقع المعيش للغالبية العظمى من الناس، والثالث هو أنني أطمح من خلال هذا الفيلم إلى المساهمة في إغناء الحقل السينمائي المغربي بهذا النوع من الأفلام، الذي لم يجد اهتماما كبيرا من قبل معظم المخرجين المغاربة، وحتى الذين اهتموا بهذا النوع جاءت أفلامهم مبتذلة وغير هادفة في أغلب الأوقات. هل استفاد الفيلم من الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي، وما هي المشاكل التي واجهتك خلال تصويره ؟ لم يستفد الفيلم من أي دعم من المركز السينمائي المغربي، وتكلفت بإنتاجه شركة إنتاج خاصة "إماج فاكتوري"، والحمد لله لم تواجهني أي مشاكل مادية خلال تصوير الفيلم، الجميع كانوا متعاونين، لأنهم كانوا واعين أنهم بصدد إنجاز فيلم هادف وملتزم بقضايا مهمة. كيف تنظر إلى واقع السينما المغربية؟ لا أستطيع القول إن هناك سينما مغربية، فكل ما هناك أفلام أنجزها مخرجون مغاربة، وهي أفلام لا تؤسس لصناعة سينمائية بالمعنى الحقيقي للكلمة. ورغم ارتفاع عدد الأفلام التي أصبح المغرب ينتجها سنويا حوالي 30 فيلما، فإن المغرب لم يقدم أفلاما ذات مستوى سينمائي عالمي، باستثناء عدد قليل من الأفلام، فالسينما صناعة بالدرجة الأولى، إلى جانب كونها ثقافة وفنا. الملاحظ أنك استقطبت العديد من الممثلين الجيدين في فيلمك، فهل آن الأوان أن نجزم بوجود نجوم أو نجم يستطيع المنتج المراهنة عليه في شباك التذاكر؟ مع الكم المنتج حاليا من الأفلام لا أعتقد ذلك، كما أنني لا أنكر وجود عدد كبير من المواهب الفنية التي تستحق النجومية، ولن أكون مبالغا في القول إن هناك ممثلين مغاربة من مستوى عالي وعالمي، لكن ظروف الإنتاج في المغرب لا تساعد على صناعة نجم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رغم أن النجوم ثروة وطنية حقيقية لبلدانهم، فحين يشارك أي نجم معروف في نشاط معين فإنه يساهم في إشعاع اسم بلده، بالإضافة إلى المساهمة في الناتج المحلي، ولك أن تتصور نجوما يحضرون مهرجانات مقابل ملايين الدولارات. أمام الانتشار الواضح لوسائل الاتصال الحديثة، هل مازالت القاعات السينمائية قادرة على اجتذاب الجمهور ؟ بالإبداع وحده ستظل السينما قادرة على اجتذاب الجمهور، وضمان الاستمرارية. وأعتقد أن فقدانها عددا مهما من جمهورها، لا يرجع بالدرجة الأولى إلى انتشار وسائل الاتصال الحديثة، (التلفزيون والإنترنت...)، بل لأن دور العرض هي التي تطرد جمهورها. فمعظم القاعات السينمائية الموجودة حاليا لا تتوفر على شروط فرجة سينمائية مناسبة، فتذكرة دخول قاعة السينما، هي بمثابة تعاقد بين المتفرج، وإدارة العرض، فالمتفرج يدفع مقابل، مقعد مريح، وأجهزة صوت جيدة، وصورة واضحة، وإضاءة قوية، في قاعة نظيفة، ومعظم هذه الشروط لا تتوفر في معظم قاعاتنا. ما هي الحلول في نظرك؟ من المفروض أن تكون هناك قوانين وضوابط عامة تحدد شروط المشاهدة، ويجب على الدولة أن تدعم القاعات من أجل إعادة تأهيلها وجعلها تواكب نمط الاستهلاك الجديد المتجلي في إقامة مركبات سينمائية تقدم أنواعا مختلفة من الفرجة السينمائية. فلا يعقل دعم الإنتاج السينمائي، دون دعم الموزعين وأصحاب القاعات، على الأقل في مرحلة التأسيس للصناعة السينمائية المغربية، تماما كما حدث في كوريا الجنوبية، ونيجيريا، إذ بدأت الدولة بإعادة تأهيل القاعات، وفرضت على أصحابها عرض المنتوج الوطني في مرحلة أولى، ثم المساهمة في عملية الإنتاج في مرحلة ثانية، إذ أصبحت نيجيريا تنتج أزيد من 200 فيلم سنويا ما خلق سوقا وطنية لفيلم محلي، وهو رقم مهم، بالمناسبة لأنه من الكم يمكن الوصول إلى الكيف، الذي يعد جسرا نحو العالمية. هل نجحت الأفلام المغربية في طرق قضايا عالمية، أم أنها ظلت محصورة في مواضيع محلية فقط ؟ للأسف معظم الأفلام المغربية لم تبارح المحلية، لضعف السيناريوهات وسطحيتها، فمعظمها أفلام متواضعة، ولا تتطرق إلى مواضيع عالمية، باستثناء بعض المحاولات التي تتولى إنتاجها جهات غربية. وأعتقد أنه آن الأوان لإنتاج أفلام من هذا النوع، لأننا جزء من هذا العالم الذي لم تعد بين دوله حدود جغرافية إبداعيا. وطموحي هو الوصول إلى العالمية بأعمال محلية تلامس تطلعات الإنسان العادي.